الجمعة 25 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ألاعيب حكومية.. أم مراهقـة سيـاسـيــة؟!

ألاعيب حكومية..  أم مراهقـة سيـاسـيــة؟!
ألاعيب حكومية.. أم مراهقـة سيـاسـيــة؟!


هل قدر للشعب المصرى أن يعانى دائما وأبدا من تخبط حاكميه؟! هل أصبح مصيره أن يدفع ثمن المراهقات السياسية التى تتسبب فيها الحكومة؟! هل أصبح كل دوره فى الحياة أن يدفع ضريبة التخبط والارتباك اللذين أصبحت تعانى منهما كل الحكومات المتعاقبة، بل يصبح عرضة لكل الألاعيب السياسية الرخيصة والتى منها إطلاق شائعات من شأنها جس نبض الشارع وإلهاء المواطن، حتى ينشغل بما تفجره الدولة من قنابل فى وجهه وينصرف عن التفكير فى أبسط حقوقه والمطالبة بها فى زمن أصبح مجرد الحلم بالحصول على هذه الحقوق هو ضرب من المحال؟!
 
و كانت من أخطر الشائعات التى اربكت الشارع المصرى لفترة هى شائعة أختراق إسرائيل لمجالنا الجوى بعد سماع المواطنين لدوى أصوات انفجارات صباح يوم عيد الأضحى و أثارت فزع سكان القاهرة الكبرى.. وخرج مصدر عسكرى مسئول ليصرح بأن تلك الأصوات ناتجة عن اختراق طائرة تدريب حاجز الصوت، وبعد سماع صوت الانفجارات امتلأت الدنيا بعدد كبير من الشائعات.. منها أن إسرائيل قامت بإطلاق صواريخ على أهداف جوية بالقاهرة.. أو أن سبب الانفجارات هو عمل إرهابى.
 
 وكذلك أثار مقترح إبراهيم الصياد، رئيس قطاع الأخبار بوزارة الإعلام، بتحصيل ضريبة من جميع أصحاب السيارات، مقابل الخدمة الإعلامية التى تقدمها الإذاعة لأصحاب السيارات ضجة كبيرة بين مستخدمى السيارات فى مصر عندما قال الصياد من الممكن تحصيل 100 جنيه عند تجديد رخصة السيارة فى المرور لصالح اتحاد الإذاعة والتليفزيون.
 
 وكان أيضا من ضمن الشائعات التصريحات التى جاءت على لسان أحد المختصين وعضو لجنة بحث عدم انتظام التيار الكهربائى التى شكلها رئيس مجلس الوزراء الدكتور هشام قنديل وقد وافق عليه ويقضى بفرض ضريبة جديدة على كل من يمتلك أجهزة تكييف بسرعة 2 حصان.
 
 ∎ جس نبض
 
فكم من مرة أصدرت الحكومة قرارات وهى تعلم كل العلم أنها بالونة اختبار تلقيها فى وجه المواطن لتعرف مدى تأثيرها عليه وماذا سيكون رد فعله، إما وافق ورضخ وبذلك أصبحت هناك فرصة عظيمة لفرض سيطرتها، وإما ثار وانفجر فتراجعت الحكومة عن مخططاتها.
 
فعلى سبيل المثال صدر تصريح من أحد المسئولين وتحديدا خالد فخرى، مدير مركز إدارة مصادر التعلم، أنه ستتم إضافة معلومات عن الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين فى مادة التاريخ بجميع مراحل التعليم الابتدائى والإعدادى والثانوى. وعلل ذلك بأنه من الطبيعى أن يكون موجودا فى مناهج التعليم نظرا لما قدمه من إنجازات ورؤى أثرت فى تاريخ مصر، كما أن فكره هو المؤسس لفكر السلطة الحاكمة لمصر الآن.
 
مضيفا إن المناهج الدراسية يتم وضعها من قبل لجنة تقرير المناهج والتى لا تقتصر على فئة معينة، بل يجتمع بداخلها عدة فئات واتجاهات بالإضافة إلى مستشارى المادة، وأن المناهج ستتضمن معلومات عن صراعات حسن البنا مع النظام الملكى.
 
قطعا أثار هذا الخبر جدلا فى الشارع المصرى، الأمر الذى جعل الدكتور إبراهيم غنيم - وزير التربية والتعليم ينفى الخبر معللا بأن شائعة وضع تاريخ الإمام حسن البنا فى مناهج التاريخ لكل المراحل الدراسية هذا العام، استفزته جدا، موضحاً أنه على الرغم من تكذيب الوزارة لها، إلا أنها مازالت تثير تخوفات لدى الرأى العام، وخرج وزير التربية والتعليم ليطمئن الناس فى عدة تصريحات قائلا: «أريد من الرأى العام أن يستوعب جيدا أننا عندما وضعنا مثلا تاريخ الزعيم عبدالناصر فى المناهج لم نضعه من أجل عيون الناصريين، ولكننا وضعناه تسجيلا للأحداث التى قامت فى عهده، وبالتالى فلا يمكن أن نضع حسن البنا فى المناهج فقط من أجل عيون الإخوان حتى لو طلبوها صراحة، فلدينا إخصائيو مناهج هم وحدهم الذين من حقهم أن يحددوا ما يوضع فى المناهج وما يحذف».
 
أما الفتوى التى شغلت الرأى العام المصرى فهى تلك التى أفتى بها الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، والخاصة بزواج القاصرات، حيث شدد على أن السلفيين فى الجمعية التأسيسية مصرون على زواج الفتاة دون تحديد سن مثلما يتم النص عليه فى الدستور، مشددا على أنه يجب إقرار زواج البنات الصغيرات للحد من حالات الزواج العرفى، ففى الصعيد يتم تدمير الأسر حينما تتزوج الفتاة وهى فى سن صغيرة زواجا عرفيا دون علم الأسرة فالأصح «أن تتزوج الفتاة فى أى وقت» زواجا رسميا وليس عرفيا.
 
الأمر الذى أثار خوفا وقلقا لدى المصريين فهم لم يعدوا يصدقون مثل تلك التصريحات التى تعود بالبلد إلى 001 عام للوراء.. فهل يعقل أن يتم تزويج فتاة فى التاسعة من عمرها لم تبلغ بعد لمجرد الخوف عليها من الزواج العرفى حينما تكبر؟!
 
∎ جزء من الحرب النفسية
 
المحلل الاستراتيجى والعسكرى اللواء حمدى بخيت يرى أن كل الشائعات لا علاقة لها بالعشوائية فيقول: الحروب الحديثة باتت مكلفة فى استخدام القوة العسكرية فالدول الآن تستخدم القوى الناعمة فى منظومات الحروب الحديثة والتى من أدواتها الحرب النفسية التى يندرج تحتها حرب المعلومات التى من أهم أدواتها الشائعات والتى تجد فى البلاد التى تسود فيها السيولة وعدم الاتزان وعدم الاستقرار مناخا ووسطا مناسبا لرواج هذه الشائعات، وعن الجهات المسئولة عن إطلاق الشائعات وإحداث البلبلة وأهداف ذلك يقول اللواء بخيت: «تكون أجهزة الاستخبارات العالمية هى المسئول الأول فى أغلب الأوقات وكذلك النخب السياسية، وما يطلق عليهم المصطلح العلمى «جماعات المصالح» الذين يغلبون مصالحهم دون مصالح الأمة ويلقون الشائعة ليلقوا النتائج فى الاتجاه الآخر ويلعبوا هذه اللعبة لإحداث فوضى وارتباك.
 
عن رأيه فى شائعة موت مبارك وهل وراءها غرض كالإلهاء كما يقول البعض يضيف اللواء حمدى بخيت: «الدور السيئ للإعلام هو ما أحدث بلبلة كما فى خبر موت مبارك.. فهذا ليس من باب الشائعات وإنما تضخيم لحدث فخبر يخص مسجونا حدثت له أزمة ونقلوه للمستشفى ليس هو أول مسجون يحدث له ذلك فلماذا هوّله إلا لو كان يلعب لعبة غير شريفة تتأثر بالمال والمصالح أو ينفذ أجندات معينة فيضخم بعض الأمور وناس تصرف على تلك الخيالات وتوضع لها سيناريوهات وكل هذا لا أساس له وهذا ليس فى مصلحة البلد فى هذه المرحلة غير المستقرة.. ونحن بطبعنا تركيبتنا النفسية نأخذ الكلام ثم نلتّ ونعجن ونعمل نفسنا «أبوالعريف» ونكون بيئة خصبة للشائعات والدعاية السوداء والرمادية والبيضاء وهذا علم كبير درسناه ورأيى أن هناك أياد داخلية تنفذ أغراضا خارجية منها من تعلم ذلك وأخرى قد لا تكون تدرى أو تشعر بفداحة ما تقوم به.
 
∎ الشائعات ملازمة للثورات
 
الدكتور محمد طنطاوى أستاذ محاضر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا يرى أن الشائعات أمر طبيعى في هذه الفترة منذ قيام الثورة ويقول: «دائما الشائعات ملازمة للثورات بسبب نشأة آراء متعددة واتجاهات سياسية مختلفة لخدمة مصالحها.. وهناك أجهزة متخصصة لإطلاق تلك الشائعات وقد لعبت دورا كبيرا خاصة بعد الحرب العالمية الثانية كما حدث فى ألمانيا فكانت تلك الأجهزة المتخصصة تردد أكثر من مرة الشائعة لتستقر فى وجدان من يسمعها من العدو من باب الحرب النفسية التى تحطمهم حتى لو بعيدة عن الحقائق وهذه الشائعات تلقى رواجا كبيرا فى الطبقات الجاهلة فهناك قاعدة أن الطبقة العالمة تتمثل فى الحكام، أما الشعوب فجاهلة وعند فصل الطبقتين عن بعض يصبح الشعب يمشى كالأعمى المعصوب عينيه وبدون عصا يتكئ عليها وهذا الفصل يكون بانعدام التواصل بينهما وهذا التواصل أهميته القضاء على الشائعات فالمفترض أن المجلس العسكرى الذى يتسم بالشفافية والوطنية يكون بينه وبين الشعب تواصل، ولكن الآخرين من الاتجاهات السياسية الأخرى المتطرفة تفصل بين هذا التواصل ومن مصلحتها هذا التفرق .. والأكيد أن هناك أجهزة تسلط نظرها على مصر وتستهدفها فالسودان مقسمة ولا يوجد استقرار فى ليبيا أو تونس أو الجزائر وإسرائيل فى فلسطين إذا فمصر هى رمانة الميزان فى المنطقة وأكيد إنهم سيرحبون بإقامة دولة دينية فى مصر على أمل ضرب مصر فهو أكثر إفادة من ضرب إيران وتقسيمها إسلامية فى الدلتا ومسيحية فى الجنوب وتسيطر إسرائيل على سيناء نتيجة اللخبطة الحادثة.
 
∎ المشكـلـة داخـلـيــة وليـســـت بأيد خارجية
 
«لفظ شائعة ليس وصفا دقيقا لما يحدث هذه الأيام من لخبطة» هكذا بدأ الدكتور محمد قدرى سعيد رئيس وحدة الدراسات الأمنية بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام حواره معى حول رأيه فى الأخبار المنتشرة والمتضاربة وإطلاق لفظ شائعات عليها وأكمل قائلا: «الشائعة تطلق على أوضاع غير حقيقية الغرض منها إضرار العدو، ولكن المشكلة هى أزمة معلومات فأنا وأنت وغيرى «متلخبطين» فالقصة ليست واضحة وأزمة المعلومات هذه تلازمها دائما أزمة ثقة، وهى نتيجة طبيعية لنقص المعلومات ولست مع المعسكر المؤمن بأن كل الأخبار غير الدقيقة مخططة من أمريكا ومدبرة وتصل عن طريق عميل لها فى مصر فلا أومن بنظرية المؤامرة، ولكن التشابك بين 4 أو 5 موضوعات متواجدة على الساحة ولها أهميتها من حل مجلس الشعب والجمعية التأسيسية والدستور والانتخابات جعلت الناس ترى الموضوعات بضبابية، فالمشكلة داخلية متمثلة فى أزمة المعلومات وليست خارجية.
 
∎ حجم المعلومات
 
الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة يوافق على وجود أزمة معلومات وفى رأيه فإنها تتسبب فى نشر الشائعات فيقول: «هذه الظاهرة لا تتواجد إلا فى ظل نقص المعلومات حول مسائل مهمة وهنا يثار تساؤل حول أسباب حجب المعلومات الصحيحة وحول حجم المعلومات التى تتمتع بالمصداقية فالرأى العام نفسه لا يعرف ما يحدث وتكثر التخمينات وبعضها يلقى استجابة من المواطنين لشكوكهم فى مصادر المعلومات ومن الممكن أن يكون وقد يكون مصدرها أطرافا سياسية وحكومية تريد تشويه جهات أخرى لبث مشاعر معينة وسط معارضيها فليس هناك مصدر واحد لهذا، أما بين الدول فهناك الشائعات المدروسة كنوع من الحرب النفسية .. وأحدث شائعة أن حماس موجودة فى سيناء، وتسبب توترا وهى شائعة مصدرها بالتأكيد محلى لتأكيد الصورة السلبية للفلسطينيين للتخويف من وصول الإسلاميين لحكم مصر لأنهم سيفتحون الحدود لحماس».
 
∎ بالونات الاختبار
 
أما الدكتورة عالية المهدى العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة فتقول إن الأغراض من وراء الشائعات متعددة ولها أساليبها فتقول: «دائما الشائعات تكون مغرضة وعندما تخرج فى جو مشحون تضر الأمن ومن يطلقها له مصلحة مباشرة مع ردود أفعال الناس وللحكومات سياسة معينة نشبهها ببالون الاختبار فتعلن فى الصحف عن طريق تسريبات لأخبار لأحد الصحفيين لتجس النبض تجاه شىء معين لتعلم ما ستقابله من رفض أو لمعرفة المناقشات ما بين مؤيد ومعارض وتستخدم كذلك فى الإلهاء بأن تقوم بالإعلان عن ضبط تنظيم إجرامى أو شحنة أسلحة مثلا، لكن القول إن خبر موت مبارك شائعة لغرض أنا أرفضه تماما، فأنا نفسى منذ عدة سنوات حدثت معى وتوقف القلب لفترة بسيطة ثم عدت ثانية أى أنها طبيا ممكنة الحدوث.. وإذا نظرنا على المستوى الأكبر فالشائعات تستخدم فى الحروب ما بين الدول كخدعة ففى حرب 73 كانت الجيوش تتحرك ثم تعود ثانية لإيهام الجيش الآخر ومعرفة رد فعله وتنشر معلومة خاطئة لتعرف تحركات العدو أى أن الشائعة جزء من التخطيط والتكتيك السياسى.
 
∎ الشائعات والمواطن البسيط
 
أما من وجهة نظر علم النفس السياسى فتؤكد الدكتورة سوسن فايد أستاذ علم النفس السياسى «إن الشائعات قد توجه الرأى العام أحيانا وصاحب الشائعة يطلقها لتكون بمثابة بالون اختبار أو جس نبض الرأى العام أو قد تكون لتشتيت الانتباه عن حدث ويترك العنان لأحداث أخرى ومع غياب قاعدة معلومات تحميك وتساعدك على الفرز تكون التربة خصبة لرواج الشائعات دون تكذيب.. كما أن الأداء الإعلامى يجب أن تكون لديه قاعدة بعدم التسرع ويكون هناك نوع من الثانى ودراسة الموقف قبل إطلاق الرسائل كذلك فإن البطء فى اتخاذ القرار وحالة الانتظار دون حسم الأمر يعطى فرصة مثالية لانتقال الشائعة وتصديقها، بالإضافة لذلك فإن الشائعات لها مداخل تختلف باختلاف سمات المجتمع فالشخصية المصرية لها مداخل تختلف عن الأوروبية وهكذا والواجب على صاحب القرار اتخاذ القرارات وحسمها دون تباطؤ لأن إطلاق الشائعة له تكلفة اجتماعية واقتصادية فمن يطلقها أهدافه سياسية أو اجتماعية وتنتج حالة من التدهور بسبب المبالغة التى قد تكون لتشتيت انتباه الرأى العام وقد تكون سلاحا فى حرب شرسة لتوجيه الرأى العام، وهذا الارتباك الذى ينتج يحدث بلبلة وتشويشا لتضارب معلومات من الأمس لليوم.