الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الممرضة أقرب واحدة فى الشدة

الممرضة أقرب واحدة فى الشدة
الممرضة أقرب واحدة فى الشدة


كتبت - هبة حسنين
كانت قاعة المجلس تشبه المسرح الكبير ينتظر بداخله صفوف متراصة من أصحاب القبعات «ملائكة الرحمة» التى تلامس آلام الناس وتضمد جراحهم وتخفف أوجاعهم.. وجوه بمجرد أن تقترب منها تجد ابتسامة الشفاء مرتسمة فى ملامحها.
 
بدأت احتفالية المجلس القومى للمرأة، لتكريم أصحاب العيون الساهرة.. للوهلة الأولى تأخذك روح طيبة تحف صفوف الممرضات.. يجلسن مرفوعات الرأس، لما لا؟ وهن يعقدن العزم دائمًا وأبدًا على تحمل مسئولية الأمانة التى تداوى أوجاع المرضى وتمسح هموم أمراضهم.  
تجلس فى منتصف القاعة «رقية» تستعيد ذكريات 41 عامًا قضتها بين جدران مستشفى حلوان العام، وتنتظر نهاية خدمتها بعد عدة شهور.. لم تنس أنها وقفت ذات مرّة بين عيون أحد المرضى تحقنه حتى يهدأ وتهمس معه عن أحواله وتطمئنه على نبضات قلبه.
تقول رقية: إنها عانت فى بداية عملها بمهنة التمريض، حيث لم تستطع حينها التوفيق بين واجبات منزلها وعملها، لكنها لم تترك التزامها أبدًا أمام مرضاها.. ورغم ضعف الإمكانيات والمقابل المادى،  كانت تقضى ليلة كاملة «نباطشية» كل أسبوع، بـ75 قرشًا فقط.
تحلم - رقية - بزيارة بيت الله الحرام، بدعم من النقابة العامة للتمريض، وأن تنظر الدولة بعطف إلى معاشها البسيط، مطالبة بزيادة بدل العدوى للجيل القادم من الممرضات.
زميلتها -فاطمة- وافقتها الرأى تمامًا، مضيفة: «كنت بقبض 67 جنيها.. بس الحمدلله حاليًا الوضع أحسن شوية، وأتمنى إننا نتساوى بالتمريض العسكرى،  لأن مرتباتهم ولبسهم والتعامل معاهم أحسن بكتير».
ومن قلب الصعيد من قنا، جاءت عبير، لتعبر عن سعادتها البالغة بتكريمها فى اليوم العالمى للتمريض، بعد أن أتمت عامها الثانى والعشرين فى خدمة الموجوعين، غير أنها لم تتمن سوى اهتمام الدولة بالمهنة، قائلة: «الممرضة هى أجمل حاجة للمريض، وهى كل حاجة بالنسبة له وقت شدته، وتكريمها النهارده بيرفع من رأسها أمام مصر كلها».
تكريم الممرضة بيرفع رأسها أمام الناس كلها
-صابرين عادل- هى الأخرى تشعر بفرحة الأطفال - وتضيف: «اليوم رائع وجميل، وأنا كل أمنياتى اتحققت النهارده بتكريمى وده شيء كافى بالنسبة لى».
على اليمين -تحكى أميرة مع زميلتها سماح مصطفى-، مشرفة رعاية الحالات الحرجة بمستشفى مصطفى محمود، وتقص حكايات من أيام السهر على حال المرضى.
رغم عدم تكريم أميرة، إلا أنها جاءت لتشجيع «سماح» وحضور تكريمها، التى عبرت: «النهارده النقابة افتكرتنا وكرمتنا عشان كده بعتبره يومًا من أجمل أيام حياتى،  وأتمنى من النقابة أن تشرف بشكل أكبر على كل من يعمل بهذه المهنة، فهناك فتيات يمتهنها وهن لسن بأهل علم، ما ينفعش كل من هب ودب يشتغل ممرض».
التمريض مش وظيفة.. دى رسالة إنسانية.
سماح التى ضحت كثيرًا بوقتها وأيقظت روحها فى سبيل تطييب الوجع، نصحت شباب المهنة، بأن يضعوا الرقابة الإلهية أمام أعينهم قبل الرقابة الإدارية، فلا ينظرون للتمريض على أنه وظيفة، بل على أنه أكثر من ذلك، فهو واجب ورسالة إنسانية تقدم بكل الرضا والسماحة.
بجوار سماح وأميرة -حضرت هناء محمد من السويس- ترضيها الكلمة الحلوة الطيبة، كتقدير على مجهوداتها، وتكريم الدولة لها، رفع من شأنها كثيرًا أمام أهلها وزملائها وجيرانها، فتصف: «إحساس حلو وجميل وبيشجعنا نبقى أحسن ونكون أحسن تمريض على مستوى العالم كله، ربنا يشفى كل مريض وإحنا عمومًا بنأدى واجبنا وربنا يقدرنا دايمًا».
تكريم هند فؤاد، مسئول وحدة الكلى بمستشفى السويس العام، يشعرها بالفخر والسعادة، لكنها تتحدث مع زميلتها منال، عن مطالب الممرضات «نفسى صورة الممرضة المشوهة تختفى حتى لا نشعر بالحرج أمام الجميع، لذا فإن المسئولين بالنقابة والوزارة يجب أن يمنعوا أى أعمال درامية تظهرنا بصورة سيئة السمعة».
مهنة صعبة والظروف صعبة
ومن المنصة تروى جمالات عطا، أنها رأت الموت بعينيها، عندما كانت ترعى مصابى الثورة فى ميدان التحرير.. خنقها الغاز المسيّل للدموع، لذا تؤكد أن مهنة التمريض صعبة للغاية، وأن الممرضات يسهرن على راحة الآخرين فى ظروف قاسية.
نفسى أكمل تعليمى بس الدراسة غالية
بينما يقفن فى ذيل القاعة -ملائكة الغد- يشاهدن مستقبلهن وتلمع فى عيونهن فرحة وحماسة: هل سيتم تكريمهن يومًا ما؟، ويطالبن أيضًا - بضرورة احترام مهنتهن وتقدير ظروفهن من المجتمع والمسئولين، بينهن صابرين، التى تعمل بمستشفى المنيرة العام، تحكى: «حقوقنا المادية تعتبر منعدمة، على الأقل نتمنى أنها تتماشى مع اللى بيحصل فى البلد، لأن الدنيا بتغلى وإحنا زى ما احنا، ده غير إننا نفسنا نكمل دراستنا بس مش قادرين ماديًا، بسبب غلاء الدراسة.. نفسنا النقابة تقلل التكاليف شوية».
تقاطع فرقة الأنفوشى للموسيقى العربية، بقيادة المايسترو، هيثم مدحت، همهمات الممرضات الصغار، متغنية بأروع الأغانى الوطنية المشهورة «عدى على كل الصعب، أما براوة، عيون بهية، عنابى،  يا حبيبتى يا مصر».
تقول الدكتورة كوثر محمود، نقيب عام التمريض المصرى:  إن الممرضات يقمن بتضحيات كبيرة من أجل القيام بدورهن فى المجتمع، مشيرة إلى أن هذه التضحيات ساعدت كثيرًا للحفاظ على الارتقاء بمنظومة التمريض المصرى.
وتطالب، بضرورة الاستمرار فى العمل والحصول على مزيد من التدريب، كى يتم الوصول إلى أفضل المستويات فى التمريض على مستوى العالم.
فيما أعربت الدكتورة أحلام حنفى،  مقررة لجنة الصحة والسكان بالمجلس القومى للمرأة، عن سعادتها العارمة بتنظيم الاحتفالية فى مكان يعد بيتًا للمرأة المصرية بمختلف فئاتها، مؤكدة أن التمريض أساس مهنة الطب التى تحمى المجتمع من أخطار الزمن. ونقل الدكتور محمد شوقى،  نائب وزير الصحة، تحيات وتقدير الدكتور أحمد عماد الدين، مؤكدًا أن الطفرة التى حدثت فى العديد من المستشفيات والمراكز الصحية، ساهمت الممرضات فيها بشكل كبير.
الدكتور  فتحى ندا، نقيب المهن الرياضية، عضو مجلس النواب قال: إن مصر تعانى من فجوة كبيرة بين الواقع والتطبيق، موضحًا أن مهنة التمريض هى الوحيدة التى استطاعت القضاء على هذه الفجوة.
كما عبر ندا عن سعادته الكبيرة بتواجده فى احتفالية تكريم كبيرة لممرضات، مطالبًا ببذل المزيد من الجهد والعرق والكفاح، للارتقاء بمستوى التمريض فى مصر.
ووجّه الدكتور مجدى مرشد، أمين عام ائتلاف دعم مصر، التحية والتقدير إلى نقيب التمريض، على الجهود التى تبذل بإخلاص وأمانة.
وأشادت الدكتورة أروى عويس، المستشارة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية للتمريض، بتكريم المجلس القومى للمرأة، لسيدات يعتبرن فخرًا لمصر، رغم اصطدامهن بتحديات وعقبات كثيرة.
وأكدت عويس، أن منظمة الصحة العالمية قامت بإعداد استراتيجية لتطوير تمريض الشرق المتوسط، عبر القيام بجهد أكبر، لتحسين وضع الممرضين والممرضات. •