الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«سيلفى مع الموت».. ونشوة فنية مع نشوى!

«سيلفى مع الموت».. ونشوة فنية مع نشوى!
«سيلفى مع الموت».. ونشوة فنية مع نشوى!


«الموت» حقيقة وحق قد يستعد بعضنا له بحسابات دقيقة وقد يتغافل البعض عنه بإرادته، فكرة «الموت» بمفهومها الناضج مست الجميع بلا استثناء عندما رحل  المُقربون منا، ومعها بدأت مرحلة التوقف والتأمل لإعادة حساباتنا مع أنفسنا.
 
هناك بعض الأفكار الفنية لا يستطيع أحد التعبير عنها سوى صاحبها، فهو وحده صاحب الرؤية الكاملة لفكرته، ويعلم جيداً كيف يوصلها للمُتلقى بمُنتهى القوة والتأثير، وتعتبر مسرحية «سيلفى مع الموت» من الأعمال التى تحمل فكرة جديدة ومُختلفة تستحق الاحتفاء بها وبصاحبتها. نشوى مصطفى التى اتخذت من تأثرها الشديد بوفاة والدها مدخلا لفكرتها وتوصيل رسالتها بمنتهى القوة والعُمق للمُتفرج، من خلال نص  شديد الجاذبية، لا تستطيع ترتيب أحداث له أو تحكيه كنص مسرحى له بداية ووسط ونهاية، فهو من نوعية الأعمال الفنية التى تشاهدها لتفكر وتتخذ قرارًا بتكرار مشاهدته لتنتشى فنياً.
حوار بطلة العرض مع «الموت» على مدار 40 دقيقة بلا لحظة ملل واحدة لا يعنى إلا أنك أمام حالة خاصة جداً من الإبداع، تأسرك فيها نشوى مصطفى بأداء رشيق وسريع وتحولات سريعة فى المشاعر وتجبرك على استرجاع ذكرياتك والتوحد مع الشخصية بأحاسيسها لاكتشافك أن ما تتحدث عنه البطلة هو ما تشعر به أنت شخصيًا، وستضبط نفسك متلبساً فى نهاية العرض وأنت تحاسب نفسك وتتخيل نفسك لحظة انتقالك للعالم الآخر.
• «الفن مش حرام»
يبدأ العرض بظهورها فى مكان يبدو كـ«مقبرة» لا تعرف شيئا عن المكان الذى تتواجد فيه وما بين  إحساسها بالشك واليقين فى موتها  نشاهد البطلة فى حالة من الارتباك والتشويش أثناء اعترافاتها الشخصية، فهى  تتحدث عن ذكريات الجامعة والأصدقاء، تستدعى من ذاكرتها مراحل عمرية لها حملت فيها كل التناقضات البشرية فهى «تصلى وترقص وتدخن» «صادقة وكاذبة»، لتنتقل بمشهد آخر تستحضر فيه رؤية الآخرين للموت مثل الشيخ متولى الشعراوى والبابا شنودة ومصطفى محمود وعلاء ولى الدين، تتحدث نشوى عن اغتيال الفكر والصراع البشرى وعدم حرمانية الفن والعلاقة بين الرجل والمرأة وضحايا الإرهاب باختصار تتحدث الشخصية بشفافية عن السياسة والفن والدين وكل شىء، وهى فى العالم الآخر الذى تعرفت عليه فى نهاية المسرحية عندما فتحت كتابا يتضمن صور فنانين رحلوا عن عالمنا، وفى نهايته كانت صورتها وعليها الشريط الأسود كعلامة على وفاتها، منهم محمود عبدالعزيز وأحمد زكى وخالد صالح.
• «تحدٍ»
لا ننكر أننا أمام نص مسرحى مُزدحم بالأفكار والقضايا، تصل لحد تشويش المُتفرج، لكن إبداع نشوى مصطفى فى الأداء التمثيلى  والنقلات المفاجئة لأحاسيس ومشاعر الشخصية تجعلك مُستمتعا بالحالة  الفنية، لدرجة تجعل لديك رغبة فى تكرار المشاهدة لتنتشى بأداء مُممثلة ظلمتها الأدوار المُعلبة التى وضعها فيها المُخرجون والمؤلفون.
برافو نشوى مصطفى لم تستسلمى للأدوار التى وضعك فيها صانعو الدراما، وغيرت جلدك الفنى من خلال نص مسرحى كتبته بنفسك ليكشف الحجم الحقيقى لموهبتك التمثيلية والتحدى الأكبر هو تلونك السريع فى الأداء ما بين الحزن والفرح والألم والشجن من خلال نص ميلودراما مُرهق ذهنياً يعتمد على ممثل واحد فقط طوال عرض المسرحية.
وتحية للمخرج المُبدع محمد علام الذى حمل على عاتقه مسئولية إخراج مسرحية بطلتها هى نفسها المؤلفة، وهذا يعنى استحالة التدخل فى رؤيتها الفنية للنص، لذلك تعامل بحرفية مع نص يتضمن قضايا عديدة تبدو غير مترابطة مُستعيناً بخلفية سينمائية تتضمن مشاهد موازية للبطلة على خشبة المسرح،  وكانت موسيقى خالد داغر مُتناغمة مع طبيعة النص غير التقليدى.
• «أين الضمير»؟
النجاح الذى حققه عرض «سيلفى مع الموت» على المستوى النقدى والجماهيرى جعل إدارة المسرح الكوميدى تمد فترة عرضه حتى 18 ديسمبر ليأتى السؤال: ماذا فعل الموظف المسئول عن تسويق عروض مسرح الدولة تجاه عرض حظى بإشادة من عمالقة بحجم وقامة سميحة أيوب ويوسف زيدان وغيرهما؟! بخلاف إشادة جمهور مُتعدد الجنسيات من آسيا وأفريقيا.
الإجابة لا شىء، الأستاذ الموظف  مُهتم بالتدرج الوظيفى وقبض راتبه الشهرى دون دراسة لجمهور مسرح الدولة المتنوع، مثلاً «سيلفى مع الموت» موجهة لشباب الجامعات والمثقفين، ومع الاستقبال النقدى الجيد لهذا العمل كان لابد من  تعامل إدارة التسويق معه بشكل يتواءم مع نجاحه، خاصة أن تذاكر العرض مُدعمة ويتراوح سعر التذكرة  بين 20 و50 جنيهًا، وفى حالة «سيلفى مع الموت» نرى عدم وصول الدعم لمُستحقيه سواء شباب الجامعات أو المثقفون، فإذا تعاملت إدارة التسويق بمسرح الدولة بنفس أسلوب مُنتج مسرح القطاع الخاص الذى يسوق مسرحياته للشركات والمؤسسات المُختلفة سنجد مردودًا ماديًا جيدًا يتم من خلاله إنتاج مسرحيات جديدة، وبذلك نوفر للدولة ما تصرفه من ميزانيات على إنتاج المسرحيات، لكن للأسف «الضمير» فى حاجة للإنعاش حتى  تعود الأمور لما يجب أن تكون عليه.
• وأخيراً
بالتحديد يوم 18 ديسمبر يا سادة ستسدل الستار نهائيًا عن مسرحية «سيلفى مع الموت» دون أن يتم تصويرها تليفزيونيًا فى الوقت الذى تطلب فيه الكثير من القنوات الفضائية شراء حق عرض المسرحية بمبالغ تتخطى تكلفتها الفعلية لتكون بمثابة دخل جيد للدولة.