السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

وداعًا مكاوى سعيد.. وانقطعت تغريدة البجعة..

وداعًا مكاوى سعيد.. وانقطعت تغريدة البجعة..
وداعًا مكاوى سعيد.. وانقطعت تغريدة البجعة..


رحل هادئًا كما عاش تمامًا، رحل بهدوء الغروب، أو كما يرحل الأنقياء والطيبون، بالأمس كان جالسًا على مقهى زهرة البستان بوسط البلد يحملق فى كل شيء حوله ويمعن النظر، وكأنه يلقى التحية الأخيرة والوداع على الأصدقاء والمكان والنرجيلة وكوب القهوة وحتى دخان سجائره الذى كان يتناثر فى الهواء على غير هدى ليرسم ملامح الرحيل.

مكاوى سعيد أخذ معه مقتنيات وسط البلد، وتغريدات البجعة، وحب جيهان، ورحل إلى غير رجعة.
لا تكتمل وسط البلد دون إطلالته، حتى إنه كان يعتبر نفسه مالكًا لها، وملكًا عليها، يجلس فى مقهاه نفسه كل يوم، وعلى نفس الكرسى، يتتبع المارة والعابرين، يسترق من أعينهم حكاياته، وقصصه، ليتمخض إبداعًا بنبض الشارع ووسط البلد ومقهاه ونكهة قهوته.
بدأت رحلة مكاوى مع الكتابة فى أواخر السبعينيات حين كان طالبًا بكلية التجارة بجامعة القاهرة، ووقتها كان مهتمًا بكتابة الشعر العامى والفصيح عقب تأثره بدواوين صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى والبياتى والسياب والفيتورى، ونشرت عدة قصائد له فى مجلة صوت الجامعة وغيرها، كما كانت له نشاطات دائمة فى الندوات الثقافية بالجامعة حتى حصل على لقب شاعر الجامعة عام 1979.
بدأ عقب تخرجه فى الجامعة كتابة القصة القصيرة متأثرًا بيوسف إدريس وقصص مكسيم جوركى وتشيكوف، بالإضافة إلى روايات ديستويفسكى وهيمنجواى، وفى بداية الثمانينيات شارك فى ندوات بمقاه شهيرة بوسط البلد، حيث يلتقى الأدباء الكبار والقصاصون الجدد الذين يتلمسون الطريق. وعرض قصصه الأولى فى هذه الندوات وأثنى عليها الكثيرون.
فازت بعض قصصه بجوائز فى مسابقات نادى القصة بالقاهرة، وتعرّف بالقاص يحيى الطاهر عبدالله وقرأ عليه قصصه فأعجبته واختار بعضها لإرساله إلى مجلات عربية بتزكية منه. ونشرت له قصص بمجلات وصحف مصرية.
أصدر أولى مجموعاته القصصية «الركض وراء الضوء»، ابتعد فترة طويلة عن الوسط الثقافى، بعد الرحيل الأليم ليحيى الطاهر عبدالله، وعمل محاسبًا فى إحدى شركات المقاولات، ثم كتب بعدها «فئران السفينة، وحالة رومانسية، وراكبة المقعد الخلفى، وليكن فى علم الجميع سأظل هكذا، وتغريدة البجعة» التى رُشحت لجائزة البوكر 2007-2008، ومقتنيات وسط البلد، التى ترسم ملامح وتفاصيل وسط البلد بكل دقة، كما تناول فيه تاريخ المقاهى والأماكن والشخصيات، وعن الميدان وتجلياته، الصادر عن وزارة الثقافة، الهيئة العامة لقصور الثقافة.
أروع روايات مكاوى سعيد «أن تحبك جيهان»، والتى تعد الأطول بين كتابات مكاوى سعيد.
وأخيرًا رحل مكاوى ولم ترحل أعماله، فهى باقية للأبد كما مكانه فى وسط البلد وروحه وإبداعه.. إلى اللقاء يا مكاوى وسلامنا للحبايب.