الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بعد أن أصبحت الفنانة الموسيقية المبدعة وزيرة للثقافة: هل نشهد إنتاج أول أوبرا مصرية 100%؟

بعد أن أصبحت الفنانة الموسيقية المبدعة وزيرة للثقافة: هل نشهد إنتاج  أول أوبرا مصرية 100%؟
بعد أن أصبحت الفنانة الموسيقية المبدعة وزيرة للثقافة: هل نشهد إنتاج أول أوبرا مصرية 100%؟


ترى هل سيأتى اليوم الذى يتحقق فيه الحلم المصرى المدهش الذى عبّر عنه فنان «صباح الخير» المبدع صلاح جاهين: تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا؟! يسأل الإنسان نفسه مثل هذا السؤال فى مناسبات وأوقات مختلفة، وقد عاودنى السؤال الحلم مع حلول ذكرى رائد كبير من رواد الفن والموسيقى والأوبرا فى مصر الحديثة هو الموسيقار الراحل الأستاذ كامل الرمالى، صاحب أول أوبرا مصرية يتم عرض جانب منها على المسرح فى قلب القاهرة قبل أكثر من 60 عاما.

رحل كامل الرمالى فى عز ثورة الشعب المصرى على من أهانوه واستولوا على حكمه وأساءوا له ولتاريخه وكرامته وثقافته. كان ذلك فى 6 فبراير سنة 2011، وفى ذكرى رحيله نتطلع إلى التذكير بأعماله والعمل على إخراجها لحيز الوجود وعرضها على الجمهور فى مصر وفى الخارج.
ونحن نستعيد الذكرى نتطلع لأن تولى السلطات الثقافية والفنية فى مصر وقد أصبحت على رأس وزارة الثقافة فنانة موسيقية قديرة تعرف من هو كامل الرمالى.. هى الدكتورة إيناس عبدالدايم التى ننتظر منها أن تولى عناية بإنتاج الأوبرات والأعمال الموسيقية لهذا الرائد وغيره من رواد الفن الذين حال نظام عصر إهانة مصر والمصريين دون تقديمها والاحتفاء بها لأنها تعبر عن الروح والشخصية المصرية.
كامل الرمالى (1 أكتوبر 1922 - 11 فبراير2011) هو واحد من رواد الثقافة الموسيقية الكلاسيكية المصرية وهو مؤلف أول أوبرا مصرية يتم عرض فصول منها على المسرح وله مؤلفات وأوبرات أخرى، فهو صاحب مجموعة مميزة من المؤلفات وفى رصيده ثلاث أوبرات هى: «حسن البصرى» و«نفرتيتى.. الجميلة الآتية» و«الساحر»، وهو بذلك يعتبر المؤلف المصرى الوحيد الذى كتب ثلاث أوبرات. وله قصيدتان سيمفونيتان هما: «قناة السويس والطائر الأسطورى» والسيمفونية الريفية.. متتالية سيمفونية «نوبيا» تنويعات سيمفونية و«بلدى» متتالية شعبية للأوركسترا «صور شعبية» و«المقامات» للأوركسترا، فانتازيا للأوبرا والأوركسترا ورباعية وترية «الرباعيات» سوناتا للتشيوللو والبيانو. ومقطوعات للبيانو والأرغن، أغان منفردة وجماعية بمصاحبة البيانو أو الأوركسترا وأعمال أخرى.
وكتب عنه الناقد الموسيقى الإنجليزى المخضرم ديفيد بليك مقالا نشرته «الأهرام ويكلى»:
كامل الرمالى مؤلف موسيقى متميز ومحترم، إن قوالبه الموسيقية وتكويناتها وتخطيطها تلائم أعماله الموسيقية العديدة وهى ذات طابع محترف كما أنه يستطيع أيضا أن يواصل فكرة موسيقية لفترة طويلة مما يدل على أن تخطيطه الموسيقى قائم على دراسة وخطة مرسومة بعناية. إن موسيقاه المؤلفة لها مذاق خاص وهى ذات طابع يشبه أسلوب ريتشارد شتراوس وهذا ليس عيبا. فكل الموسيقيين أصحاب الأسلوب المميز يفعلون ذلك.
إن قدرته المميزة خاصة فى هذه الأوبرا «حسن البصرى» هى قدرته اللحنية حيث يستطيع حقا أن يواصل أفكاره بثبات.
 مولد فن جديد
ولنتابع قصة تقديم أول أوبرا مصرية:
فى السادس والعشرين من أبريل من عام 1956شهدت الحياة الثقافية والفنية فى مصر مولد نوع جديد من الفن المصرى.. هو الأوبرا.
فقد عرضت فى هذا اليوم على مسرح قاعة «ايوارت» التابع للجامعة الأمريكية فى القاهرة، أول أوبرا مصرية..
كان إنجاز أوبرا مصرية الحلم الجميل الذى راود كل محبى الموسيقى الرفيعة فى مصر- كما يقول المؤرخ والناقد الموسيقى أحمد المصرى- ويضيف: إذ كنا نفتقر إلى الأجهزة الفنية اللازمة من صوليست وكورال وأوركسترا، لذلك اقتصر نشاط دار الأوبرا المصرية القديمة على تقديم بعض المواسم الأجنبية. وبعد ثورة 1952استطاعت الأوبرا استكمال العناصر الغنية التى يتطلبها تقديم مثل هذا العمل الفنى الكبير، وتوافر الفنان كامل الرمالى عندما وجد النص الشعرى المناسب الذى استوحاه الشاعر محسن الجوهرى من قصص ألف ليلة وليلة، على تلحين هذه الأوبرا فى أسلوب فنى يتصل اتصالا وثيقا بالتراث الإنسانى للموسيقى العالمية، وإن لم يفقد صلته إطلاقا بموسيقانا العربية إذ نجح فى تطويع علوم الموسيقى الأوروبية لخدمة الموسيقى المصرية.
 الحلم الكبير
وظهرت أول أوبرا مصرية.. «أوبرا حسن البصرى» ورغم اعتمادها على الشكل البنائى للأوبرا الأوروبية، فهى وثيقة الصلة تماما بموسيقانا المصرية المتطورة، واستطاع كامل الرمالى أن يحقق هذا الحلم الكبير الذى كثيرا ما انتظرناه منذ زمن طويل.. وكان ذلك منذ أكثر من 60 عاما.
وفى عام 2006 فى ذكرى مرور نصف قرن من الزمان على انطلاق أول أوبرا مصرية أقامت الجامعة الأمريكية فى القاهرة احتفالا فى ذات القاعة التذكارية التى شهدت ميلاد أوبرا حسن البصرى وقدمت خلاله مختارات منها.
وفى الذكرى قدمت أكاديمية الفنون مشاركة فى الاحتفال من خلال دراسة صدرت فى كتاب ضمن إصدارات الأكاديمية بإشراف رئيس الأكاديمية الدكتور مدكور ثابت، جاء فيها: إن أوبرا حسن البصرى هى أول محاولة معروفة من نوعها فى التاريخ المعاصر لثقافتنا المصرية لابتكار وخلق شكل فنى جديد عليهاـ وإن كانت الثقافة الغربية تعرفه منذ مئات السنين.. وقد فكر أصحاب هذه المحاولة الأولى أن ثقافتنا الحديثة التى استوعبت قوالب فنية أجنبية مثل المسرح والرواية والقصة القصيرة.. وغيرها، وقدمت من خلالها أعمالا مصرية عربية أصيلة وصادقة ورفيعة، قادرة على استيعاب فن الأوبرا ليجد له مكانا فى بستانها الرحيب.
عمر هذه التجربة الآن يزيد كثيرا على 60 عاما، منذ كانت خطوطا أولية، أو فكرة هائمة فى وجدان وعقل شاب مصرى يدرس الآداب فى جامعة الإسكندرية ويعشق الموسيقى درسا واستماعا، عزفا وتأليفا.
فى مطلع عام 1950 نشرت بعض صحف القاهرة أخبارا وتحقيقات عن أول أوبرا مصرية مستمدة من قصص ألف ليلة وليلة ومكتوبة شعرا عربيا فصيحا ووضعت ألحانها على النسق الكلاسيكى الغربى ولكن بروح وموسيقى مصرية عربية، وتضم اثنى عشر منظرا.
ومضت ست سنوات قبل أن تعود الصحف إلى الإعلان عن حفل موسيقى يتضمن عرضا للفصل الثانى من أوبرا حسن البصرى، أول أوبرا مصرية.
 شرف المحاولة
وعلق على هذا الحدث، المحاولة، الشاعر صلاح عبدالصبور قائلا:
شرف المحاولة، أرفع الأشياء قدرا، ومن ارتاد أرضا بكرا فقد قام بعمل بطولى، ونحن أحوج ما نكون إلى الرواد الذين يرتبطون بالغايات البعيدة ويطمحون إلى تحقيق العزيز من الأمور، وجل جهد هؤلاء الرواد أن ينبهوا الأذهان إلى جوانب لم تحقق بعد، وفى مصرنا الكنانة مازال التخلف الحضارى يمتد فى شتى أنواع النشاط الإنسانى، ولن تكون لنا مصر معاصرة إلا إذا واكبنا ركب الحضارة العالمية.
أقدمت على تأسيس فن أوبرالى مصرى، مع مؤلف الموسيقى كامل الرمالى ومؤلف الأشعار محسن الجوهرى، ومجموعة من الفنانين والفنانات والموسيقيين العازفين والمغنين والمغنيات والمخرج ومصممة الأزياء والباليه ومدربى الأصوات وفرقة الباليه وقائد الأوركسترا أحمد عبيد قائد فرقة أوبرا القاهرة (وهى فرقة خاصة).
ويوسف عزت الذى أدى غناء وتمثيلا دور «حسن البصرى» ونهاد توفيق (شقيقة فضيلة ومحسنة توفيق) التى أدت غناء دور «بدر البدور».. وحمدى غيث المشرف المسرحى على العرض ومدام نيكولز مصممة الباليه، وقائدة فرقة الباليه والأستاذ فافيادس مدرب الأصوات وأستاذ الغناء فى المعهد العالى للموسيقى المسرحية.
كانت محاولة شابة أقدم عليها فنانون معظمهم من الهواة ومحبى الابتكار والتجديد وقدموها على نفقتهم الخاصة وبجهود تلقائية وإمكانيات مادية محدودة جدا.
فهل ستتبنى الوزيرة التى أثبتت كفاءة ونجاحات إدارية مرموقة فكرة إنتاج أوبرا مصرية؟..
أخبار كثيرة تصلنا فلا نجد لها صدًى فى وجداننا ومشاعرنا، وأخبار أخرى تسبب لنا نوعا من السعادة، ومن هذه الأخبار السعيدة تولى فنانة موسيقية منصب وزيرة الثقافة فى مصر.
ومع أن المسئولية كبيرة والمتاعب كثيرة ومعطلى المراكب السايرة أكثر من الهم على القلب فى بلدنا، إلا أننا نأمل دائما خيرا.. ونتطلع إلى مبادرات وإنجازات تتجاوز العقبات والمعوقات وتعيد صورة مصر الحقيقية مصر الفكر والفن والأدب والموسيقى والشعر والتشكيل.. وهذه هى القوة الناعمة التى رسمت صورة مصر فى وجدان وعقل العالم، ومكنتها من اعتلاء مكانتها بين الأمم على مر الزمن.
ووجود وزيرة فنانة موهوبة يستدعى الأمل فى أن تتمكن من إبراز هذه الملامح التى تبقى، بينما تزول السياسات والصراعات.•