الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

شركات غربية تغسل سمعة الحكام العرب

شركات غربية تغسل سمعة الحكام العرب
شركات غربية تغسل سمعة الحكام العرب


إذا أراد الحاكم العربى أن يحكم مدى حياته، فعليه أن يشترى رضا الولايات المتحدة، وليذهب شعبه إلى الجحيم، ومهما ارتكب من انتهاكات فستصم الآذان وتحجب الأبصار عنها، طالما اشترى هؤلاء الحكام ودِ الغرب وزعيمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وعملوا على استرضائها للحفاظ على السلطة وكرسى الحكم مقابل عقود مشبوهة بمليارات الدولارات، من قوت الشعب أو من دمائه، مع شركات العلاقات العامة واللوبيات داخل دوائر صنع القرار بأمريكا أو فى المملكة المتحدة.

وبين الحين والآخر تكشف تقارير وتظهر وثائق، تثبت حقيقة الدور الذى تلعبه واشنطن ولندن فى دعم أى من الأنظمة التى يمكن أن تخدم مصالحهم وتحقق أطماعهم حتى إن كانت يداها ملطختين بالدماء.. أسرار يُزاح عنها الستار، تفضح اتفاقات دارت فى الخفاء بين رجال الأنظمة القمعية من مختلف دول العالم وشركات علاقات عامة ومراكز بحثية وإعلامية أمريكية وبريطانية، يترأسها رجال من الكونجرس وساسة بريطانيون ذوو نفوذ، يعملون على الترويج لهذه الأنظمة المشكوك فى شرعيتها وتحسين صورتها فى بلادهم وبمركز صنع القرار العالمى، مثل بروكسل وواشنطن، مقابل صفقات مشبوهة وعقود بمليارات الدولارات، ليظهر وجههم القبيح فى تطويع القوانين كما يحلو لهم واتباع سياسة الكيل بمكالين تحت شعار الديمقراطية - المزيفة - والحرية، دون احترام حقوق الشعوب فى حياة آدمية دون قهر واستبداد.. فالتسويق السياسى فى بلاد العم سام وحليفتها المملكة المتحدة منجم للذهب لهما، فأى دولة قمع تريد تحسين صورتها لدى صناع القرار الدوليين، عليها تصويب نظرها إليهما وتبرم عقودًا بمليارات. ومع مجىء ثورات الربيع العربى فى ليبيا ومصر وتونس والتغييرات السياسية التى لحقت بالشرق الأوسط، كانت أحد الدوافع وراء إثارة تساؤلات حول هذه كيانات التى دعمت أنظمة هذه الدول وغيرها.
غسيل سمعة تميم
فى 5 يونيو الماضى، قرّرت مصر والسعودية والإمارات والبحرين، فى بيانات متزامنة، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية أمامها، لاتهامها صراحة بدعم الإرهاب، وتبعها فى اليوم نفسه اليمن وليبيا وموريشيوس والمالديف.. وفشلت الوساطة الكويتية فى إنهاء النزاع، حيث أوقفت الدول الأربع رحلات السفر والاتصالات مع قطر، مطالبين الأخيرة بتقليص دعمها لجماعة الإخوان المسلمين وإغلاق قناة الجزيرة الإعلامية، من بين خطوات أخرى ضمن قائمة تضمنت تحتوى 13 مطلبًا من قطر، وفى بداية الأزمة ظهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، داعمًا لحلف الرياض عندما وصف قطر بأنها «ممولة للإرهاب»، إلا أنه فى غضون أيام، حصلت قطر على دعم وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس بإتمام صفقة بقيمة 12 مليار دولار لبيع طائرات مقاتلة من طراز (F-15) إلى الدوحة.. وفى أعقاب ذلك وقًّع وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون اتفاقًا مع قطر حول مكافحة الإرهاب وتمويله، وقد اعتُبر الاتفاق على نطاق واسع بمنزلة دعم دبلوماسى لبلد معزول يستضيف قاعدة «العديد» الجوية الأمريكية، ومنذ ذلك الحين، انتقلت الحرب الدعائية إلى قلب واشنطن.
وفى هذا السياق، سعت قطر لتحدى الضغوط التى تتعرض لها من الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، لثنيها عن دعم التطرف، والعبث بأمن واستقرار جيرانها، وفى محاولة للتصدى للضغوط التى تفرضها عليها الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، لجأت الدوحة إلى التعاقد مع مؤسستين أمريكيتين لتحسين سمعتها؛ أسس إحدى هاتين المؤسستين المدير السابق لحملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية وتضم فى عضويتها مسئولاً إسرائيليا حكوميا سابقا، وتقدم خدمات استشارية استراتيجية، فيما تختص المؤسسة الأخرى بتتبع سقطات السياسيين.
استشارات بـ150 ألف دولار
وبحسب وكالة «أسوشيتدبرس»، فإن هناك وثائق تم تقديمها حديثًا لوزارة العدل الأمريكية تكشف أن قطر أبرمت عقدًا مع شركة «أفينو استراتيجيز جلوبال»، التى أسسها المساعد السابق لترامب، كورى ليفاندوفسكى، وعضو آخر فى الحملة هو بارى بينيت، لإجراء بحوث وتقييم علاقات حكومية وتقديم خدمات استشارية استراتيجية، مقابل 150 ألف دولار شهريًا.
وكان المساعد السابق لترامب، كورى ليفاندوفسكى، أسس مركز «أفينو استراتيجيس جلوبال»، عقب انتخابات الرئاسة الأمريكية فى نوفمبر الماضى التى جاءت بترامب إلى البيت الأبيض، لكن ليفاندوفسكى استقال من الشركة فى مايو الماضى. وتضم شركة «أفينو استراتيجيس جلوبال» التى استأجرتها قطر، فى عضويتها كبير الموظفين سابقًا بحكومة رئيس الوزراء «الإسرائيلى»، بنيامين نتانياهو.. وينص العقد على أن «يشمل نشاط الشركة اتصالات مع أعضاء وموظفى الكونجرس، ومسئولين تنفيذيين، ووسائل إعلام، وشخصيات أخرى».. وقال زميل الأبحاث فى معهد جيمس أديسون بيكر الثالث للسياسة العامة فى جامعة رايس الأمريكية، كريستيان كواتس أولريتشن «إن القطريين يعملون متأخرين فى المستوى العام للتحدى الذى يواجهونه، وبعد أن استقرت الأزمة فى مواجهات أو مواجهات مطولة، أصبح الصراع تقريبًا لكسب قلوب وعقول الموظفين فى العاصمة واشنطن».. وقالت «أسوشيتدبرس» إن استعانة قطر بشركة لها علاقة بمساعد ترامب تشير إلى مساعى قطر فى الوصول للبيت الأبيض الذى يتمتع بعلاقات وثيقة مع السعودية، مشيرة إلى أن معركة قطر مع السعودية التى فازت بأول زيارة خارجية لترامب ستكون صعبة بالنسبة للدوحة حتى وإن كانت تفخر بأعلى دخل للفرد فى العالم بفعل ثروتها من الغاز.
وعن المبالغ الطائلة التى تضخها قطر فى خزينة الشركتين، أضافت الوكالة: «فى خضم بناء قطر لملاعب كأس العالم الذى من المفترض أن تستضيفه فى 2022، لم تخش من إنفاق أموالها»، فى إشارة إلى المبالغ الطائلة التى تستأجر بها الدوحة الشركتين الأمريكيتين، لتضاف إلى أموال أخرى تحاول بها تجميل صورتها.
ولم تكتف قطر بذلك، وإنما وقعت عقدا لمدة 3 أشهر، قابلة للتجديد، بقيمة 1.1 مليون دولار مع شركة أمريكية أخرى متخصصة فى تتبع سقطات السياسيين، وهى عبارة عن شركة أبحاث خدمات إدارة معلومات، ويديرها الباحث السابق بلجنة حملة الكونجرس الديمقراطية، جيف كلويتر، بحسب وزارة العدل.
وأطلقت قطر إعلانات على شبكة الإنترنت فى الصحف الأمريكية، وروجت لنفسها كأقوى حلفاء واشنطن ضد الدولة الإسلامية داعـش، وتعهدت لترامب بأنها ستستثمر 45 مليار دولار فى الولايات المتحدة على مدى 5 سنوات وتستحدث 60 ألف وظيفة أمريكية، كما وقعت مؤخرًا اتفاقات مع مجموعة من المحامين ومجموعات الضغط فى واشنطن لتلميع صورتها، بما فى ذلك صفقة بقيمة 40 ألف دولار شهريًا مع ماكديرموت ويل آند إيمرى، كما دفعت قطر منذ بداية الأزمة، 2.5 مليون دولار للمؤسسة القانونية التابعة للنائب العام الأميركى السابق، جون أشكروفت، لمعالجة موقفها فيما يتعلق بتمويل الإرهاب، ووصل عدد الشركات التى تعاقدت معها قطر من أجل غسيل سمعتها إلى 6 شركات ضغط فى واشنطن خلال الشهرين الماضيين، مع تواصل سعيها لتوظيف شركات أمريكية تقدم خدمات استشارية استراتيجية، مهمتها تلميع صورتها بمبلغ يقارب 1.7 مليون دولار شهريّاً، فى الوقت الذى تواجه فيه مأزقًا عنيفًا بسبب دعمها وتمويلها للإرهاب.
من جهة أخرى، شوهدت شاحنة إعلانية تحمل شعار «ارفعوا الحصار المفروض على شعب قطر» وهى تجوب العاصمة الأمريكية واشنطن، فى إشارة إلى العقوبات التى أجبرت الدوحة على الاعتماد على تركيا وإيران وعمان لجلب وارداتها.
ولم يتوقف الأمر عند الولايات المتحدة، فعندما تتوجه إلى لندن سوف تواجهك عبارة «ارفعوا الحصار المفروض على شعب قطر» أو (Lift the Blockade Against the People of Qatar) على سيارات «تاكسى» لندن الأسود الشهير، ويشارك فى الحملة الممولة من قطر نحو 200 سيارة أجرة تجوب شوارع العاصمة لندن وعليها ملصقات تطالب برفع الحصار عن قطر، فضلاً عن إعلانات هجومية فى التليفزيون بالولايات المتحدة، وطوفان من الرسائل على الإنترنت، ووسائل الإعلام المرتبطة بدول المقاطعة الأربعة.
قطر وبروكنجز
فى سبتمبر 2014، كشفت عدة تقارير صحفية أمريكية على رأسها «نيويورك تايمز»، و«فرونت بيج» عن أن الحكومة القطرية هى المتبرع الأكبر والوحيد لمعهد «بروكنجز»، وأنها أعطته 14.8 مليون دولار فى 2013، و100 ألف دولار فى 2012، و2.9 مليون فى 2011، مقابل تصويرها على أنها صانعة سلام فى العالم الإسلامى، وقوة ذات مساعٍ طيبة.. ويعتبر هذا المعهد أكثر مركز أبحاث تأثيرًا، وثقة واقتباسًا فى العالم، وأداة الدوحة لتلميع صورتها ونفى شبهة تمويل التطرف الإسلامى والكيانات الإرهابية عنها. وتأكد ذلك من خلال تصريحات «حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى» عام 2012، حينما كان يشغل حقيبة الخارجية، التى قال فيها «إن شراكتنا مع المعهد الأمريكى يعطى قطر ما تريده تمامًا، فالمعهد كمنفذ العلاقات العامة يعكس الصورة المضيئة للدوحة فى الإعلام الدولى، لا سيما فى عيون الأمريكيين»..وذكر «جيمس فيليبس» المفكر فى «مؤسسة التراث»، أن قطر تمول هذه الكيانات من أجل تطوير أهداف سياستها الخارجية، والتى تتضمن العمل جنبًا إلى جنب مع الإيديولوجيات الإسلامية، لتقوية الحركات العربية السنية المتطرفة، وبقبول أموال قطر، فإن بروكنجز الأمريكى يخاطر بالظهور على أنه أداة فى يد قطر وممكن أن يؤدى للمساعدة فى إعطاء شرعية للجماعات الإسلامية فى الغرب، بالإضافة إلى التشكيك فى مصداقيته.
ولم تكتف الدوحة بالشراكة مع «بروكنجز» لتحسين سمعتها فى الخارج، بل وقعت عقدًا، فى مكتب رئيس الوزراء القطرى مع شركة «بورتلاند للاتصالات» بواشنطن، أكبر وكالات العلاقات العامة فى العالم، والذى قد يشمل الضغط على الكونجرس والوكالات الفيدرالية سياسيًا.
وقبل أكثر من 7 سنوات، وبالتحديد فى أغسطس عام 2010، فجرت صحيفة «الجارديان» البريطانية مفاجأة حين كشفت عن أن لندن باتت عاصمة «غسيل السمعة القذرة للحكام»، بعد أن توجه إليها رؤساء الدول الذين تلاحقهم انتقادات المنظمات الدولية لانتهاكهم وتقييدهم حقوق الإنسان تحت ذرائع شتى، فأبرموا عقودًا مع شركات العلاقات العامة، التى لا ترى مانعًا فى الترويج لأنظمة وأشخاص يحملون سجلات دموية وفساد اقتصادى، مقابل مبلغ يصل فى بعض الحالات إلى 3 ملايين دولار للعقد الواحد، تقوم هذه الشركات بإسداء النصح للنظام الذى يمارس التعذيب والفساد وقمع الحريات، ويتعرض بسبب هذا للهجوم من هيئات دولية كالأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية والكومنولث، كما تعمل على غسل هذه السمعة لدى الجهات صانعة القرار، من خلال كتابة مقالات حول الإصلاحات الديمقراطية التى تقوم بها هذه الأنظمة، وجزء من عمل هذه الشركات هو إخفاء المعلومات السلبية لعملائها على صفحات الإنترنت. وترى شركة «بيل بوتينجر» إحدى شركات العلاقات العامة، أن عملها لا يمكن أن يسمى «غسيل سمعة» وإنما هو إعادة صيغة للأحداث، كما أن المال وليست الأخلاق العامل الحاسم لهذه العمليات.
ومن المعروف عن المملكة المتحدة أنها مركز مهم للعلاقات العامة، لأن هذه المؤسسات لا تخضع للرقابة المشددة ولا يوجد تشريع يجبر هذه الكيانات الخارجية على تسجيل نشاطاتها فى مجال العلاقات العامة مع هيئات حكومية، كما هو الحال فى الولايات المتحدة التى تعتمد على أسلوب الاستمالة؛ إذ إن لوبى هذه الشركات هناك يعمل تحت إشراف ورقابة وقانون لتسجيل وكلاء الخارج» (FARA). •