الإثنين 15 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فى غرق القاهرة الجديدة .. الأمطار كشفت أزمة إدارة الأزمات

فى غرق القاهرة الجديدة .. الأمطار كشفت أزمة إدارة الأزمات
فى غرق القاهرة الجديدة .. الأمطار كشفت أزمة إدارة الأزمات


كتب: أحمد عبدالحافظ
جاء بيان هيئة الرقابة الإدارية بوقف مسئولين فى عدة جهات حكومية إلى النيابة العامة، وتحديد مسئولية كل منها فى أزمة غرق بعض شوارع التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، وإغلاق الطريق الدائرى لعدة ساعات متتالية، كحد فاصل فى تاريخ التعامل مع مثل هذه الأزمات.
ففى السابق كان الرد الجاهز لا يخرج عن أن الأمر خارج عن إرادة الحكومة وأجهزتها، وأن الأمر عوامل طبيعية لا يد لمسئول فيها، ولا يمتلك أحد حق توجيه اتهام بالتقصير لأحد لأن المسئولية مشتركة بين جهات حكومية مختلفة.  هذه المرة فرضت الإرادة السياسية منطقا مختلفا للأمور، فالجهات الرقابية كانت فى الشارع- إلى جانب التنفيذيين- يتابعون أسباب الأزمة وسبل حلها، والبحث عن أسبابها ومعرفة حجمها الحقيقى، وتحديد المسئوليات والمهام فى إدارة مثل هذه المواقف. . «صباح الخير» سألت عن الأسباب العلمية وراء وقوع أزمة غرق بعض مناطق القاهرة الجديدة والطريق الدائرى، مع الدكتور طارق الغمراوى أستاذ إدارة المشروعات بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، والمخطط لعدد من المدن الجديدة والمناطق الصناعية المتخصصة بالتعاون مع الهيئة العامة للتخطيط العمرانى.
• تعطل المنشآت الحيوية والطرق الرئيسية خطر على الأمن القومى
• شبكة صرف الأمطار تزيد تكلفة البنية التحتية 25% وتستغرق 5 سنوات
وضع مخطط لأى مدينة جديدة، لا بد أن يتضمن تصورا لتصميم شبكة تصريف مياه الأمطار، لكن قبل التنفيذ وخلال مرحلة دراسة الجدوى، فى الغالب يؤخذ قرار سياسى باستبعاد تنفيذ شبكة صرف الأمطار، لأنها تزيد تكلفة البنية التحتية لأى مدينة بنسبة بين 20 لـ25 % بحسب الغمراوى، فضلا عن أن استبعاد تنفيذها يكون لصالح تدعيم شبكات المرافق الأخرى، من طرق وصرف صحى ومياه وكهرباء وتليفونات.
شبكة صرف الأمطار هى شبكة موازية لشبكة الصرف الصحى، وتحتاج إلى مواسير ذات أقطار كبيرة عند تنفيذ الخطوط، وتحتاج إلى محطات رفع ومحطات معالجة لهذه المياه، قبل الوصول إلى مكان تصريفها الأخير، وهى تكلفة ضخمة.
ويرى الغمراوى أن «اللجوء إلى تنفيذ شبكة تصريف مياه الأمطار فى الوقت الحالى فى المناطق السكنية الحالية سواء داخل القاهرة أو فى المدن الجديدة هو أمر لن يتحمله المواطن، ولن تتحمله موازنة الدولة، لأن تنفيذ هذه الشبكة فى أى مدينة يستغرق بين 4 لـ5سنوات».
ويستطرد غمراوى قائلا: «جدة والدوحة مدن خليجية راقية على مستوى التخطيط والبنية التحتية، وكلاهما ليس به شبكة صرف مياه أمطار فى الأحياء السكنية، رغم كل ما تمتلكه حكومة الدوحة والرياض من فوائض مالية، ولكن يبقى التفضيل أنه يتم توفير السيولة لخدمة وتدعيم باقى شبكات المرافق الأخرى».
طوفان القاهرة الجديدة استمر طويلا
تنقسم شبكات صرف مياه الأمطار إلى نوعين، شبكات مياه إيجابية وهى عبارة عن خطوط نقل للمياه وبالوعات يتم توزيعها على جوانب الشوارع الداخلية للمدن.
والنوع الثانى هو شبكة الصرف السلبى وهو ما يتم تنفيذ فى شبكة الطرق الصحراوية والزراعية الطويلة، ويكون ذلك من خلال تصميم جوانب الطريق بزوايا ميل محدد، تسمح بتجميع مياه الأمطار فى جانبى الطريق ثم خروجها إلى الصحراء بعيدا عن الطريق، وتكلفة شبكة الصرف السلبية لا تقارن بتكلفة الشبكة الأخرى.
لذلك يقول الغمراوى إنه من المقبول أن تكون هناك مدن كاملة بدون شبكات صرف لمياه الأمطار، لأن أى خبير تخطيط عندما يضع مخططا لمدينة جديدة يعلم أنه كل 5 سنوات هناك موجة من العواصف والأمطار الكثيفة تمر بالمدينة مرة واحدة فقط، وكل 10 سنوات هناك عاصفة أقوى من تلك التى تمر كل 5 سنوات.
وفى الغالب تتسبب هذه العواصف فى حالة من الفيضان فى شبكات الطرق وقد تصيب المنازل، ولكن المعيار هنا هو فترة الطوفان، فبعض المدن تصميمها يسمح باستيعاب الكميات التقليدية من مياه الأمطار، ولكن عندما تأتى العاصفة الأقوى قد يحدث هذا الطوفان لمدة ساعة أو ساعتين لكن فى حالة القاهرة الجديدة «ظاهرة الطوفان» استغرقت فترة زادت على 6 ساعات فى بعض المناطق.
لذلك أصبح مقبولا لدى كثير من المخططين والمسئولين عن إدارة المدن أن يكون هناك حالة من الغرق فى بعض المناطق السكنية مرة كل 5 سنوات نتيجة كثافة الأمطار واستمرارها لساعات طويلة، لكن من غير المقبول ألا يكون هناك شبكة صرف أمطار سواء سلبية أو إيجابية أمام المنشآت الحيوية مثل أقسام البوليس أو المستشفيات أو الجهات الخدمية مثل محطات الكهرباء والمياه.
ومن غير المقبول أن يكون هناك تجمعات للمياه فى طريق رئيسية والمحاور المرورية الكبيرة مثل الطريق الدائرى، لأن هذه الأمور تتعلق بالأمن القومى، وقد يتسبب فى تعطيل مؤسسات الدولة وخدماتها.
خطة طوارئ الغرق
يتساءل طارق الغمراوى: «القاهرة الجديدة من أحدث المدن الجديدة، وكان يجب أن يراعى فى تصميمها شبكات صرف مياه الأمطار سواء السلبية أو الإيجابية، داخل أحياء المدينة، سكنية أو التجارية».
ويشير الغمراوى إلى أن المخططين يعرفون جيدا المناطق المرشحة للغرق فى مثل هذه الحالات، لأن المُخطط يكون لديه خريطة كاملة بجميع المناسيب بالمدنية، ويعرف أكثر المناطق انخفاضا، وهى المرشحة للغرف نتيجة تراكم مياه الأمطار بها، وهى معلومات يمكن بناء خطة طوارئ عليها، وتسلم لمسئولى إدارة المدينة لوضع تصورات للتعامل مع هذه المناطق فى حال أعلنت الأرصاد الجوية عن احتمالات هطول الأمطار .
ويؤكد غمراوى «أن أزمة مثل أزمة غرق القاهرة الجديدة والطريق الدائرى، هى أزمة إدارة أكثر منها أزمة تخطيط، لأن المعلومات تكون متاحة ومتوافرة، لكن المحك يكون على قدرة الإدارة على الاستفادة من المعلومات المتوفرة لديها».  •