الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أسرة الأستاذ عوض التى غيرت حياتى!!

أسرة الأستاذ عوض التى غيرت حياتى!!
أسرة الأستاذ عوض التى غيرت حياتى!!


فى بداية السبعينيات كنت طفلة فى المدرسة الإعدادية.. وفى نهاية السبعينيات أصبحت شابة تخرجت في الجامعة وأعمل صحفية فى مجلتى المفضلة «صباح الخير»..

فى بداية السبعينيات مات جمال عبدالناصر.. وفى نهايتها مات أبى.. ومات قبله عبدالحليم حافظ وأم كلثوم.
عشت فى هذه الفترة فرحة انتصار أكتوبر.. ومازلت أذكر هذا اليوم عندما سمعت أخى وهو يصرخ متسائلاً بدهشة وفخر: عبرنا القناة؟! عبرنا القناة؟!! ولكنى عشت أيضًا بعد سنوات قليلة صدمة زيارة السادات للقدس، والمقاطعة العربية.
شاهدت بداية عصر الانفتاح الاقتصادى الذى تغير معه شكل المجتمع المصري، وأيضًا أخلاق وطباع ومزاج المصريين.. ولكنى عشت بقايا قيم جميلة تمسك بها أفراد الشعب قبل أن تختفى بعد ذلك فى فترة الثمانينيات..
 لم نعرف الموبايل ولا الكمبيوتر ولا حتى الكاسيت..واستبدلنا كل هذا بالراديو والبيك اب  والريكوردر.. وشاهدنا السينما  والمسرح والتليفزيون، وسمعنا إذاعة أم كلثوم، وقرأنا المجلات والروايات.
هذه هى السبعينيات، سنوات معدودة عبرت خلالها من الطفولة إلى النضج فأصبحت ما أنا عليه الآن.
مسرحيات
كنا - فى هذا الوقت - نعرف الأخبار من التليفزيون والراديو أو ننتظر صحف الغد..فى الراديو نبحث عن إذاعة لندن، وفى التليفزيون ننتظر نشرة التاسعة..
التليفزيون كان  قناتين فقط مدة إرسالهما ساعات محدودة.. وبدون ريموت كنترول وتعليمات قاسية حازمة  من ماما بعدم استخدام محرك القنوات حتى لا ينكسر.
بدأت القراءة قبل هذه الفترة بقليل، مجلات ميكى وسمير وتان تان.. كانت هذه المجلات من أهم الأشياء فى حياتنا - إخوتى وأنا - لسنوات طويلة، حتى بعد أن بدأنا قراءة  مجموعة  (المغامرون الخمسة)،  استمرت ميكى بالذات هى مصدرنا للسعادة والمعرفة..
المغامرون الخمسة، تختخ ومحب ونوسة وعاطف ولوزة، للكاتب محمود سالم، كانوا مرحلة مهمة فى حياة مراهقي هذه السنوات.. كل أبناء جيلى قرأ المغامرات وحاول تقليدها واستمتع بها وعرف من خلالها متعة القراءة.
كان أبى يحضر لنا المجلات وكنا نشترى المغامرات من مصروفنا، أو نحصل عليها كهدية نجاح من ماما.. وكنا أيضًا نتبادل الحلقات مع الأصدقاء.
كبرنا - قليلاً - فأحضر لنا أبى كتبًا مختلفة تمامًا.. مسرحيات.
عيلة الدوغرى والناس اللى فوق والناس اللى تحت للكاتب نعمان عاشور.. لم يعد أحد يكتب مسرحيات فى الوقت الحالى ولكن فى الستينيات والسبعينيات كان هناك العديد من الأسماء المهمة.. سعد الدين وهبة وألفريد  فرج.
كانت قراءة المسرحيات سهلة وممتعة..حوارات بين الأبطال تحكى الأحداث بسلاسة، نفهم ما يجرى لكننا لا نبحث عن الرسالة التى يريد الكاتب أن يوصلها لنا.. حببتنى المسرحيات فى القراءة أكثر خصوصًا عندما شاهدتها عملاً مسرحيًا فى التليفزيون، كانت مرحلة مهمة وضرورية سهلت الانتقال إلى قراءة القصص القصيرة ثم الروايات الطويلة.. قصص  نجيب  محفوظ وإحسان  عبدالقدوس ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم.
القراءة لجيل السبعينيات كانت المتعة الحقيقية، والطريق الوحيد للثقافة والمعرفة.. لا إنترنت ولا فضائيات..
لا أذكر فى أى سنة دراسية درست «الأيام» لطه حسين، ولكنى أذكر جيدًا أننى كنت أقرأ منها كل يوم حتى فى فترة الإجازة.. كنت أحملها معى إلى الإسكندرية عندما نذهب فى شهور الصيف لأقرأ بعض صفحاتها قبل النوم، هذا الجزء بالتحديد الذى يحكى فيه طه حسين عن وفاة شقيقه الأكبر، الطبيب الذى أخذ على عاتقه مهمة إنقاذ المرضى المصابين بوباء الكوليرا فكان أن أصابته العدوى ومات.. صفحات قليلة  حزينة ومؤثرة ومبكية ولكنى كنت اقرأها كل يوم.. نعم، كل يوم.
التليفزيون
فى هذا الوقت كانت ماما تتابع باهتمام شديد مسلسل عادات وتقاليد فى التليفزيون.. المسلسل بطولة عقيلة راتب وعبدالعظيم عبدالحق وهما ممثلان اعتقد أن شباب هذه الأيام لا يعرفونهما، ولكن «عادات وتقاليد» كان من الأحداث المهمة لجيل ماما.. معظم الوقت كانت تنضم لها جاراتنا - صديقاتها - لمشاهدة المسلسل معا.. الغريب - بالنسبة لى - كان المناقشات الجادة التى تدور بينهن بعد نهاية الحلقة.. كان المسلسل ينتقد بعض سلوكيات المصريين المتمسكين بعادات وتقاليد يريد صانعوه  تغييرها.. ويخاطب المسلسل- بصفة خاصة - السيدات فى سن ماما وصديقاتها.
لم أكن أحب مشاهدة الحلقات ولكنى كنت مبهورة بهذه المناقشات التى تدور بعدها.. أدركت فى هذه السن الصغيرة كيف يمكن أن تؤثر الدراما فى سلوكيات البشر.. ودفعنى هذا الإدراك لمحاولة متابعة بعض الحلقات.
نقطة التحول الحقيقية فى حياتى وقتها كان مسلسل آخر هو «القاهرة والناس»..
 استمر عرض المسلسل عدة سنوات..حلقة كل أسبوع ينتظرها المصريون جميعهم: شباب وأطفال، آباء وأمهات، وأيضا  الأجداد.. أنا أيضًا كنت أنتظر المسلسل وأتمنى أن يكون كل يوم وليس حلقة واحدة كل أسبوع، وأتمنى أيضًا أن تطول الحلقة أكثر وأكثر.
وحتى أكون صادقة جذبنى إلى المسلسل نور الشريف الذى كنا نراه للمرة الأولى.. فى شخصية الشاب عادل طالب الثانوية العامة جذب نور الشريف كل شباب جيلى..
ربطنى هذا الشاب بهذه الأسرة منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.
أصبح الوطن مجموعة من الأسر هم أبطال المسلسل، يشبهوننا كما يشبهون بعضهم البعض.
سامى - الأخ الكبير - يشبه أخى وفايزة ومنى يشبهوننى وأختى .. سنية تشبه أمى وعوض يشبه أبى.
رغم اختلافات عديدة بين أسرتنا وأسرة القاهرة والناس، فإنني شعرت أنهم أهلى، وأننى جزء منهم.
لعدة سنوات كان مسلسل القاهرة والناس  يجعلنى أكثر وعيًا بمشاكل الوطن، وأكثر قربًا من هموم الناس، وأكثر حرصًا على مستقبل أفضل.
ينضم لهم الجيران والأصدقاء والأقارب فنرى مستويات مختلفة وطبقات متنوعة تتعايش معًا، تقترب أحيانًا وتبتعد أحيانًا أخرى.
ينتقد المسلسل سياسات ويطرح حلولًا..يجعلك تواجه أخطاءك، تعترف بها وتنوى إصلاحها.
ناقش المسلسل قضايا الفساد والروتين والتعليم والصحة.. حكى عن هموم البسطاء وطموحاتهم..عن الحب الانتماء.
إذا كنت تريد أن تعرف شكل الأسرة المصرية فى السبعينيات، فليس عليك إلا أن تشاهد مسلسل «القاهرة والناس».. ومن خلال هذه الأسرة ستعرف السياسات والقوانين.. السلبيات والإيجابيات.. الطموحات والإحباطات.
أصبحت الحياة مختلفة بعد القاهرة والناس.. أصبحت أقرأ ما خلف السطور.. وأبحث عن المعنى المختفى.. عن الرسالة والهدف لأى عمل فنى.
هل كنت أفكر فى أسرة الأستاذ عوض عندما كتبت فى «صباح الخير» يوميات مدير لعدة سنوات قبل وبعد ثورة يناير؟! لا أدرى ربما.
ولكنى أعرف أن هذه الأسرة ظلت – بالنسبة لى - هى الأساس..أى نجاح لا يكون نجاحًا إلا إذا ارتفع بمستوى هذه الأسرة..وأى خطط لا تخدم هذه الأسرة هى خطط فاشلة. •