راقصة الباليه العالمية هناء يوسف: بكيت عندما احترقت الأوبرا

مني عشماوي
تتزاحم الذكريات فى عقلها ما بين مصر وهولندا، بين امتهانها لمهنة رقص الباليه، ودراستها للمحاماة بل وامتهان القانون فى المحاكم الهولندية.
مهنتان مختلفتان، ولكن كانت تؤديهما، وهى على يقين بأن قوة القانون لا تبتعد كثيرًا عن قوة الرقص وجماله، وإن كان القانون يفعل بالدلائل والبراهين؛ فإن قانون السعادة والروح يتخذ من رقص الباليه برهانًا على الانسجام والتواصل مع كل ما هو جميل فى الحياة.
هى راقصة الباليه العالمية هناء يوسف الشاهدة على السبعينيات، تحدثت معى عن مشوارها وذكرياتها حديثا من القلب.
• كنت شاهدًا على حريق دار الأوبرا المصرية القديمة سنة 1971 اروى لنا كيف تتذكرين الأحداث؟
- عندما علمنا بالحريق وأقصد فرقة باليه معهد الباليه وأنا كنت واحدة منهن ذهبنا على الفور ووقفنا من بعيد نبكى وشعرت أن بيتى يحرق أمام عينى، وكان وقتها عمرى عشرين سنة، ولم تكن الأوبرا بالنسبة لى مجرد مكان للتدريب أو لعرض عروضنا وللأسف كان لدينا عرض مع فرقة أجنبية فى نفس يوم الحريق، ولكن كل ذلك ذهب فى غمضة عين وحتى اليوم عندما أمر على مكان الأوبرا القديم أبكى وأشعر بالأسف والحسرة، «جراج قبيح مكان هذا الصرح»ّ! لتتحول الذكريات إلى غصة خانقة يعنى لم يحل محلها مكان له قيمة جمالية، وحل محلها جراج للسيارات! وكأن حريق الأوبرا كان مؤشرًا على التحولات الصادمة التى حدثت بعد ذلك، وإلى الآن.
• مرت أعوام قليلة وقررت أن تتركى مصر وتعيشى فى الخارج لماذا؟
- قبل النكسة كانت مصر تصعد، وتتقدم فى كل الفنون والعلوم «كان العالم كله منتظر مصر هتبقى إيه» درست فى معهد الباليه طوال عمرى حتى حصلت على الثانوية العامة وأكملت فى المعهد حتى تخرجت، مدرسو المعهد ومدربوه وراقصوه روس، فتعلمنا فن الباليه على أصوله بكل النظام والقانون لمعهد الباليه وطبعًا خرج الروس بعد أن طردهم السادات، وحل محلهم الأمريكان واليوم من يدرس رقص الباليه فى المعهد مصريون، وشتان بين معهد الباليه فى عهد الروس ومعهد الباليه اليوم.
الباليه والحقوق
سأعود إلى سبب ترك مصر، ولكن لا بد أن أذكر أن مع دراستى للباليه أصر والدى أن أدرس المحاماة فى حقوق عين شمس، وكان الجمع بين الدراستين أمرًا صعبًا، ولكن نجحت فيهما وكنت أدرس فى كلية الحقوق وأنا متخرجة بالفعل فى معهد الباليه وأقدم عروضًا فى المساء، فكان رأى والدى أن الباليه ممكن جدًا لا يكون له مستقبل خاصة لو تعرض الراقص لأى حادثة جسمانية.
وخلال دراستى أعلنت جامعة عين شمس عن رحلة لأوروبا ووافق أبى أن أشترك فى الرحلة، طفنا كل الدول الأوروبية بفيزا كنا نحصل عليها على الحدود وكانت هذه الرحلة الجامعية بمثابة النقلة لى خصوصا أننا وجدنا ونحن طلبة كل دول العالم ترحب بنا - كان هذا قبل وفاة جمال عبدالناصر بأشهر قليلة- ويقولون لنا أنتم من بلد عبدالناصر.. بعد وفاة ناصر والحزن الذى عم البلاد، قررت أن أترك مصر خاصة بعد حريق الأوبرا وأجواء النكسة، ورغم حبى الشديد لناصر، وحبى لتجربته، ولكن كان يختار أهل ثقة حوله فضللوه وأحمد حمروش قال فى كتاب له «إحنا اللى عملناه ديكتاتور لأنه كان يأخذ رأينا فنرفض أن نبدى رأينا ونقول له اللى تشوفه ياريس».
• هل كنت تجدين عبدالناصر ديكتاتورًا؟
- أحبه كثيرًا أكثر من أى تصور وسأكتفى بأن أقول إنه لم يكن ديمقراطيًا!
- ولكن كان يعمل لصالح البلد، ولم يسرق وكنت على صله بأولاده وأعرفهم جيدًا كانوا مثل غالبية الشعب فى مدارس عادية، ويعيشون كسائر الناس من الطبقة الوسطى، ولم يوجد وقتها هذا التفاوت بين الناس وطبقات المجتمع!
خرجت من مصر بعد وفاة ناصر وذهبت إلى هولندا لأعمل فى فرقة باليه هناك، وكنت أقدم عروض الباليه مع فرق هولندية، ودخلت جامعة أمستردام ودرست هناك دراسات إسلامية وترجمة وأنهيت دراستى وعملت كمترجم محلف فى المحاكم الهولندية، وكنت أشتغل فى المحاكم صباحًا، وأقوم بالتدريس فى أكاديميات للباليه أيضا هناك وكنت أجمع بين الوظيفتين رغم اختلافهما.
وأذكر عندما تخرجت فى جامعة أمستردام كتبت عنى المجلات الهولندية أننى مصرية وأرقص باليه، وتخرجت فى الحقوق، ومن جامعة أمستردام، وكان وقتها يشيدون بى لغرابة الأمر، ومن ضمن المدارس التى ذهبت لتدريس الباليه فيها مدرسة فى جنوب هولندا والمفاجأة أنى وجدت أستاذتى ومدرستى الروسية فى معهد الباليه، وكانت هى وزوجها يدرسان هناك، وكنت أقوم بالتدريس معهما، وكان هذا من أجمل ما حدث فى حياتى!
مكثت فى هولندا 32 سنة وأنشأت مدرسة خاصة لتعليم الباليه هناك، ولكن عندما عدت إلى مصر 2007 لم أعد للتدريس بالمعهد، وركزت على التدريس فى النادى السويسرى.
• هل تشاهدين رقصات فرقة باليه القاهرة فى الأوبرا المصرية؟
- نعم ذهبت العام الماضى فى الكريسماس وأخذت طلبتى وذهبنا لمشاهدة باليه كسارة البندق، وكانت العروض مذرية خاصة فى تحرك المجاميع على المسرح، ولم يعجبنى العرض إطلاقا، واعتقد أن فرقة باليه الأوبرا تدهورت بعد رحيل د. عبدالمنعم كامل.
الرقص انضباط ومهارة كما تعلمناه، وهذا يختلف كليا عن أداء الفرقة اليوم شتان والعرض الذى شاهدته لم يعجبنى على الإطلاق!
• من راقص الباليه الذى يعجبك فى مصر؟
ــ الشاب الذى مثل فيلم يوسف شاهين أحمد يحيى يعجبنى كثيرًَا رقصه وأداؤه وانضباطه ومهاراته على المسرح غير ذلك لم يلفت انتباهى أحد، وربما هناك راقص أو راقصة جيدان، ولكن لم أشاهدهما بعد.•