الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مافيا الرصيف: هاتدفع وإلا...؟

مافيا الرصيف: هاتدفع وإلا...؟
مافيا الرصيف: هاتدفع وإلا...؟


كتبت - ابتسام كامل
أول مرة أنتبه لضياع الرصيف من الشارع حينما ابتسم أحد الأجانب الذى يزور مصر وهو «لا يعرف» كيف يسير فى الشارع، قائلا: شارعكم قطعة واحدة، يبدو أن السيارات أهم من المشاة لديكم .. ثم بدأ يشير لما يراه: أجولة عطارة مفتوحة ومتراصة أمام محلها. فتارين محلات تخرج من حدودها لتعلن عن وجودها بفظاظة.  محلات الطعام  والشراب تفترش مربعات كاملة من الرصيف والشارع بمناضدها الصغيرة ذات الكراسى الكثيرة التى تنتظر الزبائن المتهورة التى لا تمانع فى دخول أتوبيس أو سيارة عليها أثناء تناولها الطعام.. ناهينا عن التوكتوك الذى يسير كالثعبان بين الناس، فوق الرصيف وتحته، وفى أى مكان يريد.. كلعبة صغيرة تناسب أعمار معظم من يقودونه..
بانوراما مافيا الرصيف
«الخبز» صار مصدرا للسرطان بشكل مخيف،  تفترش الأفران منتجاتها فى صفوف طولية وعرضية ممتدة بما لا يقل عن مترين خارج المحل، عرضة لعبث الأيدى التى اعتادت أن ترفع الغطاء الشفاف وهى تختار الخبز أو الباتيه أو الكرواسون، دونما تعيده ثانية فوق المخبوزات تجنبا للذباب وعوادم السيارات وباقى روائح الرصيف من جزارة، للحام سيارات وملوثات أخرى.. أما الميكانيكى الذى يخترق الرصيف بمنتهى الاطمئنان، فتلون أدواته موقع عمله بالسواد والهباب.، وإزعاج سيارات زبائنه لا تنقطع، مثلما لا تنقطع وصلات سبابه وتهديداته لمن يجرؤ من الجيران القدامى أو الجدد أن «يبركنج» سيارته فى أى مكان مما اعتبره أنه مكان أكل عيشه، مسنودا بمعارفه الذين يأتونه من آخر الدنيا لإصلاح سياراتهم لديه، ومعظمهم أصحاب مناصب عالية، يلعب بكروتهم الشخصية كما لو كانت أوراق كوتشينة يتباهى باستعراضها فى الشارع.. ذات مرة تم تشميع محله بمعرفة رجل شرطة حديث الخبرة بالمنطقة، فتنفس السكان فرحا وسرورا لم يدم أكثر من12 ساعة..
الرصيف العالى
وكدنا نعتاد ونتعايش مع سلوكيات الرصيف المصرى الذى من الأصل تتجاوز معاييره كل المعايير حيث يرتفع عن معيار الارتفاع المعروف ليبلغ ما يقارب من 30 وربما 40 سم .. غير عابئ بأمراض الشيخوخة، وتيبس عضلات المصريين التى اضطرت الجميع لتجنب التعامل معه، فيضطرون للسير فى نهر الشارع!..  ثم ظاهرة السيارت الخردة التى تقف بالسنين بمحازاة الكثير من الأرصفة ولا أحد يسأل! ثم المقاهى التى تملأ أرصفة الشوارع بشكل غير مسبوق، ومعروف ماذا يجرى فيها، وماذ يدار من خلالها بمعرفة بعض رجال الشرطة، والسيارات التى ترتص فوق الأرصفة وتغلق الشوارع سيئة التخطيط، التى لم تراع كثافة السيارات.
ساحة السيارات ...يا تدفع يا إما ..
فى شارعنا- ظهرت لوحة تسربت إلينا قليلا قليلا، بطلها بلطجى معروف بأنه حرامى تائب، كنس ورش الرصيف الذى أمام بيته، فاستبشرتُ خيرا بتوبته، وفى اليوم الثانى غير ملامح الرصيف وأخرج منه منزلا أسمنتيا لهبوط وصعود السيارت، فتعجبت من توبته التى يساعد بها جيرانه على ركن سياراتهم براحة وسلام. ثم اكتملت الصورة حينما لاحظت كيف وضع سورا حديديا أمام الرصيف،  كاتبا على حائطه «ساحة سيارات لصاحبه المعلم ...  تليفون ......»!.. فجن جنون الناس وتشاجروا معه، فانفجرت شتائمه وسبابه لكل من يجرؤ على الاقتراب من ساحته، وفوجئ مسئول حى شبرا بسيل من الجمهور شكوا من ظلم الحرامى التائب، الذى يؤجر لهم الرصيف الذى يدفعون ضرائبه، مدعيا أنه ساحة ركن للسيارات برخصة من الحى! وظل الصراع مع الرجل، وظل تلاعب مسئول الحى وموظفيه، بين الوعود بحل المشكلة، وبين محاولتهم إقناع الجمهور بأن هذه الساحة حماية لسياراتنا.. «يا ستى دى سبوبة لموظفى الحى الذين نراهم بأم أعيننا يقبضون الأبيج من الحرامى التائب» .. هكذا أجابنى بعض الناس حينما سألتهم. أما بعضهم فضحك عاليا، قائلا: «أنتِ خلاص حليتى كل مشاكلك؟ يا ستى اعتبريه جراج مفتوح، على الأقل بيحمى عربياتنا من السرقة العشوائية اللى بنعانى منها»!.. أما بعضهم فابتسم قائلا: «عمرك شوفتى ساحة طولها مترين فى مترين، ولا ساحة عبارة عن مفترق الطرق؟ إما تدفعى للبلطجى اللى بيراعيها، أو يكسر لك عربيتك زى ما عملها مرة عبرة لمن يعتبر! انتِ فاكرة إن كل ده مش بمعرفة وتنسيق بعض أفراد الشرطة، اللى بيقاسموا مع البلطجية دول، خدى عندك فى شارعنا بالزيتون معروف إن ساحة الرصيف شراكة بين أمين الشرطة وصاحب القهوة، ده غير زملاء الأمين اللى مأجرين العربيات الميكروباص المتهالكة لشوية عيال صغيرة.. عشان بيقاسموا معاهم».
لست متشائمة، ولكن واقعيتى تحتم عليّ قول الحقيقة، وهى أنه «مافيش فايدة» من أية محاولات سياسية لتغيير الناس، إن لم نبدأ من تنظيم وتقويم الشارع.. الذى فى أبسط تعريفاته هو «لوحة سلوك الأمة» .. فلنبدأ بتفعيل قوانين الشارع إذن .. لنتقدم!•