الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مراكز قوى تتحكم فى السكر

مراكز قوى تتحكم فى السكر
مراكز قوى تتحكم فى السكر


ريشة الفنان: محمد سعد
3 ملايين طن هو إجمالى احتياجات مصر من السكر، ينُتج منها محليًّا نحو مليونى طن، بينما يتم استيراد المليون سنويًّا من الخارج لسد الاحتياجات المحلية، وعلى مدار السنوات الماضية تحول المشهد فى مصر من دولة لديها اكتفاء ذاتى من السكر يصل إلى نسبة 118 % عام 1972 إلى دولة تعانى من أزمة حقيقة لهذه السلعة الاستراتيجية التى لا يستغنى عنها أى بيت فى مصر.
 
اتسعت الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، وقفزت من صفر عام 1972 الذى شهد اكتفاءً ذاتيًا من إنتاج السكر المحلى، إلى 964 ألف طن عام 2016، ومع الزيادة السكانية التى كان يجب أن يقابلها زيادة فى المنتج بدأت مصر فى الاستيراد، خاصة بعد ارتفاع التكاليف، وإحجام بعض الفلاحين عن زراعة القصب وتقَليص المساحة المنزرعة منه.. ولا تزال مصر تستقبل السكر المستورد الذى تعاقدت عليه وزارة التموين والبالغ 850 ألف طن، لتأمين الاحتياطى الاستراتيجى، ليكفى الاستهلاك حتى يناير 2018..وكشفت بيانات مجلس المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة أن معدلات استهلاك الفرد من السكر سنويًا، قفزت من 16.6 إلى 34 كيلوجرامًا، وهو ما يفوق المعدلات العالمية التى تسجل 22 كيلوجرامًا للفرد سنويًا.
أخطاء «التموين»
وقال الدكتور نادر نور الدين، مستشار وزير التموين الأسبق: إن خالد حنفى، وزير التموين السابق، وقع فى خطأ فادح بإلغاء اتفاق الوزارة مع المصانع الحكومية للسكر باحتكار كامل إنتاجها لصالح الوفاء بالتزامات الدولة تجاه المسجلين على بطاقات التموين وعددهم 73 مليون مواطن، بالإضافة إلى توفير حاجات المجمعات التعاونية لاستكمال حاجة الفقراء من السكر، واعتمد خالد حنفى على سكر التجار فقط.. وأضاف: «أما على المصيلحى، وزير التموين الحالى، فهو غير مدرك أنه وزير للفقراء، لأن السعر العالمى للسكر الآن أربعة جنيهات ونصف وثابت منذ ستة أشهر، والغريب أن التجار يريدون تخفيض الأسعار والوزير هو الذى يرفض، لأنه يريد لشركات السكر التابعة للقابضة للصناعات الغذائية التابعة للوزارة، والتى توفر كامل احتياجاتها من السكر (2.4 مليون طن سنويًا)، أن تتحول إلى شركات رابحة، ليس من زيادة الإنتاج أو جودته، ولكن من ارتفاع الأسعار عن السعر العالمى.
وبالتالى تقوم الوزارة بشراء السكر منها بخمسة وبيعة للمستهلك بعشرة، بينما يقوم القطاع الخاص بتوفير احتياجات السوق الحرة بحجم مليون طن فقط».. وأشار إلى أن «المصيلحى» لا يعترف بآليات السوق التى ترتفع وتنخفض، فعندما عاد السعر القديم للسكر رفض خفضه، حتى إنه منع التجار من خفض أسعاره حتى لا تظهر وزارة التموين فى هيئة التاجر الجشع، وهو يديرها على هواه، فمرة يرفض التسعيرة الجبرية ومرة يقبلها إذا كانت فى مصلحته، ومرة يتحدث عن آليات السوق صعودًا وهبوطًا ومرة يرفض خفض أسعار السكر وزيت الطعام.. وتابع «نورالدين»: الوزير الحالى يترك الأسعار تكويهم ويتحدث عن حماية التجار ولم يمر أو يتفقد الأسواق ولا مرة منذ توليه المسئولية ويتفرغ لرفع الدعم فقط، حتى ترك الأسواق للأسعار العالمية ترتفع فقط ولا تنخفض.. مجموعات المصالح
وقال الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التموين الأسبق، إن السكر من السلع التى تعانى من الاحتكار الفاحش، وعلى الحكومة ألا تتساهل مع التجار، وأن تلعب دورًا محوريًا فى ضبط أسعاره، ولا تترك الأمر لـ«مافيا السكر»، يحتكرونه ويحققون أرباحًا فاحشة.. ولفت إلى أن أزمة السكر سببها الضغط على الوزراء عبر مجموعات مصالح بفتح باب التصدير على مصراعيه، فقام التجار بتصدير ما يحتاجه المواطنون، وليس لما يزيد على احتياجاتنا فقط، وشدد على ضرورة تحجيم تأثير «قوى الضغط» فى تمرير قرارات وتعيين مسئولين فى مواقع بالدولة لخدمة مصالحهم الخاصة، حتى لا يحدث «تعارض مصالح»، فمثلا اتحاد الغرف التجارية وجمعيات رجال الأعمال واتحاد الصناعات وجمعيات المستثمرين وغيرها كثيرا ما قام كل منها بالضغط لتعيين وزراء يخدمون مصالحهم، ومن أدلة ذلك أن خالد حنفى وزير التموين السابق كان قد جاء بعد تمريره للدكتور إبراهيم محلب رئيس الوزراء آنذاك بترشيح من اتحاد الغرف التجارية، بالرغم من أن حنفى كان مستشارا لهذا الاتحاد.. وشدد على أنه على السلطة التنفيذية اتخاذ مجموعة قرارات من شأنها تحجيم الغلاء عند مستواه الطبيعى، ومنها مراجعة قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، فكيف أترك تاجرًا أو منتجًا يسيطر على 65 % من تجارة سلعة معينة ولا أعتبره محتكرًا، كما أن العقوبة فى القانون مبلغ مقطوع تقل قيمته بمرور الزمن، وهذا يتطلب تحديد نسبة كبيرة يتحقق منها حرمان التاجر من المكسب الذى يحققه بالتلاعب، مشددًا على ضرورة معاقبة المحتكر بالحبس؛ لأنه يقوم بجريمة تضر الأمن القومى، وهذه العقوبة مفعلة بعدة دول ومنها اليابان.. وطالب «عبدالخالق» بتفعيل المادة العاشرة من قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والتى تتيح للدولة حق التدخل بتحديد سعر بعض السلع الأساسية لفترات محددة.
الاحتكار
واعتبر الدكتور سرحان سليمان، الخبير الاقتصادى، أن مشكلة السكر الأخيرة فى مصر لا تكمن فى وجود فجوة كبيرة بين الإنتاج والاستهلاك، حيث إن العجز الفعلى فى كميات السكر لا يتجاوز 300 ألف طن، وإنما فى وجود مسيطرين على سوق السكر فى مصر، ووجود مخزون كبير لدى شركات السكر لا ترغب فى طرحه فى الأسواق، للاستفادة من ارتفاع أسعاره لبعض المستفيدين لتعطيش السوق، فالتوازن بين العرض والطلب يكون فى حدود 8 جنيهات للكيلو فى حين السعر المتداول يزيد بنحو 3-4 جنيهات للكيلو.. وأضاف «سليمان»: يمكن حل هذه المشكلة بتوفير السكر على بطاقات التموين وبما يكفى حاجة المستهلك، ففى حالة توفير السكر من خلال التموين لن تحتاج الحكومة للرقابة للتغلب على سيطرة المحتكرين، حيث سيضطر هؤلاء إلى طرح كمياتهم فى السوق لعدم وجود حاجة للتخزين وتحقيق مكاسب معقولة بدلا من تحقيق أرباح فوق عادية.. ولفت إلى أنه يمكن للحكومة من خلال الشركات القابضة السيطرة على عرض كميات السكر من خلال المنافذ فى المناطق الريفية، حيث إنها الأكثر استهلاكًا. •