الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المتمرد دائما .. نجيب الريحانى

المتمرد دائما .. نجيب الريحانى
المتمرد دائما .. نجيب الريحانى


يمتلك روحا متمردة ثائرة منذ نعومة أظافره، رغم طفولته الهادئة المسالمة،  قراراته كانت حاسمة وواضحة، تمرد فى شبابه على راتبه من وظيفة البنك الزراعي، ذاهبا وراء تحقيق حلم التمثيل الذى بدأه وهو طفل فى مدرسة الفرير الفرنسية، أعطى للفن عمره كله، عاش حياته كلها فى صعود وهبوط، كان يخرج من كل محنة أقوى ولديه إصرار على تكملة مشواره بنجاح ومثابرة، لم يعرف اليأس طريقا له.

هو من أوائل الفنانين الذين اهتموا بالمسرح الغنائى وقلده بعد ذلك العديد من الفنانين.
مرت حياة الريحانى بمطبات وعوائق كثيرة، بدأ ككمبارس فى فرقة عزيز عيد الذى أصبح بعد ذلك من أهم أصدقائه، وشريكا فى مشواره الفنى.
 ونلقى الضوء على أهم مراحل رحلته فى الحياة من خلال مذكراته التى كتبها عثمان الحنتبلى.
 بداية الرحلة
 ولد فى ٢١ يناير عام ١٩٨٩، فى حى باب الشعرية «حارة مصطفى»، تعلم فى مدرسة الفرير، وأتاحت له المدرسة جوا مناسبا لاكتشاف موهبته، حيث اشترك فى فرق التمثيل وكانت تعتمد عليه المدرسة فى القيام بالأدوار التمثيلية فى الحفلات مما ساعده على تنمية موهبته.
 وعندما تعرضت أسرته لمشاكل مادية مفاجئة، اضطر الأب لنقلهم من باب الشعرية إلى درب الجنينة توفيرا للنفقات، ولم يخبر الريحانى أحدا فى مدرستة بهذه التحولات ولم يتحمل الأب هذه الصدمة وتوفى بعد أن أصبحت الأم وأبناؤها الأربعة «توفيق ونجيب ويوسف وجورج» فى مأزق كبير، وأصبح نجيب وهو فى الخامسة عشرة من عمره، مسئولا عن الأسرة، فقرر العمل  لتوفير نفقات الأسرة، والتحق بعمل ضئيل فى أحد البنوك، وقد ساعده على العمل مظهره الجاد الموحى بالثقة والاطمئنان وإتقانه الفرنسية، فكانت أمه تراه دائما هو المنقذ الوحيد لهذه الأسرة.
 رأى والدته رمزا للقوة والحنان والصبر على تقلبات الحياة، فقد كانت سيدة تتميز بشخصية قوية، تسيطر عليه وعلى قراراته، وعندما فكر أن يعمل بالتمثيل كان حائرا بين موهبته ورفض أمه لهذه المهنة، وتعرضت للنقد لأن ابنها يريد أن يكون مشخصاتى.
 واتخذ الريحانى القرار بالهرب والبعد عن الشخصية الأهم فى حياته من شدة لومها له، وقد تألمت الأم كثيرا جراء هذا القرار غير المتوقع من ابنها المطيع لها دائما، عاشت فترة قاسية وذهبت تبحث عنه فى كل مكان إلا أنها عرفت أنه انضم إلى فرقة أحمد الشيخ وسافر معه إلى طنطا لإحياء مجموعة من الحفلات، قررت الأم السفر بحثا عن ابنها الذى استيقظ ذات ليلة على من يقبله ويبكى ووجدها أمه، فحاول استعطافها وامتصاص غضبها وعاد لها بعد انتهاء العروض وبدأت الأم تدعمه كثيرا وتقف بجواره بعد إصراره الشديد على التمثيل.
 «كشكش بيه»
 كشكش بيه الشخصية الأشهر فى تاريخ الريحانى، وحقق بها نجاحا كبيرا، الحكاية بدأت مع إستيفان روستى وكانا يعملان سويا فى ملهى «دى روز » عام ١٩١٦، ثم طور الاثنان العمل ليقدما مسرحيات «فرانكو أراب»، وبعدها ابتدع الريحانى شخصية كشكش بك عمدة كفر البلاص، ونجحت نجاحا شعبيا كبيرا لدى الجمهور، كشكش بيه كانت الشخصية القريبة إلى والدته بعد أن كانت تهاجمه فكانت تأخذ صديقاتها لكى يرين مسرحياته وتفتخر بنجاحه، وصاحت ذات يوم فى الحضور بعد انتهاء أحد العروض قائلة « أنا أم كشكش بيه..أنا أم كشكش بيه».
وقال الريحانى عنها يوم وفاتها «لقد أدت واجبها كأم، فلتنم هادئة مستريحة، مطمئنة، راضية»، وماتت أم كشكش فجأة دون مرض وعلى عكس المتوقع، جاء رد فعل نجيب هادئا مستوعبا خبر مفارقتها للحياة،  واستمر فى عروضه بالمسرح وعندما سأله صديقه بديع خيرى متعجبا قال له نجيب « إن حزنى يا بديع يخصنى وحدى، فما ذنب الجماهير فى مشاركتى حزنى،   لقد أتوا للانتعاش والمرح،  ووضعوا آمالهم فى شخصى،  ومستحيل أن أتخلى عنهم».
أزمة فى حياته
«لا يتمنى الجميع لك الخير»، مقولة تنطبق على المؤامرة التى تعرض لها، حين عرض مع فرقته على مسرح «الإجبسيانة»، ولكنه قرر أن يكون فرقة ثانية، واستأجر لهم مسرح «كازينو دى بار» بشارع عماد الدين، واختار الريحانى وعزيز عيد أوبريت العشرة الطيبة من تمصير محمد تيمور المقتبسة عن «ذى اللحية الزرقاء» المكتوبة بالفرنسية، ووضع بديع خيرى الكلمات، ولحنها سيد درويش، ونجحت نجاحا منقطع النظير، ولكن حدث ما لا يحمد عقباه حيث تربص لها بعض الناس وادعوا أن أوبريت العشرة الطيبة يؤكد على سوء معاملة الأتراك للمصريين، وأن الريحانى قد حصل على مبالغ كبيرة من الإنجليز لإنتاج هذا العمل، وأن العمل يناصر الاستعمار الإنجليزي من «مذكرات بديع خيرى».
 وقد ذهب له صديقه مصطفى أمين لكى يحذره لينجو بنفسه، ووقف أحد الأشخاص من خصومه يخطب فى الناس وقال إنك دسيسة إنجليزية وصمم الناس على الخلاص منك، ترك الريحانى منزله وأقام فى أحد الفنادق  بمصر الجديدة، وأغلق المسرح بأمر السلطات.
 صعود وهبوط
بعد هذه الأزمة الصعبة، تعرض الريحانى إلى خسائر مادية فادحة، إلى جانب المشاكل العديدة التى تعرض لها مع أصدقائه المقربين، منهم الشيخ سيد درويش الذى كان يقدم معه المسرح الغنائى ونجحا سويا، وشيخ المخرجين عزيز عيد، فقرر السفر إلى سوريا ولبنان للعمل والترويح عن نفسه بعد أن أصابته حالة من الاكتئاب وباءت رحلته بالفشل، وتعرف على بديعة مصابنى فى تلك الفترة التى ارتحلت إلى القاهرة وعرفها على الجمهور المصرى وحاول كثيرا استعادة جمهوره ومكانته مرة أخرى، وعادت علاقاته مع أصدقائه مرة أخرى وكون فرقة مسرحية أخرى وقدم بها أعمالا لاقت نجاحًا كبيرًا.
 الوحيدة التى استحوذت على قلبه وقرر الزواج منها هى بديعة مصابنى، وعاش معها سنوات كثيرة، وقدما معا العديد من الأعمال الفنية الناجحة والمميزة، إلى جانب بديعة كانت هناك سيدتان مهمتان، الأولى هى لوسى دى فريزى التى كان يعتبرها وش السعد، وقد تعرف عليها فى فترات نجاحه الأولى، وفيكتورين التى كان ينوى أن يتزوجها بعد أن انفصل عن بديعة مصابنى ولكنه رحل قبل أن يتزوجها.
 وكان قد جهز لزواجه منها،  وقد بنى قصرا فخما على مساحة ستة أفدنة، بنى داخله مسرحا لإقامة الحفلات الخاصة، وأثناء استعداداته الخاصة لإقامة ليلة عرسه، سافر إلى الإسكندرية لإحياء خمس ليالٍ على مسرح الهمبرا، وفى اليوم الثانى شعر الريحانى بالإجهاد والتعب، فقرر أن يعود إلى القاهرة وكان يسكن وقتها بعمارة الإيموبيليا، كانت فيكتورين بجواره وبديع خيرى ومديرة منزله اليونانية كريستين والدكتور المعالج له بحر الدمرداش، وتم نقله إلى المستشفى، ورحل يوم الأربعاء فى الثامن من يونيو عام ١٩٤٩، وكان آخر فيلم سينمائى شارك فيه هو غزل البنات، بطولة ليلى مراد ويوسف بك وهبى، والموسيقار محمد عبد الوهاب ومن إخراج وإنتاج أنور وجدى.•