الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تراجيديا النجاح

تراجيديا النجاح
تراجيديا النجاح


حياة قصيرة (1933- 1987) لكن درامية، تلك هى قصة داليدا الممثلة والمغنية المصرية الإيطالية الفرنسية.
 تألقت داليدا برصيد كبير من الأغانى، وانتكست نفسيا بعدد لا حصر له من النكبات، طوال عقدين حاولت الانتحار، حتى نجحت وهى فى الرابعة والخمسين.

لكن يبقى ذلك الحضور المتجدد لداليدا، فبعد أكثر من 31 عاماً على رحيلها، لايزال شباب فى العشرينيات من أعمارهم يستمعون لأغنياتها الفرنسية والإيطالية والمصرية والألمانية والإنجليزية واليونانية واليابانية.
ولاتزال فى فرنسا، محبوبة الجماهير الأولى حتى الآن، فقد باعت أغانيها أكثر من 30 مليون أسطوانة منذ وفاتها.
يولاندا كريستينا جوليوتى هو اسم داليدا الأصلى، كانت على علاقة بالرئيس الفرنسى الراحل فرانسوا ميتران، أطول الزعماء الفرنسيين بقاءً فى الحكم (1980 - 1994)، وهى بذلك تشبه النجمة الأمريكية الراحلة مارلين مونرو فى انتحارها 1964، وبعد علاقة مع الرئيس الأمريكى جون كيندي.
ظل ميتران الذى تزوج مبكرا من دانيال ميتران، التى ظل يخونها طوال خمسة عقود -عمر زواجهما «السعيد» فى نظر الكثيرين- مع كثيرات أشهرهن داليدا.
كانت البداية فى السبعينيات، عندما دعاها عمدة مرسيليا الاشتراكى لإحياء حفل لصالح حزبه، حيث سيطلقون حملة للانتخابات البرلمانية، وهناك التقت ميتران، لكن البداية الحقيقية كانت بعد ذلك فى 1979 بحسب ما نقلته مجلة «باريس ماتش» عن كتاب لصديقتها وكاتمة أسرارها، نشرته فى الذكرى العشرين لوفاتها.
منذ ذلك الحفل، توطدت العلاقة بين النجمة الأشهر فى البلاد، والرجل الصاعد بقوة للرئاسة.
غالبا ما كان ميتران يذهب إلى بيت داليدا فى «مونتمارته» بالتاكسى أو بسيارته الخاصة، وغالبا دون حرس أو حتى سائق.
يأتى إلى حبيبته التى تتحول فى حضوره لمراهقة بباقة ورد كولد صغير فى أولى لقاءاته بعشيقته.
كل لقاء كانت تحبه أكثر «فهو هادئ وأنيق ومبتسم يأكل بتأنٍ أطباق محار البحر التى تعدها داليدا» المتوسطية بامتياز، بحسب صحيفة «لوبوان».
أما هو فـ«رجل تزوج مبكرا وضعه الاجتماعى لا يمكنه من تطليق زوجته، لكنه يحبنى واسمه فرانسوا»، على حد تعبير مجلة «باريس ماتش».
سيدة خلف الرئيس 
وفى 1980 عند بداية الحملة الانتخابية لميتران وحزبه الاشتراكى، تعهدت داليدا بمساندته بكل ما أوتيت من قوة، وعند فوزه، كانت فى الصف الأول خلف الرئيس وهو يضع وردة على نصب الجمهورية، وظهرت فى الكثير من الصور خلف ميتران بعد ذلك.
لم يخف ميتران أو داليدا حكايتهما، ويبدو أن هذا أضر بهما، بدأت همسات الإليزيه تنتقد علاقة الرئيس بالمطربة، وأخذ الوزراء وقادة الحزب يضغطون على الزعيم الذى أحيا الاشتراكية الفرنسية بعد موتها، لترك داليدا.
لكن قائد فرنسا الذى واجه النازى من خلال انخراطه فى المقاومة الفرنسية فى الأربعينيات، والذى تحدى شارل ديجول محرر فرنسا فى انتخابات الرئاسة فى الستينيات، لم يستطع أن يقف أمام حبيبته ليقول لها وداعا، فأرسل لها رسالة، يقول فيها لا بد من إنهاء علاقتنا، ويرجوها «ألا تذيعها على الملأ».
تعاسة وانتحارات
لم تكن هذه صدمتها الوحيدة، ففى أوائل 1967 حاولت الانتحار بعد انتحار صديقها المغنى الإيطالى لوجى تنكو برصاصة فى خده الأيسر، بعد فشله فى المنافسة على جائزة موسيقية.
بعدها بشهر واحد فى فبراير أقدمت داليدا على الانتحار حزنا على تنكو، لكنها نجت وبقيت فى غيبوبة لخمسة أيام ونقاهة مدتها عدة أشهر.
فى نهاية العام نفسه أجهضت داليدا طفلها من طالب إيطالى يبلغ 22 عاما يدعى لوسوا.
وفى 1970 انتحر زوجها السابق (1956 - 1961) لوسين موريس بإطلاق النار على رأسه.
وفى 1976 انتحر صديقها المقرب المغنى الفرنسى مايك برانت،  وقد ساهمت داليدا فى نجاحه على خشبة مسرح الأولمبيا أوائل السبعينيات، وفى 1983 أقدم حبيبها السابق رديتشارد شانفراى على الانتحار.
نجاح ووحدة
هذه التعاسة كانت عكس طفولتها السعيدة فى مصر، فى منزل والدها عازف الكمان بالأوبرا الملكية المصرية، الذى كان له فضل فى حبها للفن.
فى ذلك الوقت توجت بلقب ملكة جمال مصر 1954، لتدخل بعدها إلى عالم السينما، كومبارس فى فيلم «غزل البنات»، وممثلة فى «سيجارة وكاس»، لكنها فضلت السفر إلى باريس فى ليلة عيد الميلاد من ذلك العام.
تعلمت الموسيقى فى باريس، رغم أن لها خلفية فنية قوية بسبب ارتباطها بوالدها عازف الكمان فى الأوبرا الملكية المصرية.  
فى 1955 بدأت الغناء فى فرنسا، لكن العام التالى كان انطلاقتها الكبيرة عندما سجلت أغنية بامبينو التى وزعت 300 ألف أسطوانة، سمتها الصحافة «مودموازيل بامبينو».
مع نجاحاتها المتوالية حازت جائزة «أوسكار مونت كارلو»، التى حصلت عليها سبع مرات بعد ذلك.
وبحلول 1962 تربعت داليدا على عرش الغناء الفرنسى مع أغنيتها وألبومها «جونزالز الصغير» التى صارت من كلاسيكياتها، كما أنها تحولت إلى مطربة عالمية بعد مجموعة أغنيات إيطالية وعربية فى القاهرة.
صعدت داليدا سريعا لتتحول إلى رمز وأيقونة فى الغناء الأوروبى، وفى السبعينيات عرفها الجمهور الأمريكى بعد جولة طويلة وناجحة فى الولايات المتحدة.
حصلت طوال مشوارها الفنى الممتد منذ 1954 وحتى انتحارها فى 1987، على تكريمات من مختلف دول العالم، منها الأوسمة الإيطالية والفرنسية والهولندية والبلجيكية والأمريكية والكندية وبالطبع المصرية.
لكن يبدو أن نفسها لم تتحمل وحدتها القاسية رغم كل شيء، فقررت إنهاء حياتها بجرعة من عقار باربيتيورات، تاركة لعشاقها رسالة قصيرة «لم أعد أتحمل الحياة... سامحوني».
سامحها جمهورها، لتبقى واحدة من أقرب المطربات إلى قلوب المصريين والفرنسيين وكل من أحبها.