الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فنان صنعته الآلام

فنان صنعته الآلام
فنان صنعته الآلام


بقلم: أنور السادات
كان ذلك فى أمسية من أمسيات صيف 1948.. وكنا نجلس فى مقهى من تلك التى تطل على النيل بالجيزة.. «شلة» من الفنانين والكتاب والأدباء اعتدنا أن نلتقى كل ليلة بعد أن يفرغ كل منا من كفاح يومه فى سبيل العيش وتأمين البقاء..

 وكنت فى تلك الحقبة حديث عهد بالحرية، فلم يكن قد مضى على إلا بضعة أسابيع خارج الزنزانة التى قضيت فيها واحدا وثلاثين شهرا سويا، قضيتها بين جدران أربعة صماء تحاصرنى فلا أستطيع منها الفكاك، وتفرض على روحى وعقلى عزلة تؤرق النفس وتزلزل الكيان..
 ولعل ذلك كان هو سر لهفتى على لقاء الصحاب  كل ليلة إلى جوار النيل..
ولعله كان أيضا حرصى على الاستمتاع بأشهى  ثمرة من ثمرات هذه الحياة، أعنى الصداقة.. الصداقة فى أصفى وأجمل ألوانها، وأرق وأدفأ ما تغمر به الوجدان بانفعالاتها..
 هناك وفى ظلال تلك الأمسية قابلت طوغان لأول مرة..
 وهناك أحببت طوغان الصديق البرىء الفنان..
 وطوغان الذى ستقرأ له الصفحات التالية، وستنفعل نفسك من هدير ريشته وعنف أدائها وعمقه.. طوغان هذا شاب لم يتعد العقد الثالث من عمره..
 ولعلك تعجب كيف يستطيع  شاب فى مثل هذه السن أن يجعل من الخطوط والظلال  قصصا خالدة تروى لنا وللأجيال من بعدنا حديث أشرف معركة خاضها بلدنا ضد السيطرة وضد الاستغلال لا من أجل مصر وحدها وإنما من أجل كل الشعوب الصغيرة وباسم كل من يؤمن بالحرية فى كل مكان، ويرويها طوغان الشاب بريشته فى وضوح ورزانة وإصرار لا يقدر عليها إلا من أفنوا عمرا طويلا فى البحث والخبرة والمران..
 ولكنها الآلام..
 إنها الآلام التى صهرت هذه النفس الوادعة فى مستهل العمر وفى مطلع أيام الشباب..
 لقد عرفها طوغان وهو حدث، وبدأ يصارعها وهو يافع، وأفاد منها فى شبابه خبرة وحكمة لا تصنعهما فى سنين قليلة إلا آلام كبيرة..
 وطوغان فى هذا الكتاب يحكى لنا أيضا عن الآلام..
 آلام الشعوب  البريئة التى تفترسها ذئاب الغاب..
وآلام الإنسانية الجريحة بعد أن ديست قيمها فى التراب..
 وبعد..
 فإننى لا أريد أن أشغلك عن القصة، وكل ما أردت أن أقوله هو أنها قصة لفنان صنعته الآلام.. •