الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ألحان الموجى فى عمارة الشواربى باشا

ألحان الموجى فى عمارة الشواربى باشا
ألحان الموجى فى عمارة الشواربى باشا


الأصحاب القدامى لمحلات شارع الشواربى وأغلب سكان الشارع التجارى الأشهر بوسط القاهرة، سيدلونك على العمارة رقم 10 بالشارع بالتقاطع مع عبد الخالق ثروث، والتى قصدها مشاهير الموسيقى والغناء من الخمسينيات وحتى التسعينيات، حيث مكتب الموسيقار محمد الموجى»4 مارس 1923-1 يوليو 1995».

العمارة ذات الطراز الحديث المبنية فى الخمسينيات، استأجرت فيها «أم أمين» شقة فى الطابق الثالث مقابل 19 جنيها فى عام 1960، لتهديها لزوجها محمد الموجى، لتكون مقرا لعمله، لتصبح الشقة أكاديمية لاكتشاف الأصوات الجديدة وتعلم العزف والتأليف الموسيقى.
الشقة الآن يسكنها ابنه الملحن «الموجى الصغير»، وما زال يحتفظ فى غرفها الثلاث بمقتنيات والده التى بقيت بعد حريق شقة العائلة فى العباسية، منها عود محمد الموجى وعود عبدالحليم حافظ، ومكتبة تضم 100 شريط من كنوز والده، بالإضافة إلى صور والده مع الرؤساء جمال عبدالناصر والسادات وعبدالحليم، وصورة شهيرة لعبدالحليم حافظ، بريشة الفنان جمال كامل.
 الشواربى باشا
العمارة رقم 10 الأضخم بالشارع، ملك ورثة عبدالحميد محمد الشواربى باشا، رجل الأعمال وأشهر مليونيرات عصره، المولود 1906، الذى تولى رئاسة نادى الزمالك عام 1956، وهو ابن محمد الشواربى، كبير عائلة الشواربى المولود 1841، والذى لايزال يحمل الشارع  اسمه، وله عمارات أخرى شهيرة بالمنطقة، كلها شيدت خلال الربع الأول من القرن العشرين.
العمارة تتكون من 8 طوابق، وبكل طابق 6 شقق، وتبدو على متانتها وبكامل حالتها، وكأنها بنيت بالأمس، فدرابيزين السلالم المعدنى ودرابيزين البلكونات وشبابيك مدخلها المعدنية، كلها بنفس رونقها وقوتها.
وسلم الخدم المعدنى ما زال يستخدم حتى الآن، فلايزال السكان يسيرون فوقه، ليصلوا إلى الماسورة الكبيرة التى تلقى فيها القمامة من كل طابق، إلى حيث تجمع فى الأسفل.
بلكونات العمارة بها شيش عادى، ونوافذها من الشيش الحصير، وارتفاع الطابق 3.20 أمتار وبها مصعدان، يبدأ الأول من الطابق الأرضى، والآخر من الطابق الأول، ويسكنها بجانب الأسر القديمة شركات ومكاتب خاصة.
لكن أهم ما يميزها الجراج ذى الطابقين، المطل على شارع عبدالخالق ثروت، والذى يترك فيه السكان سياراتهم، بينما يؤجر باقى المكان للراغبين، ويلفت النظر رخام مدخل العمارة ذى اللون الأخضر الغامق، وعامودان من نفس اللون، بالإضافة إلى أرضيات وسلالم من الرخام الأبيض.
 عامان فى عمر
 مدرسة الموسيقى والغناء
يتذكر الموجى كيف كانت شقة الشواربى شاهدا على ولادة ألحان والده الخالدة «رمش عينه اللى جارحنى، فوق برج الجزيرة، غالى عليه، أمانة يابكره، وغيرها»، وكيف كانت مدرسة بما تعنيه الكلمة، لاكتشاف الأصوات الجديدة وتدريبها، وتعليم العزف والتأليف الموسيقى، وضمت المدرسة العديد من الآلات الموسيقية وبيانو وسبورة ليتعلم عليها الطلاب النوتة الموسيقية.
«طلب والدى من الموسيقارين عبدالحليم نويرة وفؤاد الظاهرى، تعليم الموهوبين العزف والتأليف الموسيقى، وخصص غرف الشقة الثلاثة، واحدة لتعليم الموسيقى، وأخرى لتعليم الغناء، والثالثة مكتبا له».
كان محمد الموجى ينتقى الأصوات الجيدة ويتبناها بألحانه ويقدمها للوسط الفنى، أما الأصوات الأقل تميزا، فكان للكورس، يقول الموجى الصغير.
أشهر خريجى مدرسة محمد الموجى، محرم فؤاد الذى قدم للجمهور بلحن «رمش عينه»، وعبداللطيف التلبانى بلحن «فوق برج الجزيرة»، وماهر العطار بلحن «بلغوه»، وكمال حسنى»غالى عليّ، وشريفة فاضل بلحن «أمانة يابكرة»، كما لحن لهانى شاكر»حلوة يادنيا 1972، وسوق الهوى» ولحن أيضا لمها صبرى وفاتن فريد وغيرهم، فى بداياتهم.
  واستمرت المدرسة عامان، من 1960، وحتى 1962»لم يتحمل والدى تكاليف المدرسة أكثر من هذا، فأغلقها بعد أن ناشد الدولة بدعمها، ولم يكن هناك من مجيب، وبقيت الشقة كمتب فقط،» يقول الموجي.
 ألحان العباسية
لم تكن شقة الشواربى فقط مولدا لألحان الموجى، فقد سبقتها شقة العباسية، حيث سكن هو وأسرته، فى 3 «أ» شارع البراد، وخصص غرفة الصالون ليجلس فيها للتلحين، بعيدا عن صخب باقى الشقة، حتى استأجر شقة مقابلة لها فى نفس الطابق، ليخلو بنفسه مع ألحانه.
«اختار أبى العباسية لأنه كان يعمل مدرسا للكيمياء والفيزياء بمدرسة خليل أغا، القريبة منها، فى العمارة التى عرف عنها أنها كانت قبل ذلك فيلا ألمظ وعبده الحامولى، وسمى شارع بجوارها باسم عبده الحامولى».
وشهدت هذه الشقة مولد ألحان: حانة الأقدار، الرضا والنور، نار ياحبيبى، شباكنا ستايره حرير، الليالى، الراجل ده هيجننى، الدوامة، وغيرها.
وكان رواد هذه الشقة «عبدالحليم حافظ الذى كان يمكنه أن ياتينا فى أى وقت، وكان يعتبر نجاة وشادية وهانى شاكر، أبناؤه وعائلته».
اللحن الذى هزم أم كلثوم.
لاينسى الموجى الصغير ذلك اليوم من سنة 1957، الذى جاء فيه رياض السنباطى إلى شقة العباسية، حاملا 100 جنيه، مكافأة لوالده من أم كلثوم، لنجاح لحنيه «حانة الأقدار، والرضا النور» وقالت أم كلثوم لوالدى فى ذلك اليوم: «أنت هزمتنى بالألحان دى يامحمد، لأول مرة مش عارفه أغير  نغمة واحدة».
كحك العيد فى بيت العز
يتذكر الموجى الصغير أيام العباسية التى لاتنسى، ولمة الأسرة «الأبناء الستة -3بنات و3 أولاد، والأب والأم» حول الطبلية، التى كان يفضلها الموجى عن طاولة الطعام، خاصة فى الإفطار والسحور فى رمضان، وكان يقول لنا «الطبلية تقرب وجوهنا وأجسادنا»، ويحلو له أن يستقبل عليها العيد بنقش ست كعكات مع أمى، حين ترص الكعك على الطبلية، لكى ينقش على كل كعكة اسم واحد منا، ليأكلها أول أيام العيد ويقول لنا « خد كل نفسك» ونغنى جميعا فى المساء «بيت العز يابيتنا».
ويناشد الموجى وزارة الثقافة بتخصيص متحف لمقتنيات والده وشرائط ألحانه، التى لاتزال موجودة بشقة الشواربى، ويخشى عليها أن تفقد.