داليدا الإيطالية ملكة جمال مصر
صباح الخير
«أما أنا.. أنا من شبرا.. من مصر وولادها الطعمين.. زى القمر بعيون سمرا.. لابسين.. عقود فل وياسمين.. والنيل بيضحك ويغنى.. فاكرنى وبيسأل عنى.. أروحله ألقاه مستنى.. وجنب منه أحسن ناس.. أحسن ناس».
كلمات صلاح جاهين التى تغنت بها داليدا أو يولاندا كريستينا جيجليوتى (17 يناير 1933 - 3 مايو 1987) الفنانة والمطربة الإيطالية المصرية، التى عاشت فى شبرا فى عمارة والدها، بشارع خمارويه، المتفرع من شارع شبرا.. إذا سألت عن مكان العمارة، لن يجيبك الكثير من سكان الشارع، فأغلبهم من الشباب، الذين لا يعرفون أن داليدا التى تفاخرت بكونها «من شبرا ومن ولادها الطعمين» عاشت لسنوات مع والدها ووالدتها وأخويها الاثنين، برونو، وأورلاندو، الذى غنى أغنيتين فرانكو آراب شهيرتين «فطومة، يامصطفى يامصطفي».. لكنك بعد «دوخة» ستصل إلى العمارة رقم «11» التى تقع على ناصية، ولها واجهتان، تزينهما البلكونات المتوسطة الحجم، ونوافذ تكشف سلالم العمارة وطرقاتها من الداخل، بحيث يستطيع الزائر أو الساكن أن يرى الشارع طوال صعوده.. العمارة مكونة من طابقين وطابق أرضى، والشقة الواحدة ذات أربع غرف وصالة وحمام ومطبخ، ويبدو المبنى بحالة جيدة جدا رغم انتمائه إلى طراز قديم، ذو أسقف مرتفعة وأبواب وشبابيك عالية، وبوابة حديدية بزخارف تراثية، وتظهر الحالة الجيدة للمبنى فى درابيزين السلم الفورفورجيه الحديد، المكسو بالخشب، وفى الشكل الخارجى للمبنى كله، رغم أنه مبنى فى الربع الأول من القرن العشرين، حسبما يؤكد سكانه.
عم صامويل الترزى
شقة الطابق الأرضى، تحولت منها غرفتان إلى محلى بقالة وبوتيك، وإذا طرقت باب الشقة سيقابلك عم صمويل سالم، الذى عمل لسنوات «ترزى» للفنانين بشارع عبدالخالق ثروت، بوسط القاهرة، قبل أن تقعده سنواته الثمانين، وإذا سألته عن داليدا، سيتوجس خيفة هو وابنته «داليا».. السبب هو أن شقته هى نفسها التى عاشت فيها داليدا، قبل أن يستأجرها فى الخمسينيات، بعد انتقال أسرة داليدا إلى الطابق العلوى، وكثيرا ما يأتى مهتمون وعاشقون لفن داليدا، ليسألوه عن تفاصيل حياتها، كان آخرها عاشقة إماراتية لفن داليدا، جاءت مع جمع كبير، لتحتفل بوضع لوحة رخامية تذكارية على العمارة، توثق أنها عمارة داليدا، ثم اختفت اللوحة بعد أيام قليلة من وضعها.
«عشاق داليدا الذين مازالوا يأتون للسؤال عن حياتها هنا، أغلبهم من فرنسا ومن كوبا، ويحبون أن يأتوا لزيارة المكان الذى عاشت فيه، وأخوها برونو مازال يعيش فى فرنسا، وأرسل لى قبل أسابيع محاميه الفرنسى، ليستأذنى فى حضور برونو، الذى يرغب فى أن أستضيفه فى شقتى لساعات، يسترجع فيها ذكريات الأسرة» يقول عم صمويل.
ويتابع: أبلغت المحامى بموافقتى، خاصة أن برونو قد ترك مصر سنة 1967، وكانت داليدا قد سبقت الأسرة إلى فرنسا، وكانوا قد باعوا العمارة قبلها فى 1960 لأحمد عقب الباب، الذى باعها بعد ذلك إلى محمد الجزار، الذى توفى وتأتى ابنته لتحصيل الإيجار، الذى لايتعدى السبعة جنيهات.
علبة مجوهرات
يتذكر عم صمويل، وابنته التى كانت وقتها فى الصف السادس الابتدائى، يوم أن قدم المخرج يوسف شاهين إلى بيتهم، ليصور بيت داليدا، عندما كان يجهز لتصوير فيلم اليوم السادس فى سنة 1985، وشاركتهم داليدا الحياة فى الشقة أسبوعا كاملا، خلال تصوير الفيلم، تخللها جلسات مع يوسف شاهين، حول الفيلم وحياتها وذكرياتها فى الشقة.. وهنا تقول داليا صمويل: «عندى حاجات تخص داليدا، مثل دولاب فضية كبير «نيش» من خشب الورد، وعلبة مجوهرات من النحاس، وزجاجة من الكريستال، وأشياء أخرى، عرض علينا أن تباع فى فرنسا، أو نطلب من السفارة الفرنسية أن تبيعها فى مزاد علنى، لكننا نفضل أن تشرف على المزاد وزارة الثقافة أو جهة حكومية، حتى يظل تراث داليدا فى مصر».. داليا تؤكد أن عائلتها كانت قد اشترت هذه المقتنيات وغيرها، من عائلة داليدا قبل أن يتركوا مصر، وتقول أنهم يحتفظون بهذه المقتنيات فى مكان بعيد عن الشقة، حفاظا عليها، وأنها تدرك قيمة المقتنيات، التى لن يستطيع تقييم ثمنها سوى متخصصى التحف والمزادات، وتتوقع أن يكون سعر دولاب الفضية وحده 500 ألف جنيه.
بين سانت تريزا وفيكتوريا
«لم تكن ولادة داليدا فى هذا المنزل مصادفة، بل كانت تعبيرا عن الوجود الإيطالى فى حى شبرا، خلال النصف الأول من القرن العشرين، لتأتى هذه الجالية فى المرتبة الثانية من حيث التعداد، بعد الجالية اليونانية، وربما أيضا من حيث التأثير الاجتماعى والثقافى» يقول أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، د. محمد عفيفى فى كتابه «شبرا.. إسكندرية صغيرة فى القاهرة».. ويؤكد د. عفيفى أن داليدا ولدت من أبوين إيطاليى الأصل مولودين أيضا فى مصر، فقد هاجر أجدادها إلى مصر فى مطلع القرن العشرين، مثل العديد من أبناء الجالية فى مصر، ويقع منزل داليدا على بعد 100 متر من كنيسة سانت تريزا الكاثوليكية، المفضلة لدى الجالية الإيطالية، كما يبعد 200 متر عن المدرسة الإيطالية، التى تحولت إلى مدرسة فيكتوريا، ثم كلية الآداب بجامعة عين شمس، لتصبح الآن مقرًا لكلية الهندسة جامعة الزقازيق.. ويدلل عفيفى على انخراط داليدا والجالية الإيطالية فى الحياة المصرية، بتقدم داليدا لمسابقة ملكة جمال مصر، لتحصل على هذا اللقب عام 1954، ولم يقل أحد وقتها أن داليدا ليست مصرية، وبدأت العمل فى السينما بفيلم سيجارة وكاس، فى نفس العام، لتنطلق بعدها إلى فرنسا، وتصبح النجمة الشهيرة، لتعود إلى القاهرة ببطولة فيلم اليوم السادس، وتغنى لطفولتها وشبابها فى شبرا.. وولادها الطعمين.