السبت 31 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هل سيأتى وقت تنتهى فيه كل هذه الأكاذيب؟‮‬

هل سيأتى وقت تنتهى فيه كل هذه الأكاذيب؟‮‬
هل سيأتى وقت تنتهى فيه كل هذه الأكاذيب؟‮‬


هل سيأتى زمن تكون فيه الأخبار الكاذبة قد أصبحت فى خبر كان؟ هل سيأتى وقت تنتهى فيه كل هذه الأكاذيب؟‮..‬ أى تنتهى تمامًا هذه الظاهرة السرطانية؟‮..‬ هذا السؤال يخطر على بال كل من يهمه الأمر من القراء والكتاب والمسئولين المحترمين‮.. ‬والإجابة عليه ليست عسيرة،‮ ‬هى كلمة واحدة‮: ‬لا‮!‬

ليس معنى هذا أن نيأس،‮ ‬ونفقد الأمل فى القدرة على التحكم فى هذا الوباء ومحاصرته ليقبع فى جحور ضيقة‮. ‬ومكافحته وعلاج أسبابه والقضاء على مسبباته ومحاصرة مروجيه وناشريه والمستفيدين من بقائه وانتشاره‮.‬
لكن لماذا يميل معظم خبراء الإعلام وعلماء النفس والاجتماع والأنثروبولوجى وعلوم الاتصال إلى القول إن الأخبار الكاذبة والملفقة والشائعات وتشويه الحقيقة،‮ ‬لن تموت نهائيا،‮ ‬وإن كان من الممكن‮ - ‬والمطلوب دائما‮ - ‬مقاومة انتشارها وفضحها كأعمال تدمّر حياة الأفراد والمجتمعات على حد سواء؟‮..‬
ما تخلص إليه الدراسات والبحوث والتطبيقات الميدانية فى هذا المجال وهى متعددة وتقوم بها جامعات ومراكز بحوث فى عديد من دول العالم،‮ ‬وأيضًا تقوم بها بعض مؤسسات الصحافة والإعلام العالمية،‮ ‬هو أن المشكلة ليست فقط فى صناع ومصطنعى الأخبار الكاذبة،‮ ‬لكنها فى الواقع مشكلة الجمهور المتلقى لهذه الأكاذيب والفبركات.
سحر الأخبار الكاذبة‮!‬
أحد الخبراء يشرح الأمر بالقول إنه مادام هناك فى هذا العالم أناس يتهافتون على حضور حفلات وعروض السحرة والانبهار بها،‮ ‬ويدفعون أموالاً‮ ‬طائلة مقابل مشاهدة الساحر وهو يقسم امرأة إلى نصفين ثم يعيدها لما كانت عليه،‮ ‬أو يجعل شخصًا يطير فى الهواء‮..!‬
إنها الطبيعة البشرية التى تستسلم للخداع وتتطلع للعجيب والغريب والغامض والمثير دون إعمال العقل والمنطق،‮ ‬تعطى العقل إجازة‮.. ‬وليس هذا مع السحرة فقط،‮ ‬هناك الإدمان بأنواعه وهناك حب الخروج على المألوف،‮ ‬وهناك النزعات العدوانية والإجرامية الكامنة فى أغوار الإنسان،‮ ‬والتى يحيا حياته كلها فى معركة معها لقمعها،‮ ‬وكبحها،‮ ‬والانتصار عليها،‮ ‬فهل ينتصر دائمًا؟‮.. ‬بالطبع لا وإلا فلماذا تطالعنا الصحف كل يوم بالجرائم،‮ ‬والأخبار الكاذبة والشائعات‮.‬
الأخبار الكاذبة‮ - ‬كما عرفنا خلال هذه السلسلة‮ - ‬موجودة عبر التاريخ،‮ ‬عمرها يقدر بالقرون،‮ ‬ولم تنته ولم تتوقف عن الظهور،‮ ‬كل ما فى الأمر أنها فى بعض الأزمنة والأمكنة لا تلقى رواجًا،‮ ‬أو تقل الحاجة والرغبة فى نشرها وانتشارها وترويجها،‮ ‬وفى أمكنة وأزمنة أخرى تعود لتروج،‮ ‬خاصة مع التطور التكنولوجى الذى حولها من صناعة محدودة يقوم بها من يملكون أدوات النشر والتأثير،‮ ‬إلى مجال مفتوح سداح مداح لكل من هب ودب،‮ ‬عبر الديجيتال ووسائل الاتصال الإلكترونى ومواقع ومنصات الإنترنت‮.‬
فى حفلات السحرة هناك ألعاب تعتمد على العلم،‮ ‬وألعاب أخرى مزيفة خادعة،‮ ‬لكنها مدهشة وممتعة ومسلية للجماهير‮. ‬الجماهير تحب أن تخدع‮! ‬وهناك نقطة‮ ‬غامضة فى العقل الباطن للإنسان تستعذب وقوعه تحت تأثير الخداع‮. ‬وهناك ميل‮ ‬غريزى لدى الإنسان للانتماء‮.. ‬خاصة إلى الأفكار والسلوكيات والمفاهيم والمعتقدات والقيم التى يتجاوب معها وتريحه ولا تزعجه بالاضطرار إلى التفكير والتحليل والنقد والمقارنة والفحص والمحص ووجع الدماغ‮.‬
أعراض مرضية لقانون العرض والطلب
لو نظرنا للأمر من جانب آخر‮.. ‬سنجد أن الأخبار الكاذبة،‮ ‬هى من الأعراض المرضية الجانبية لقانون العرض والطلب الاقتصادى المعروف،‮ ‬فالقراء لو لم يكونوا ملحين فى الطلب ويتجهون للمواقع التى تحمل عناوين إخبارية مثيرة،‮ ‬لما وجدوا أنفسهم‮ ‬غارقين فى أخبار وملفات وبوستات،‮ ‬ومواقع ولينكات حافلة بكل جديد وعجيب وغريب وغير منطقى وغير عادى فى عالم صناعة الكذب الإلكتروني‮.‬
ومع تكرار التعامل مع كل هذا،‮ ‬والشبق الذى يحدث نتيجة الاطلاع على ما هو فضائحى ومكشوف وشاذ،‮ ‬فإن الأمر‮ - ‬خاصة إذا تعلق بأشخاص من المشاهير أو قضايا أو جماعات أو أفكار يكرهها هذا النوع من المتابعين‮ - ‬يتحول إلى‮ .. ‬إدمان،‮ ‬إدمان على متابعة وأيضًا إعادة نشر ما يطلعون عليه،‮ ‬وهكذا يتم الانتشار السرطانى للأخبار الكاذبة‮.‬
الأغرب من كل هذا أن العديد من التجارب التى أجراها علماء النفس بينت أن هناك طبيعة خاصة بالعقل البشرى،‮ ‬فالمعلومات التى يتجاهلها الإنسان ويحاول التخلص منها،‮ ‬تظل راسخة فى عقله،‮ ‬كما أنها تعمد ودون قصد منه،‮ ‬إلى التأثير فى تفكيره،‮ ‬حتى لو لم يكن مقتنعًا تمامًا بصحتها،‮ ‬وهنا تكمن خطورة ترويج الأخبار الكاذبة والمعلومات المزيفة‮.‬
ومن التجارب المثيرة للدهشة أن العلماء قاموا بعرض شهادات حول جرائم ووقائع قاسية على مجموعة من الأشخاص،‮ ‬وبعدها كشفوا عن مرتكب هذه الجرائم أو المتسبب فى وقوعها،‮ ‬وفيما بعد عمد هؤلاء العلماء إلى الكشف عن زيف هذه الوقائع،‮ ‬وأعلنوا براءة المتهمين بارتكابها،‮ ‬وفى هذه الأثناء لاحظوا أن الرواية الأولى بقيت عالقة فى أذهان الخاضعين للتجارب،‮ ‬رغم أنهم جميعًا أصبحوا على علم بأن الحكاية كانت مجرد كذب فى كذب،‮ ‬والحقيقة التى توصلوا إلى تأكيدها هى أن العقل البشرى يعجز فى الغالب،‮ ‬عن التحرر تمامًا،‮ ‬من الأخبار والمعلومات الكاذبة والمزيفة والمختلقة والخاطئة التى تتجذر داخله‮.‬
قيادات‮ «‬فيس بوك» تهتز‮..‬
ومع صعود حالة الاحتجاج على انتشار وباء الكذب الإلكترونى،‮ ‬وتعرض منصات كبرى مثل‮ «‬فيس بوك‮» ‬التى يتابعها ويتعامل معها كل لحظة ما يقرب من ثلثى سكان العالم،‮ ‬على ما أعتقد،‮ ‬لمخاطر المقاضاة‮ - ‬حيث تلقت قياداتها تهديدات واضحة من الرئيس الفرنسى ورئيسة الوزراء البريطانية والمستشارة الألمانية‮ - ‬بالتقاضى ودعوات لمقاطعة‮ «‬فيس بوك» ‬وظهور منصات دولية أخرى فى الصين مثلاً‮.. ‬وخوفًا من ضياع السمعة وأيضًا ضياع العائدات المالية البليونية،‮ ‬اهتزت سلطات وقيادات إدارة هذه المنصات،‮ ‬وبدأت تعدل عن أسلوبها السابق القائم على تجاهل المشكلة والاعتذار بأن هذه المنصات ليست مسئولة عن النشر،‮ ‬وأن الكذب والتلفيق قليل جدًا‮.. ‬تراجعوا عن كل هذا وبدأوا يعملون على تقييد وتشكيك متابعيهم فيما ينشر من أخبار‮. ‬بوضع إشارات ملونة على ما يعتقد أنها أخبار مشكوك فى صدقيتها‮.. ‬لكن ذلك لم يدم طويلاً،‮ ‬حيث تراجع‮  ‬مسئولو‮ «‬فيس بوك‮» ‬عنه،‮ ‬وابتكروا ما يسمي‮ «‬خوارزمات‮» ‬وهى برامج مجهزة سابقًا لرصد وتدقيق وتصحيح أو عدم تمرير،‮ ‬ما تراه متجاوزًا أو يحتوى على معلومات مغلوطة وكاذبة،‮ ‬ومشكلة هذه الخوارزمات أنها مبرمجة مسبقًا على منع حالات محددة،‮ ‬وليس كل الحالات،‮ ‬ومن هنا فهى محدودة التأثير،‮ ‬ويمكن بسهولة لخبراء التلاعب بالعناصر والأنظمة الإلكترونية،‮ ‬التحايل عليها،‮ ‬وإضعاف تأثيرها أو إخماده تماما‮.‬
وهكذا فلا جدوى من هذه المحاولات كما تبين من واقع الممارسة والتجربة،‮ ‬فالكذب يتمدد عبر منصات الإنترنت وينتقل إلى بعض الصحف والفضائيات‮.‬
محاولة أخرى جرت مؤخرًا بتشكيل مجالس ولجان ومجموعات تضم قيادات‮ «‬فيس بوك‮» ‬و«تويتر» ‬و«جوجل‮» ‬وغيرها،‮ ‬بجانب خبراء إعلاميين وصحفيين من مؤسسات وصحف عالمية مثل‮ «‬نيويورك تايمز‮» ‬و«واشنطن بوست».. ‬والهدف‮: ‬السيطرة على تدفق الأخبار الكاذبة والتحقق من كل ما ينشر فى محتويات المواد والمواقع والبوستات والبلوجات‮.‬
وماذا كانت النتيجة حتى الآن؟‮..‬
لا شىء يذكر‮.. ‬لماذا؟‮.. ‬لأنك لا تستطيع أن تقوم بمهمة رقابية بوليسية على ملايين المواد والرسائل والبوستات والصور وكل هذا بفرقة‮ «بوليس أخبار» ‬قليلة العدد حتى لو بلغت عشرات أو مئات الأفراد‮.‬
فالمسألة لا تتعلق بمكافحة بوليسية،‮ ‬ونحن نعرف أن البوليس ضرورى فى حياتنا،‮ ‬لكننا نعرف أيضًا أن وجود البوليس لا يمنع وقوع الجرائم‮.‬
فما العمل إذن؟‮!‬
الأسبوع المقبل نكمل‮.•