الثلاثاء 11 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

من بيتنا.. لبيتك وقلبك ووجدانك

من بيتنا.. لبيتك وقلبك ووجدانك
من بيتنا.. لبيتك وقلبك ووجدانك


من أول خطوة بداخل معرض  «ديارنا» الحالى للأسر المنتجة، غمرتنى هالة من الانشراح والبهجة لاستضافة سيناء.. تبدلت صورة قتلى مسجد الروضة إلى لوحة اسمها الحياة.. المشغولات السيناوية تحكى عن الأرض والجبل والنخل وينابيع المياه والعنزة وليالى السمر وأنامل تغزل ملابس العروس..
 المرأة السيناوية صلبة شامخة رغم رقة الصوت وتواضع المظهر، قوس قزح يطل من روحها وينساب من بين أناملها تطريزًا وهاجًا فى ليل الصحراء، يشق قتامة أحزان الحياة.. هل هذا تطريز أم تسبيح.. ما الحوار الذى تبادلته النفس مع الخالق طوال ليالى الإبداع.. المشغولات المعلقة مفرودة تزهو، والمطوية كالخبيئة، وأمامها موائد وليمة عقود الخرز والأساور تجذب عيون زوار المعرض وتسحبنا لأرض سيناء.. تطل وتتزاحم كل الصور المتناقضة فى سيناء عبر الزمن.. ليالى سمر وصهيل خيول راقصة.. قنابل وأشلاء، وصهيل فزع من جحيم مؤامرات البشر.. كل قطعة فنية تحمل تاريخًا يعيد نفسه وكأنه ساقية تدور مع أن المياه جفت!! الخيام اندثرت بعد المساكن، والجبال الحارسة غدت مخابئ مرتزقة ومجرمين ومخازن أسلحة.. عيون المياه أنفاق تهريب وكمائن غدر.. ماذا فعل غباء الإنسان وصراع الحكام بالأرض الطيبة.. وكيف مازالت المرأة السيناوية تغزل بالضوء فوق الليل الحالك!
دعونا لا نسمح للسياسة بإفساد متعة التجوال وسط هذا الزخم الفنى.. هنا وفى لحظة، عدت طفلة فى رحلة مدرسية مدهشة للأرض المسحورة.. زحام أنامل تبدع زهورا وطيورا وخيولا وتشكيلات لونية تعزف وتغنى وترقص.. رأيتنى حاملة النول المدرسى ولوحتى لم تكتمل.. أرسم وجه فلاحة بملامح بدوية، عيونها بهية مكحلة، وعنقها شامخ سوف أحليه بعقد خرز بعد انتهاء غزل الصوف.. خلفها حصان وأهرامات ومن الشرق تسطع شمس ضاحكة.. معلمة الأشغال غليظة لا تبتسم ولا ترضى... عكس معلمة الرسم الأنيقة الرقيقة.. صالة الرسم مرقص وملعب وكنيسة وصوت أذان.. كيف يمكن أن يكون شكل الحياة بدون فن.. بدون ألوان، بدون تطريز.. أتحسس التطريز فى العباءات السوداء والشيلان والمفارش، التطريز يحفظ أصوات وهمسات وأسرار وأحلام وذكريات طفولة وشباب.. أحباء رحلوا غيابهم قاس لأن حضورهم راسخ، ذكرياتهم لا ترحل معهم، وليتها تخجل وتنمحى لأنها تفتح جراحا وتكويها.. التطريز السيناوى نمطى ثابت يجدد الماضى ويثبته.. كأنه يرفع علم خريطة ملكية الأرض، يعلنها ميراثا لأبنائه.. فالأرض كالأبناء نسيج إذا تجزأ تهاوى.
بعد أن بلغ إقبال الزوار حوالى 7 آلاف دفعوا 4.5 مليون جنيه فى أسبوع واحد لاقتناء عبق سيناء، والمساهمة فى تطوير وتنمية قرى شمال سيناء بكل الحب.. أطلب من د.غادة والى وزيرة التضامن استمرار معرض «دارنا» للأسر المنتجة طوال العام وليس كل ثلاثة أشهر، لحث التنافس وفرض التميز سعرًا وإبداعًا.. المعرض هو استعادة دفء البيوت وطلاوة المشاعر وصوت الكروان وحب مصر. •