الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رأس «العريــان» الطائـر

رأس «العريــان» الطائـر
رأس «العريــان» الطائـر


«مصائر تتغير فى لحظات .. وتصريحات تدفع بأصحابها إلى الجحيم» ربما تعكس هذه الكلمات بعض ما آل إليه مصير دكتور عصام العريان القيادى بجماعة الإخوان المسلمين ومستشار رئيس الجمهورية دكتور محمد مرسى.
 
تلك التصريحات التى طالت العديد من رموز القوى السياسية بدءا من الاتهام بالتمويل إلى سب وقذف الإعلامية جيهان منصور. البعض فسر هذه الهوجة من تصريحات العريان بأنها قربان إلى ذوى التيار المتشدد داخل الجماعة والذى يتزعمه الشاطر بعد أن رفعت الجماعة يدها عنه، بينما يرى البعض الآخر أنها «خفة» إعلامية أغرتها الأضواء والكاميرات فأحرقتها.
 

 
وبينما نحن فى انتظار نظر محكمة جنح أول أكتوبر يوم 42 نوفمبر الجارى أولى جلسات محاكمة الدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة بتهمة قذف الإعلامية جيهان منصور، واتهامه لها بتلقى الأموال من تيارات سياسية بغية الهجوم على جماعة الإخوان.
 
أما ما قاله العريان فى فرح ابن عبدالمنعم أبوالفتوح تعليقا على موضوع النائب العام: «بأن النائب العام استقال برضاه وربنا معانا، وربنا لطيف وهيلطف بالإخوان، وهو معانا منذ أن أعلنا الترشح وتحملنا المسئولية»، وقال موجها لعمرو موسى: «أنا عايزك تقول لحبايبك يبطلوا لعب شوية ومبارك خلاص انتهى.. انصحهم بقى يا عمرو بيه أنت صديقهم وبيحترموا كلامك، وقول لهم: إن مبارك لن يخرج من السجن فالكلام انتهى، مبارك لن يخرج إلا على نقالة تنقله للقبر.. عمرو موسى رد عليه قائلا: انتوا مش البلد ودى بلدنا كلنا.
 
وفى تصريح آخر خطير خرج علينا به د. عصام العريان أعاد الأزمة بين النائب العام والرئاسة إلى المربع صفر، حيث صرح بأن مؤسسة الرئاسة تسجل جميع الاتصالات واللقاءات الخاصة بها ومن ضمنها الاتصال الذى أجراه وزير العدل والغريانى بالنائب العام والذى أبدى فيه موافقة صريحة على شغله منصب سفير مصر فى الفاتيكان وإن كان قد ناشدهما أن يتم تحويل المنصب لإحدى الدول العربية لأنه لا يجيد لغات أجنبية، وهنا اشتعلت الأزمة من جديد لأن جريمة التسجيل بدون حكم قضائى جريمة فى كل الأعراف والقوانين الدولية.
 
وكما تنفض الجماعة يدها من تصريحات العريان فمن المتوقع أن تنفض العريان من الجماعة كقيادى مؤثر، حيث توقع البعض توليه مناصب أقل أهمية فقد رفض الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمى باسم جماعة الإخوان المسلمين فى تصريح صحفى التعليق على الاتهامات التى وجهها الدكتور عصام العريان إلى اليسار المصرى، بأن «النفوذ الأجنبى والتمويل الخارجى والهاجس الأمنى والتشرذم والتفتت وإهمال دور الدين، بل احتقاره والنخبوية والتعالى على الشعب أبرز أسباب فشل اليسار »، نافيا أن يكون موقف العريان هو موقف الجماعة، ومؤكدا أن العريان يعبر عن رأيه الشخصى.
 
أما عن هذا اللغز الذى يحيط بمصير دكتور عصام العريان وحول ما إذا كانت الجماعة حقا ستتخلى عنه بالتضحية به كسابقيه من قياديى الجماعة أم أن زلات لسانه هى ما أوقعت به فى هذا المأزق الذى يرى بعض قياديى الإخوان أنها كانت محاولة فاشلة من العريان لإثبات أنه قد يستطيع التحول من حمامة إلى صقر.
 
 
فيرى د. محمد حبيب القيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين ونائب مرشد الإخوان السابق أنه كان من حق العريان تولى - على أقل تقدير - أى منصب كوزير للخارجية إلا أن الاختيار دائما ما يقع على الأكثر انكفاءا على التنظيم».
 
ويضيف حبيب : لا شك أن د. العريان من الشخصيات التى لها مكانتها داخل حزب الحرية والعدالة وإذا صدرت منه تصريحات أو مواقف غير مقبولة فتستوجب مساءلته ومحاسبته، ولكن يجب أن يكون ذلك فى إطار الحزب وليس الجماعة، وإذا ما كانت هناك حالة من الإقصاء المتعمد للدكتور العريان من الجماعة يؤكد حبيب أن فكرة الإقصاء مستبعدة وإنما فلسفة التنظيم هى ما تحرك هذا الكيان بمعنى أن هناك حقيقة فى أن الحزب «ذراع الجماعة» من المستحيل أن ينفصل عن جسد الجماعة، لذلك فجميع الحسابات والقرارات تتم داخل الكيان الأكبر وهو الجماعة بما فى ذلك من الاتجاهات والميول المختلفة لأعضاء الجماعة من محاباة شخص على آخر، وبالتالى أؤكد أنه حتى لو ترشح الكتاتنى لكى يكون رئيسًا لمجلس الشعب القادم واستقال من رئاسة الحزب، فلن يختاروا العريان لرئاسة الحزب وسيتم البحث عن شخصية أكثر ارتباطًا بالتنظيم منه.
 
وعن تفسيره لعدم دعم الجماعة للعريان فى انتخابات رئاسة حزب الحرية والعدالة قال دكتور محمد حبيب: إن نتيجة انتخابات حزب الحرية والعدالة كانت متوقعة، فلاشك أن الكتاتنى أقرب للحفاظ على تنظيم الإخوان وتعزيز مكانته وبالتأكيد يتجمع فيه السمع والطاعة موضحا أن ذلك ليس معناه أن العريان ليس مرتبطًا بالتنظيم، ولكن الأمر فيه اختلاف فى الدرجات لذلك كان من المتوقع فوز الكتاتنى.
 
أما عن العثرات المتتالية لدكتور العريان فيؤكد حبيب أن تصريحات العريان بخصوص النائب العام والتسجيلات واليسار، كانت خطوة سلبية فى الوقت الذى تحاول فيه الجماعة مد جسور مع الفرقاء، كما أنها قللت من رصيده ليس على مستوى الرأى العام فقط، ولكن على مستوى الجماعة أيضاً.
 
∎الرأس الطائر
 
بينما يكشف ثروت الخرباوى المحامى والقيادى السابق فى جماعة الإخوان المسلمين عن العلامات الكثيرة التى لم يبصرها العريان لإقصائه، بينما أدركها تلميذه البلتاجى الذى كان يسير على نفس خطاه فآثر الصمت.
 
ويضيف الخرباوى: لم يكن يدرك العريان أن تصريحاته الأخيرة قد توقع به بهذا الشكل، إنما كان قد أراد منها مغازلة الفريق المتشدد داخل الجماعة «فريق الصقور»، وأراد أن يثبت أنه صقر مثلهم وأنه لديه القدرة للمحافظة على كيان التنظيم مثلهم فى مقابل خسارة القوى السياسية والتى تمثل الخيط الأخير فى التواصل مع الجماعة، فكان لا يهدف من تصريحاته مخاطبة الرأى العام أو تحسين صورة الإخوان لدى الشارع، إنما الحصول على شعبية داخل الجناح المتشدد، ومع دخوله انتخابات رئاسة حزب الحرية والعدالة كانت لديه الثقة بالفوز، حيث وصلت إليه تطمينات من المرشد بأن الانتخابات ستتم بحرية وشفافية تامة وأعقبها العريان بإجراء عدة اتصالات و«تربيطات» مع عدد من الأفراد داخل وخارج الجماعة والحزب ومكتب الإرشاد مثل د. محمد بشر ود. جمال حشمت وسعد زغلول العشماوى فى الجيزة وغيرها فى الإسكندرية والبحيرة، واعتقد العريان أنها كافية لتحقيق الفوز إلى أن جاءت الصدمة بفوز الكتاتنى وأدرك العريان وقتها أنه لن يمر من خرم إبرة الإخوان ليعتلى أكثر من ذلك كما لن يسمح له الشاطر بذلك فسقط العريان بين المطرقة والسندان.
 
وعن موقف الجماعة ومساندتها للعريان يقول الخرباوى: الجماعة لن تسانده فى هذا الأمر مساندة حقيقية، إنما ستكون مساندة شكلية ظاهرية فقط حتى لا تظهر ملامح لأى من قيادات الجماعة فى هذا الأمر.
 
وبسؤالى حول وجود مقدمات للإطاحة بالعريان من قبل الجماعة يقول الخرباوى: عصام العريان رغم كونه فردا داخل الجماعة إلا أنه ينتمى لدائرة أخرى غير التى تسيطر عليها الآن، فهو غير محسوب عليهم «فريق مصطفى مشهور»، إنما «فريق تلاميذ التلمسانى»، وبغض النظر عن محاولاته التقرب منهم، وأن يثبت لهم ولبعض القادة أنه منهم وأنه يؤمن بأفكارهم، إلا أنه لا يطرب الآذان التى تسمعه داخل الجماعة، حيث إنه ليس من المطلوب لشخص مثله أن يصل لهذا المنصب». إلا أن العريان لم يبصر كل ذلك رغم صلته بالدكتور محمد مرسى إلا أن أرضية مرسى داخل الجماعة لم تكن بقوة أرضية الشاطر.
 
∎ الدعوة باقية
 
ويعلق د.الهلباوى قائلا: أرى أن دكتور عصام من ممثلى الإسلام الوسطى وكان مسئولا أو عضوا مشاركا فى تجديد دعوة الإخوان فى منتصف السبعينيات، وعن عدم توليه مناصب قيادية داخل الجماعة أو الحزب يقول الهلباوى: الجماعة لديها العديد من الكفاءات التى تضع كلا منها فى المكان المناسب وهو الآن يشغل منصبا مهما فى شورى الرئيس، ولكنه منصب جاء متأخرا بالنسبة لغيره من القيادات ممن شغل منصب وزير أو محافظ!
 
إذا كانت قد تأخرت الوظيفة ليحصل عليها العريان فأؤكد أن العمل الدعوى له أفضل ولا يقل أهمية عن أى مناصب قيادية.
 
∎ خفة سياسية
 
يؤكد د. رفعت سيد أحمد المدير العام والمؤسس لمركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة أن الجماعة تستفيد من كل شخص داخل الجماعة بما تراه مناسبا لها، حيث إن الأزمة التى يمر بها العريان الآن لن تجعل الجماعة ترفع عنه يدها بالشكل الكامل، إنما ستتم الاستفادة منه بشكل مختلف، أما عن تصعيده لتولى مناصب قيادية داخل أو خارج الجماعة فيوضح رفعت أن السبب فى ذلك الصراعات الداخلية داخل الجماعة والتنافس على المغانم ورؤية مكتب الإرشاد فى تقديم وجوه جديدة لا تثير المشاكل والأزمات على عكس ما يفعله العريان، ورغم ذلك فلن يتخلصوا منه، إنما سيعطونه مناصب أقل.
 
بينما ما صدر عن عصام العريان فى الفترة الأخيرة من تصريحات تعكس «خفة» سياسية، حيث جعلته الأضواء والإعلام أقل هدوءا وخبرة فورط نفسه وورط جماعته، ولم يكتف بذلك بل امتد ذلك ليشمل المأزق الرئاسى.