الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الرجال للنساء: قهرتونا

الرجال للنساء: قهرتونا
الرجال للنساء: قهرتونا


لكل فعل رد فعل، فكلما مارس الرجل العنف ضد المرأة تجبرت وتسلطت عليه وأذلته، ما يعنى بتعريف المعجم العربى أنها قهرته!.. ولأننا لا نعرف من الذى بدأ تلك الممارسات، هل هو الرجل الذى بدأ العنف حينما تباهى وتفاخر بقوته الجسدية، فأخضع المرأة لرغباته وشهواته وجعلها تفعل كل ما بوسعها وبغير وسعها- خوفا منه؟

أم هى التى بدأت مسيرة القهر، حينما اكتشفت مدى تأثره وانبهاره بجمالها وأنوثتها المصاحبة لقدرتها على تفعيل أنوثتها التى تمنحه السعادة والعزوة، فبدأت تلاعبه، وتحاول إذلاله وإخضاعه لكيانها؟
فى هذا التحقيق سنحاول أن نجيب عن سؤال: العنف أولا ثم القهر.. أم العكس؟ البيضة قبل «الفرخة» أم العكس؟
بعد سنوات انقطاع عن الزواج، فاجأت طنط نوال جارتنا الجميع بزواجها الخامس، وهى فى الرابعة والسبعين من عمرها، ولا تزال تحتفظ بجمالها ذى الأصول التركية!
تجرأتُ وسألتها عن سر تهافت الرجال عليها، ضحكت قائلة: كله فى الحلال واللهِ، وبما يرضى الله! هم يطلبون جمالى ودماغى الرايقة، وأنا أريد من يصرف عليّ، ويدللنى ويقضى لى طلباتى!! لأنى فى النهاية امرأة أعرف كيف أتدلل، ولا أحب النكد!
كما أنى لا أتمسك بأحد ولا بشيء، فبمجرد أن ينتهى طلب الرجل منى، ويبدأ عكننتى وتعنيفى بحجة الغيرة والتحكم فيّ (!!) أبدأ بهدوء فى حرمانه منى و.... حتى يطلقنى!
هكذا يا طنط نوال؟ نعم.. تجيبنى بابتسامة واهنة مستطردة: أيوة.. وهو ده بأه القهر اللى بتقولى عليه، أصلك ما تعرفيش الرجالة بتكره النكد واللى يعكنن عليها إزاى! مع إنهم اللى فى الغالب بيكونوا السبب!
المرأة الثانية
وبعيدا عن «طنط نوال» قاهرة الرجال، نتساءل: ما الذى يثير عنف الرجل ضد المرأة، فيجبرها على ممارسة القهر ضده؟ كما حدث مع «شيرين» الصيدلانية بالمحلة الكبرى - التى مضت 4 سنوات كاملة دونما تستطيع اكتشاف سبب توقف لسان صديقها عند كلمة أحبك فقط! فجميع تصرفاته تؤكد أنه يحبها، ولكن العمر يجرى دون نهاية لهذا الحب، فقررت الرحيل.
 وفجأة، وجدته يصب غضبه فوق رأسها، حتى فقد أعصابه واتهمها بالخيانة.. مستطردا: «مثلها»! دونما تعلم هل كان يقصد مثل «تلك المرأة» التى تتناقل وسائل الإعلام - هذه الأيام - جريمتها البشعة حينما قتلت زوجها بمساعدة عشيقها؟ أم هى تلك المرأة المجهولة، التى لم تنس «شيرين» نظرات عينيه وهو يخبرها بقصتها؟ فمنذ طفولته وهو يسمع كيف كانت تقارن زوجها بأزواج شقيقاتها، ساخرة من طيبته ورضاه بحاله، حتى أقنعته بالسفر للعمل فى محافظة أخرى! ولكنه عاد ذات ليلة ليجدها فى أحضان صديقه المقرب!
حينما راجَعتْ «شيرين» تفاصيل علاقتهما، وكيف كان لا يخجل من إعلانه المستمر لكراهية أمه، أدركتْ أن قصة المرأة الثانية هى ملخص قصة حياته، وأنه هو ذلك الطفل الذى كان عمره خمس سنوات حينما استيقظ فجرا على صوت أبيه المبحوح وهو يضرب الزوجة النجسة -على حد قوله-، مكتفيا بطردها من البيت لسنوات، ثم عادت كخادمة ذليلة للزوج والابن ليس أكثر.. وكان عمره وقتها خمسة عشر عاما! وأخيرا، لم يجد صديق «شيرين» ردا على سؤالها عن سبب خيانة هذه المرأة لزوجها، فأجابها متسائلا: تفرق معاكِ؟
طبعا تفرق معاها... تقول «مريم مرزوق» استشارية العلاقات الأسرية: إلا إن بعض النساء تكَبّر دماغها، وتخضع لما يقرره الأهل والمجتمع بشأن مصيرها، مثل هذه المرأة التى لم تعترض على الزواج من رجل لا تحبه ولا تريده، لئلا تتهم بحب شخص آخر، وربما خوفا من الضرب والإهانة والحرمان والحبس، أو حتى لترضى المجتمع بحصولها على رخصة الزاوج، ثم تفعل ما تريده! فكانت النتيجة أنها قهرت الرجل الذى تزوجته، وقهرت ابنها أيضا حتى تبددت ثقته فى النساء، ولم يعد قادرا على الحب واتخاذ قرار الزواج!
زن الخراب
تنوعت أسباب عنف الرجل ضد المرأة، وتبقى النتيجة واحدة وهى.. قهر المرأة للرجل فى المقابل! ففى الساعات الأولى من صباحيته، طبقا للقصة التى رواها لى دكتور «مجدى حلمي» مسئول قطاع الصحة واستشارى قضايا الصحة الإنجابية بجمعية كاريتاس - مصر: فوجئ «أحمد» 21 سنة، بجدته تدق بابه، لتسأله إذا كانت عروسه مختتنة «متطاهرة» أم لا؟ بعدما سمعت طراطيش كلام من نساء القرية فى الفرح، بأن البنت «مدكرة» وسترهق صحته، وربما تجلب له العار، نتيجة إهمال أهلها لطهارتها!
فتعجب العريس، معترفا لجدته أنه لم ينتبه لهذا الأمر! فلطمت الجدة خدودها، وأقسمت أنها لن ترتاح إلا بعد الاطمئنان على شرفه!
ستة شهور كاملة والجدة تجاهد لإقناع حفيدها بإجراء عملية «طهارة» لزوجته، وهو يحاول إبعادها عن طريقه، مؤكدا لها إنه دبلوم تجارة قد الدنيا ويعرف أنه كلامها جهل، فزوجته ملاك وزى الفل معه!
ولأن الزن أقوى من السحر، فقد وجد فى نفسه ميلا لطاعة الجدة، وأخيرا، طالب زوجته بالختان، ففوجئ برفضها وانهيارها، مما أثار شكوكه وجعل المسألة «تكبر فى دماغه»، فخيرها: إما أنا أو الطهارة! فاختارت الطهارة طبعا!
 مع الوقت، اكتشف «أحمد» الجريمة التى فعلها فى نفسه، بعدما أصيبت زوجته بالبرود الجنسى، متحسرا على الشهور الأولى التى كانت زوجته فيها امرأة بجد، وليست كيس مخدة! فقد انقلب كيانها كله بعد الطهارة، وكأن شيئا انكسر داخلها! الله يسامحك يا جدة... زنيتى على خراب عشى!
ويؤكد د.«مجدى حلمي» إن ما فعله «أحمد وجدته» يصنف كجريمة عنف جنسى، يعاقب عليها القانون الذى جرم ممارسة ختان الإناث، لأنه عنف غير مبرر يقع على أجساد النساء، بحجة الحفاظ على عفة البنت وشرفها.
 كان نتيجته القهر الذى أصاب  صاحبنا أحمد «باسم الشرف، والذى مارسته عليه المرأة قى صورة الجدة.. وهو ما يؤكد صحة نظريتك: أن كل عنف يمارسه الرجل ضد المرأة يقابله القهر الذى تقدمه إليه فى صور عديدة مثل ختان الإناث.
 والغريب أن النساء اللواتى يدافعن عن ختان البنات.. يقمن بذلك إما بوعى قتقدم له زوجته مختنة.. رغبة فى قهر الرجل الذى ختنت يوما لإرضائه، أو بدون وعى، فتقدم له زوجة مختنة باردة باسم الشرف والعفة.. فيلجأ للمخدرات والعلاقات خارج الزواج.. وفى هذه الحالة تكون المرأة قد قهرته مرتين، مرة حينما وقع فى الزوجة الباردة، ومرة حينما أجبرته على المخدرات وما تجلبه على المدى البعيد من آثار على قدرته الزوجية!
البنت المؤدبة
يأتى الحديث عن العنف فى إطار احتفال الأمم المتحدة منذ 25 نوڤمبر1993 بمناهضة ممارسة العنف ضد المرأة على أيدى الرجال والمجتمع، فى أشكال مختلفة للاحتفال بتلك المناسبة التى تكرس لها جميع الهيئات الحقوقية والنسوية أنشطتها وجهودها سنويا، بغرض تحجيم أى سلوك عنيف يوجهه الرجل ضد المرأة لكونها أنثى، مما يتسبب لها فى إحداث إيذاء أو ألم جسدى أو نفسى أو جنسى، طبقا لتعريف العنف ضد المرأة الصادر من الأمم المتحدة، والذى أكد على أن مجرد التهديد بالاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفى للحريات فى إطار الحياة العامة أو الخاصة يدخل ضمن تعريف العنف ضد المرأة!
حينما قرأتُ هذا التعريف على بعض الرجال، مصمصوا شفاههم سخرية، متسائلين: ما تعرفيش جمعية تنصفنا احنا كمان على الستات الظالمة اللى مش بتراعى ربنا فينا؟ بل قام أحدهم باقتراح تنسيق حملة ضد النساء، أطلق عليها «قهرتونا» فى مواجهة الظلم الذى يتعرضون له على أيدى النساء!
روى «خالد» - مهندس اتصالات بالقاهرة - كيف نجحت شقيقة صديقه التى تصغره بـ 14 عاما - فى رمى شباكها عليه، بعد رفضها الخروج والدخول معه، ولكنه رسب فى الامتحان - كما يقول- بعدما تزوج هذه البنت المؤدبة والتى «ماعرفتش رجالة قبله»، ثم اكتشف بعد الزواج أنها «حتى مابتعرفش تضحك»، فلا شيء يرضيها، كل اهتمامها منصب على الفلوس، والتليفونات، والأصدقاء! عصبية وشتامة و«لسانها متبرى منها» لأقصى درجة. بينما انتهت علاقتهما الزوجية بمجيء الطفل الثانى، رغم أنها لا تعرف كيف تربى! فصار البيت جحيما!
لم تنته قصة «خالد» بسنواته الأربعين، وقد استبعد طلاق زوجته - التى قهرته بغبائها - حرصا على الأطفال، لكنه وقع فى حب زميلته الحنون الهادئة المهتمة به دائما. وبكل عنفوان احتياجه، وقع فى حبها وأوقعها فى الخطأ، فهددته بالابتعاد إن لم يتزوجها، فاستجاب كارها! وإذا به هو الذى يحول حياتها جحيما بعنف شكه وإذلاله لها باعتبارها المتسببة فى خراب بيته!