الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

زوجات على دكة الإعدادى

زوجات على دكة الإعدادى
زوجات على دكة الإعدادى


  وسط أجواء تسمع فيها رنة الإبرة لو سقطت على الأرض، وقفت طالبة من بين 60 طالبة حضرن الندوة، وقالت: «قولوا الكلام ده لأولياء أمورنا، هم اللى بيعملوا فينا كده، إحنا بنكون عايزين نكمل تعليمنا وهم لا يسمعوننا».
فردت المتحدثة: «فى الندوة القادمة سندعو أولياء الأمور للحضور ولن نقول لهم أنكن من طلبتن هذا».
الندوة كانت فى مدرسة الشهيد محمد قصلة الثانوية بنات فى مركز بنى سويف، ضمن مبادرة «قاصرات تحت التهديد» التى تتبناها وحدة تكافؤ الفرص، بمديرية التربية والتعليم ببنى سويف، والمتحدثة هى مديرة الوحدة عائشة عبدالرحيم.
وتحكى عائشة، أن الكثير من قرى بنى سويف يحدث فيها أن تتزوج البنت فى الصف الأول الإعدادى، وتصبح حاملا، وعادة «يصهين» المدير والمسئولون لأنهم من نفس القرية، وتبقى فى الدراسة، بالمخالفة للوائح التعليم، التى تقضى بأن تحول التلميذة لنظام المنازل.. هذا إذا لم يطلب منها الزوج ترك المدرسة، وإذا اقترب موعد الولادة تأخذ البنت إجازة مرضى، ثم تأتى للامتحان، وغالبا تتسرب بعدها من التعليم، بحسب عائشة.
والأمر لا يخص البنات فقط، فبعض الأسر تزوج الذكور فى الصف الثالث الإعدادى، «مادام بلغوا خلاص»، وأصبح الأمر أشبه بالبيزنس، فهناك مأذونون معروفون لإتمام هذه الزيجات، يحصل الواحد منهم على 20 ألف جنيه، ليكتب «ورقتين» تثبتان الزواج بعد الإشهار، لأن التوثيق الرسمى لا يكون قبل أن يبلغ الزوجان الثامنة عشرة.
وتكمل عائشة: أهل العروس يأخذون «شيكا على بياض» على أهل العريس - الطفل أيضا - لكن إذا حدث خلاف وطلقها، لا يكون معها أى ورق رسمى بأنها زوجة، وإذا أنجبت لا تستطيع تسجيل الطفل، فيظل الطفل بلا أوراق رسمية لفترة طويلة.
وتشير عائشة إلى دراسة أجراها المجلس القومى للسكان توضح انتشار الزواج المبكر، أو بمعنى أدق زواج الأطفال، بحسب الدستور - فى قرى الشيبة بمركز الفشن، وعزبة أبوطالب بمركز الواسطة، وحاجر بنى سليمان، وغيرها من القرى فى مركزى الفشن وسنوسطا.
•  قصة قصيرة
تحكى طالبة الصف الثالث الثانوى التجارى لأبلة عائشة، كيف أنها فى نظر الأسرة، «بارت» لأنها لم تخطب أو تتزوج حتى الآن، لذا عليها أن تراعى البيت بجانب المدرسة، وأن أخوها طالب الثانوى تزوج، وتحول للدراسة بنظام المنازل، لأنه ذهب للعمل فى القاهرة.. أما زوجته تلميذة الإعدادى فمازالت فى المدرسة، وتعود لتطبخ وتنظف المنزل، وأحيانا تلعب فى الشارع مع زميلاتها، «فنقول لها: بلاش تلعبى أنت كبرت» تكمل طالبة الدبلوم.
أنشطة مبادرة «قاصرات تحت التهديد» تشمل مسابقات فى القصة القصيرة، بالتعاون مع التربية الاجتماعية بالإدارات التعليمية ببنى سويف، تكتب فيها التلميذات والتلاميذ فى المرحلتين الإعدادية والثانوية قصص البنات اللآتى تزوجن وهن طالبات، وما آل إليه حالهن.
أما ندوات التوعية فيتحدث فيها نفسيون وصحيون وقانونيون وعلماء دين.. الطلبة عطشانة لأى معلومة، والبنات تركز جدا مع الآراء الدينية، اللى بتوضح إن زواج البنات قبل 18 سنة لا يجوز، لأنه فيه ضرر على البنت وعلى أطفالها، زواج غلط.. انت لسة صغيرة، والحديث الشريف يؤكد أنه لا ضرر ولاضرار - تقول عائشة.. ولا تقتصر الأنشطة على المدارس بل تذهب إلى الطلاب العاملين فى الورش وغيرها، حتى يساعد الأخوة الذكور فى إنقاذ أخواتهم من الزواج فى سن صغيرة.
•  لماذا سن  18 سنة هو نهاية مرحلة الطفولة؟
- حددت منظمة الصحة العالمية واتفاقية حقوق الطفل والدستور المصرى الأطفال بأنهم الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، لكن  معظم حالات زواج الأطفال تتم خلال مرحلة المراهقة أو فترة البلوغ «من 11-18 سنة» والتى يحدث خلالها تغيرات جسدية ونفسية وعقلية واجتماعية كبرى للمراهقين. يؤكد د.عبدالحميد عطية، أستاذ التوليد وأمراض النساء بقصر العينى.
وتكسب مرحلة البلوغ الإناث مظهر المرأة مكتملة النمو الجسدى، ويستمر الذكور فى اكتساب الوزن والطول والعضلات، مما يوحى خطأ باستعدادهم للزواج، لكن  لا يكون المراهق مستعدا - علميا - لتحمل مسئولية الزواج من الناحية النفسية.
•  حامل فى الإعدادى
 بجانب أن زواج المراهقات إجحاف لحق البنات فى التعليم، وفى الاختيار وفى استكمال طفولتهن ونموهن النفسى والعقلى، بعيداً عن ضغوط الزواج والحمل والولادة، يحذر د. عبدالحميد من عواقب الحمل على المراهقة وطفلها، فتتحمل الفتاة الصغيرة مسئولية لم تؤهل نفسيا ولا عقليا لها بعد، مثل القيام بدور الزوجة وراعية المنزل، ثم الأم.
 يشير عطية إلى دراسات لمنظمة الصحة العالمية، تؤكد أن أكثر من 80% من الزوجات المراهقات، لا يستخدمن خدمات الصحة الإنجابية مثل تنظيم الأسرة ومتابعة الحمل، مما يعرضهن لحمل غير مرغوب فيه، وحمل متكرر، مما يؤدى إلى زيادة عدد الأبناء فى الأسرة خلال سنوات قليلة.
والحامل المراهقة معرضة أكثر لمضاعفات الحمل، مثل ارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل، واحتمالات الإصابة بالأنيميا وأمراض سوء التغذية، بالمقارنة بالحامل فى العشرينيات، كما يزداد معدل وفيات الأمهات الصغيرات خلال الحمل والولادة إلى الضغف، ويصل إلى خمسة أضعاف لدى من هن دون الـ 15 عاماً، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وترتفع معدلات وفيات أطفال الأمهات المراهقات، بالمقارنة بأطفال الأمهات فى سن العشرين، وبلغت نسبة التقزم «قصر القامة الشديد» عند الأطفال مقارنة بأقرانهم من نفس العمر لدى الأطفال المولودين لأم مراهقة 40% بحسب دراسة صدرت عن وزارة الصحة 2017.
•  تقييد المباح
فى بيان للأزهر الشريف منشور على بوابته الإلكترونية الرسمية «حول موقف الإسلام من زواج القاصرات» بتاريخ 23 فبراير 2016 يرجح «تقييد سن الزواج بسن معينة، من باب تغير الفتوى بتغير الزمان والعرف والحال، على أن يكون تحديد سن الزواج من ولى الأمر مشروطاً بالمصلحة التى يتوخاها التشريع، ويدفع المفسدة عن القاصرات، لأن تصرفه منوط  بالمصلحة».. وقبل أيام قليلة وافق مجمع البحوث الإسلامية برئاسة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب على مقترح قانون بتجريم زواج الأطفال، ومعاقبة المشاركين والمتورطين فيه من أولياء الأمور والزوج والشهود والشخص الذى يقوم بكتابة العقد العرفى.. المقترح أعده البرنامج القومى لتمكين الأسرة ومناهضة ختان الإناث، بالتعاون مع وزارة العدل، ومن المنتظر أن يشق طريقه إلى مجلس النواب قريبا.
تؤمن المنسق بين البرنامج القومى ووزارة العدل، د.فيفيان فؤاد، أن القانون، هو تدخل من الدولة من منطلق التزاماتها نحو الأسرة وحقوق الأطفال، وإنه إحدى أدوات تحقيق التنمية ومواجهة الزيادة السكانية.. وبحسب المذكرة التى أرسلها المجلس القومى للسكان إلى وزارة العدل، يمنع القانون الحالى توثيق الزواج للذكر والأنثى قبل سن 18 سنة، لكنه لا يمنع فعل زواج الأطفال نفسه، فينتشر زواج الأطفال غير الموثق، خاصة فى المناطق الريفية، حيث يتم إشهار الزواج، دون توثيق فى السجلات الرسمية للدولة، وغالبا بمعرفة بعض المأذونين من خلال عقود غير رسمية.
وعند بلوغ الطفلة أو الطفل سن الثامنة عشرة يتم التصادق على هذا العقد وتسجيله رسمياً. كما لا توجد إجراءات محددة للتعامل مع إجبار الفتيات على الزواج قبل 18 سنة. •

زواج الأطفال أحد أسباب الزيادة السكانية:
• يرتفع متوسط عدد الأطفال للمرأة المصرية فى حالة الزواج قبل 18 سنة إلى 3.7 طفل، بينما يصل متوسط عدد الأطفال للمتزوجة بعد 22 سنة إلى  2.8 طفل.
• ويؤكد المسح الصحى السكانى الصادر من وزارة الصحة والسكان عام 2014 أن زواج الأطفال يشكل نسبة 14.4 % بين الفتيات فى السن 15-17 سنة.