الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هذا ما تعلمته من أمى مشيرة السيسى

هذا ما تعلمته من أمى مشيرة السيسى
هذا ما تعلمته من أمى مشيرة السيسى


السفير: جلال الرشيدى

رغم أن أمى لم تصل إلا لمرحلة متوسطة من التعليم، فقد كانت لها فلسفتها الخاصة فى الحياة، كانت تدعونا للحب وأن نحب كل من نعرفه أو نصادقه، وتقول إن الحب يتعمق فى النفس ويسمو بها.

لا يمكن أن أنسى تشجيع أمى على احترام الناس، وتقدير الأكبر سنّا، ولا أنسى لها أنها علمتنا أن الحرية المطلقة نوع من الفساد الأخلاقى والدينى. علمتنى أمى التسامح ومراعاة الآخر، وألا أتعصب لرأى وتذكرنى بأن المرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه، وهذه العبارة أذكر بها دائمًا نفسى وأسرتى. كانت أمى ترى ضرورة التمسك بالصدق والصراحة وعدم اللجوء للكذب، تذكرنى دائمًا بأن الصدق هو الطريق الأسهل والأيسر لأى إنسان يبتغى الراحة والهدوء والسكينة فى حياته، لأنه لا يتطلب مجهودًا ذهنيًا، من صاحبه أو حبكة قصصية فيها الكثير من الدراما، وتردد أمامى دائمًا تأكيدًا لذلك أن (الكذاب نساى)، أى سيقع بلسانه ويكشف عن نفسه..ثم تضحك وتستطرد بعفويتها الطيبة.
لكن مع ذلك هناك الكذب الأبيض أو الكذب المباح أو الاضطرارى خصوصًا فى العلاقات الإنسانية، كذب يهدف إلى دفع الضرر والإصلاح وتزيد على ذلك بالقول: «ليس بكذاب من أصلح بين اثنين ومنع فراقًا بين اثنين أو خراب أسرة مثلًا».
أحيانًا عندما يكون مزاجها «رايق» تحكى حكاية زواجها وهى تضحك، وتذكر أن أبى رحمة الله عليه (وكان مهندسًا) ذهب لوالدها ليطلبها منه كزوجة، فرفض أبوها الطلب بقسوة لأن لها أخوات أكبر سنًا منها، وكانت التقاليد أن تتزوج الكبرى أولًا.
واضطر أبى للبحث عن بعض الأصدقاء ليتقدموا لطلب يد الأخت الكبرى، ليفسح له الطريق.. وقد كان، ونجح فى حيلته هذه، وكانت تقول إنها كانت مرتبطة بشكل كبير بوالدى والذى كان يقضى وقتًا كبيرًا فى النادى (نادى السكة الحديد) ليتمرن مع فريقه الكروى، بوصفه كابتن فريق كرة القدم لنادى السكة الحديد، بالإضافة إلى أنه كان وفديًا متحمسًا، يقضى بعض الوقت فى مقر حزب الوفد. أمى  كانت سيدة ودودة ومحبة للناس بشكل كبير وصادق، تقابلهم ببشاشة وترحاب. وأذكر أنه كان لى صديق وزميل دراسة هو «رشاد الكردانى» – وقد هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو الآن أستاذ بجامعة بافلو بنيويورك – وذات يوم حضر معى للبيت بعد انتهاء يومنا الدراسى فى الجامعة – جامعة القاهرة – فقامت وجهزت له الشاى بنفسها وبعض الحلوى..وأخذت تتحدث معه كثيرًا وتسأله عن حاله وعن دراسته وهواياته وعن أسرته وأبدت إعجابها به عندما عرفت منه أنه يحب القراءة بشكل كبير، وأنه يقرأ كتابًا مثلًا حتى وهو راكب الأتوبيس، وعندما غادر منزلنا حرضتنى أمى على أن أقوم أنا أيضًا بالاهتمام بالقراءة،  وكان أخى السفير بهى الدين (رحمة الله عليه) شغوفًا بالقراءة والكتابة وطلبت منى أمى الاقتداء بأخى.
كانت أمى مرهفة الإحساس لذلك عندما تم تعيين أخى فى الخارج فى سفارتنا بليبيا، وكان قد نجح فى امتحان وزارة الخارجية، وقع الخبر على أمى وقع الصاعقة، وأصابها هم كبير، وعندما سافر كنا نسمع بكاءها، ونحيبها فى المساء عندما تكون بمفردها. وزاد الأمر بلة أننى أيضًا رشحت للعمل فى الأرجنتين ثم نقلت للهند. رحم الله أمى الغالية وكل أم غادرت عالمنا وأدام فضله ببركة كل الأمهات علينا.•