الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رفضت الإنجاب.. ولكنى أم

رفضت الإنجاب.. ولكنى أم
رفضت الإنجاب.. ولكنى أم


ابتسام كامل
كررتْ أمامى أنها لا تريد الإنجاب، ولم تحلم بالأمومة يومًا، «لم ألعبْ بالعروسة يومًا، ولم أعرفْ ماذا أفعل بأطقم المكياج وأدوات المطبخ البلاستيكية التى كانت تُهدَى إلىَّ فى طفولتى» متسائلة: ربما كان هذا مؤشرًا لعدم رغبتى فى الإنجاب!

 فابتسمتُ قائلة: سبحان الله، وكأننى أسمع نفسى، أنا أيضًا لم ألعب بالعروسة، ولم أحب أدوات المطبخ ولكنى وجدتُ من يقبل الزواج مِنِّى رُغْمَ إعلان عدم رغبتى فى الإنجاب؛ لأننى اكتشفتُ أن هناك بعض الرجال الصادقين ممن يخشون على أطفالهم من عذاب الدنيا، ومذاق الألم بسبب الموت، أو المرض، أو غيره، بل إن بعضهم يخشى أن يربى أطفاله كما تربَّى هو، فاعتبرتُ هذه الأفكار منتهى الأمانة والصدق منهم..  ولكننى - رُغْمَ ذلك - رفضتُ الزواج بأحدهم، ربما لإحساسى بأنهم أنانيون، مُبررة لنفسى أن امتناع المرأة عن الإنجاب يختلف، وأننى مرتبطة بالطفولة والأطفال بشكل كبير، مما كان يستفز أمى وأصدقائى، فينصحونى بضرورة الإنجاب، حتى لا تجف منابع أمومتى.. العاطفية!
شوبينهاور .. وأبوالعلاء المعرى
شعرتُ أننى جرحتُ مشاعر الفتاة التى تُحدثنى، التى تؤمن أن الله يعاقبها لرفضها ممارسة دورها فى الأمومة لتستمر الحياة.. وإلا فلماذا تتزوج إذن؟ وناقشتُها فى الأسباب الأخرى للزواج، فهمستْ «لستُ متمردة على الإنجاب، بل خائفة منه، بعدما رأيت معاناة أمى وهى تلد شقيقى الأصغر، فأصُبِتُ بفزع لم أستطع تجاوزه ليومنا هذا»..  دُهشت!، فأنا أيضًا رأيتُ تفاصيل ولادة شقيقتى الأصغر، ولم أنس كيف تحولت أمى من كائن لطيف مؤدب لامرأة أخرى تصرخ وربما تسب الطبيب! وأعتقد أننى منذ تلك اللحظات التى لم أستوعبها كطفلة حساسة جدّا، قررتُ أننى لن أخوض هذه التجربة، فى وقت كانت قراءاتى تسهم فى تكوين شخصيتى، وتعرفتُ على «أبى العلاء المعرى» الذى يرفض ملذات الحياة، ومنها الإنجاب باعتباره عزوة، وكرامة، وإثبات رجولة، وامتدادًا للإنسان..  لكننى انتبهتُ لظروفه الصعبة التى ربما تكون السبب وراء موقفه التشاؤمى من الحياة ومن الإنجاب، فلم أشعر أنه يعبرعما بداخلى، حتى قرأتُ جملة قيل إنها لشوبينهاور، عززتْ مخاوفى، وتقول: «أليس من الأفضل للإنسان أن تكون لديه شفقة بالأجيال القادمة، فيوفّـر عليها شقاء الوجود فى هذا العالم، أو يبذل قصارى جهده لكى لا يضع على عاتقه أن يكون السبب فى فرْض هذا العناء عليهم؟».وصرتُ أعلنها صراحة: أحب أطفالى- أعطيتهم أسماء فى خيالى- لدرجة خوفى أن يخرجوا من بطنى لمواجهة مساوئ الحياة! فكان الحل - فى طفولتى- أن أتبنَّى أطفالاً.. فالعالم ملىء بالأطفال التعساء المحتاجين لمن يرعاهم! كانت نظرات أبى وأمى مزيجًا بين التعجب والإعجاب بتفكير طفلة لم تتجاوز الحادية عشرة.
الأمومة والقدرة الإنجابية
 ظننت أنى واحدة من القليلات اللواتى يرفضن الإنجاب، حتى فوجئتُ أن الأمر منتشرٌ بصورة كبيرة! سجلتْ فى دفاترى قصص الممتنعين عن الإنجاب برغبتهم، واكتشفت أن جميعهم متشابهين من حيث الحساسية المفرطة، والحذر، والتوجس، والانفتاح الشديد أو الانغلاق المبالغ فيه، فهذه ترفض شكلها وجسمها... وتخشى أن تلد أطفالاً يشبهونها، وتلك التى عاشت فقرًا جعلها تتزوج رجلاً لا تحبه، وتؤمن أن مصير البنت شبيه بمصير أمها، وهذه التى عاشت مأساة مرض طفل بعائلتها جعلها ترغب الإنجاب ولكنها تؤجله، والتى قررت أنها «صغيرة على الغُلب ده»، وهذا الذى قرر أنه لن ينجب لأن والده كان يرى أن اهتمام أمه به هو وأشقائه وراء إهمالها له، ما جعله  يلجأ للإدمان..
هناك رأيان: أحدهما يقول إن الأمومة والأبوة غريزة تدفع الإنسان للزواج وتكوين أسرة، ومن يفتقدها يصبح جامدًا، عديم المشاعر. ورأى آخر يقول: اسمها غريزة الرعاية الاجتماعية، وهى موجودة فى الإنسان ولا علاقة لها بالإنجاب، فهناك ملايين ممن ليس لديهم القدرة على الإنجاب، ولا مثيل لهم فى المشاعر والأحاسيس والرقة، فالعطاء والانفتاح صفات إنسانية، لا علاقة لها بالقدرة الإنجابية! وأنا أتفق مع الرأى الآخر. •