الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أول مدرسة نظامية لتعليم الموسيقى فى الشرق الأوسط تحت القبة والمحراب.. مسرح وموسيقى

أول مدرسة نظامية لتعليم الموسيقى فى الشرق الأوسط تحت القبة والمحراب.. مسرح وموسيقى
أول مدرسة نظامية لتعليم الموسيقى فى الشرق الأوسط تحت القبة والمحراب.. مسرح وموسيقى


من بعيد يبدو كمسجد بقبة كبيرة، وإذا اقتربت منه يبدو كمدرسة مملوكية، بباب خشبى مصفح بالنحاس، يشبه أغلفة المصاحف، يعلوه بخط النسخ المطلى بطلاء ذهبى «معهد الموسيقى العربية». المبنى  المميز فى شارع رمسيس الذى استمر بناؤه 6 سنوات، وافتتح فى 1929، بحضور الملك فؤاد الذى جلس فى البنوار المنشأ خصيصًا له، وجلست زوجته الملكة نازلى فى البنوار المخصص لها فى مقابل بنوار الملك، بينما شدى الموسيقار محمد عبدالوهاب بأغنية «فى الليل لما خلي».

وجلس الحاضرون من الأعيان والوزراء فى البناوير الدائرية المصنوعة من الخشب الخرط المزخرفة بالذهب بالطابق الثانى للمسرح، ولفت نظرهم  ليلتها تلك الزخارف الإسلامية البارزة الشبيهة بالموجودة فى المساجد، وشعار الملكية «التاج الملكى والهلال والنجوم الثلاثة» التى زينت البنوارين.
 القصة من النادى إلى المعهد
تعود قصة إنشاء المعهد إلى عام 1914، عندما اجتمع 13 من محبى الموسيقى العربية برئاسة مصطفى بك رضا، وسفر على أفندى، لمناقشة إنشاء ناد للموسيقى العربية للنهوض بهذا الفن، بعيدا عن الألحان العقيمة والقوالب التركية.
وبالفعل أسس النادى، وعقدت أول جمعية عمومية له فى نفس العام، وانضم للنادى مجموعة من الوجهاء والأعيان الذين تبرعوا بأموالهم، لإنجاح المشروع، وبدأ النادى فى بيت صغير بشارع محمد على بإيجار 3 جنيهات، وزاد الإقبال على حفلات النادى وأنشطته، فاستأجروا شقة كبيرة بالمنزل رقم 7 بشارع البوستة، بإيجار 16 جنيهًا شهريا.
وبعد مرور 4 سنوات على عقد جمعيته العمومية، أى فى 1918 قرر الملك فؤاد الأول أن يشمل النادى برعايته، فصرف له منحة مالية، وعندما رغب أعضاء النادى فى إنشاء أول مدرسة نظامية لتعليم الموسيقى فى مصر والشرق الأوسط، منحتهم الحكومة قطعة أرض بشارع الملكة نازلى «رمسيس حاليًا»، لبناء المدرسة، وتكلفت 30 ألف جنيه، بعضها دعم من الدولة وبعضها الآخر من تبرعات الأعضاء.
طراز مملوكى بروح أوروبية وخاتم ملكى
الباحث بوزارة الآثار أسامة الكسبانى، صاحب رسالة الماجستير المعنونة « المسارح الأثرية فى عصر أسرة محمد علي» يشرح عمارة المعهد قائلا: معهد الموسيقى العربية شيد على الطراز الإسلامى الحديث«المملوكي»، الذى ساد عمارة الربع الأول من القرن العشرين، وعكس الروح المصرية والعربية معا، تأكيدا على الهوية العربية والإسلامية.
وضع تصميم المعهد، كبير مهندسى وزارة الأشغال، الإيطالى أرنستو فيروتشى، الذى عاش مابين «1874، 1945»، وتعاون معه فى رسم التصميم المهندس الإيطالى مسيو باستير، بالاشتراك مع مهندسين مصريين مثل فرج أمين وآخرين.
ويلفت أسامة إلى أن مبنى المعهد، يشبه عمارة الجامع والمدرسة المملوكية، بقبته ونوافذه ذات الشكل المستطيل، التى تزين واجهاته، والزخارف الجصية، وأشغال الخشب الخرط، والرخام الذى يكسو أرضياته وبعض جدرانه.
«المدخل الرئيسى للمعهد يتقدمه عقد على هيئة حدوة الفرس المدببة، وزينت كوشاته برنوك-مثل ختم السلاطين - بداخلها تاريخ تشييد المعهد». 1923-1241 هجرية، ويعلو باب المعهد الخشبى المصفح بالنحاس، شرفة من الخشب الخرط.
 وقمة المعهد قبة مزخرفة بأشرطة طويلة تنتهى بأشكال حرف الميم، وتتوج قمة القبة هلال نحاسى، بداخله الهلال والثلاثة نجوم «شارة المملكة المصرية»، ومن الداخل تتزين القبة بمقرنصات مذهبة و8 نوافذ من الجبس المعشق بالزجاج الملون، يفصل بينها زخارف هندسية مذهبة، لتصنع إضاءة ذاتية للمكان.
وللمبنى أربع واجهات متشابهة، ذات نوافذ مستطيلة بارتفاع طابقين، مزخرفة بزخارف نباتية، وزخرفة بحرف الميم والمقرنصات وكلها من الجبس.
يتكون المعهد من طابقين، الأول به بهو الاستقبال الذى يرتفع حتى قبة المعهد، وبأحد جدرانه محراب كبير فى اتجاه القبلة، بألوان زاهية، وفى الطابق العلوى يوجد محراب آخر، ودرابزين دائرى من الخشب الخرط.
من وزارة المعارف إلى الآثار ثم الأوبرا
ويشرح مدير المعهد محمود عفيفى، تاريخ تبعية المعهد:«كان يتبع وزارة المعارف حتى السبعينيات، وعندما أنشأ يوسف السباعى أكاديمية الفنون عام 1970،   نقل المعهد إلى الأكاديمية، وسمى المعهد العالى للموسيقى العربية، وظل المعهد الكائن بشارع رمسيس للدراسات الحرة، وسجل فى 1988 كأثر إسلامى، لقيمته المعمارية والفنية».
ويشير عفيفى بيده إلى اللوحة التى تعلو الباب الرئيسى من الخارج، والمكتوب عليها» إن المعهد تم افتتاحة بعد ترميمه فى 2002 بحضور السيدة سوزان مبارك، زوجة رئيس الجمهورية وقتها، ووزير الثقافة حيئذ فاروق حسني»، فقد صدر قبلها قرار جمهوري بتبعية المعهد لدار الأوبرا فى 1996 وأغلق للترميم.
وغنى على مسرح المعهد فى شارع رمسيس أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالمطلب، وفيروز ووردة، وصباح فخرى، وبعد إعادة افتتاحه، شدى على مسرحه العديد من الفنانين فى الحفلات التى تنظمها دار الأوبرا.
المسرح بارتفاع الطابقين، ويعلو خشبته نص تأسيسي، مكتوب فيه «شيد فى عهد وبرعاية حضرة صاحب الجلالة مولانا فؤاد الأول 1923»، والجدران بها زخارف مذهبة مفرغة، وأخرى على شكل التوقيع السلطانى، وزخارف نباتية تجريدية «الهاتاي»، والسقف الخشبى مزين بورود حمراء وزرقاء صغيرة بلون السماء، على غرار أسقف قصور عصر النهضة الأوروبى.
آلات وصور نادرة
ولازال المعهد يفتح أبوابه للراغبين فى الدراسات الحرة للموسيقى، على أيدى أساتذة متخصصين، ويحوى متحفا للآلات الموسيقية الشرقية، التى تركها المشاركون من مختلف الدول العربية فى أول مؤتمر للموسيقى العربية بالقاهرة سنة 1932، كذكرى لحضورهم المؤتمر، ولتكون نواة للتعريف بهذه الآلات الخاصة بكل بلد. ويقول مدير المعهد يمكن للزائر الآن الاستماع إلى أصوات هذه الآلات، بمجرد الضغط على زر موصل بالألة، ومن أندر تلك الآلات بيانو نادر يعود تاريخه إلى أكثر من 100 عام، يمكن أن يصدر عنه صوت «الربع تون»المميز للموسيقى الشرقية.
ولازال أثاث المعهد كما هو منذ إنشائه قبل مايقرب من 90 عاما، فصالوناته من الخشب الخرط، وبعضها معشق بالعاج والأبنوس، ولازالت مكتبته الموسيقية التى تضم أندر الكتب والأسطوانات على حالها بعد ترميمها، لكن يبقى أهم مايميز المعهد هو تلك الثروة من اللوحات والصور الفوتوغرافية التى تؤرخ لمراحل إنشائه، والحفلات التى شهدتها أركان وصالون المعهد منذ افتتاحه، وصور نادرة حقيقية لفنانى القرن التاسع عشر، مثل ألمز «مكتوبة هكذا تحت الصورة» وعبده الحمولى، وأبو العلا محمد وغيرهم كثير، والتى تزين طرقات المعهد.
كما يحوى المعهد متحفا لمقتنيات الموسيقار محمد عبدالوهاب، أهدتها لدار الأوبرا زوجته ، نهلة القدسى، وقررت دار الأوبرا وضع المقتنيات فى المعهد. •