الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هيا بنا نحلم ونحلق بعيدًا عن الواقع

هيا بنا نحلم ونحلق بعيدًا  عن الواقع
هيا بنا نحلم ونحلق بعيدًا عن الواقع


فى الأسابيع الأخيرة من العام المنصرم تبدأ الحياة الأمريكية كعادتها طقوسها السنوية وهى تستقبل العام الجديد. ومظاهر هذه الطقوس والمراسم لا تتشكل فقط فى الأسواق والمولات ومواقع التجارة الإلكترونية و«بيزنس الأعياد ورأس السنة»، بل أيضًا فى الحوار المجتمعى المستمر والمتجدد.. وفى تناول وسائل الإعلام والصحف والمجلات الأمريكية لأهم ملامح العام المنصرم والشخصيات البارزة فيه والدروس المستفادة منه. وبالطبع يتم تسليط الأضواء على ما هو جديد ومنتظر ومتوقع فى العام المقبل والجديد.
والأمر الأهم - واللافت للانتباه فى هذا التناول أو هذا التعامل هو إبراز دور الحلم الجميل والفكرة الجديدة فى حياتنا.. دور الإنسان الفرد فى مواجهة التحديات وعزيمته على المضى قدمًا مهما كانت الصعاب وأيضًا رغبته فى إحداث تطوير وتغيير للأفضل فى حياتنا اليومية، ببساطة أيها الإنسان أنت معجزة.. كما كررها الأقدمون وهم يرون فى الأجيال المقبلة الأمل والغد الأفضل والمشرق - مادام هناك حرص من الإنسان وجدية وإصرار منه على تحقيق ذلك الهدف المرتقب.
وتعد علاقتنا كبشر مع وسائل التواصل الاجتماعى والهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية الخاصة بحياتنا المسماة بـ«أون لاين» أكبر وأخطر التحديات لأنها شكلت حياتنا وسلوكنا وتعاملاتنا وعلاقاتنا مع الآخرين فى السنوات الأخيرة، لذلك لم يعد غريبًا أن وسائل الإعلام بجانب حرصها على إبراز الجديد فى هذا العالم الافتراضى بجميع آفاقه وأدواته المتجددة تسلط الأضواء وتتحدث وتناقش تبعات هذه الوثبات على نفسيتنا وعقليتنا وذاتنا الإنسانية. وتحذر من إدمان هذا الهوس الافتراضى الذى قد يلتهم الأخضر واليابس فى دنيانا، وتنبه أيضًا بأن لا داعى للتهويل من أمره.. وبالتالى منعه أو المطالبة بمنعه، كما لا يجب التهوين من أمره، وبالتالى تسليم مصير الأجيال الجديدة له ثم التباهى بأن أولادنا بقوا أحسن مننا وأنهم «عفاريت فى النت».
مجلة «تايم» الأمريكية وفى تقرير مفصل ومشوق لها حذرت مؤخرًا من عواقب إدمان المراهقين والمراهقات للهواتف الذكية خاصة أنها-  كما تبدو فى دراسات - وتقارير نفسية اجتماعية أن نسبة الاكتئاب وحالات متصلة بالانتحار قد تزايدت وبشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة خاصة لدى الشريحة العمرية المسماة بفترة المراهقة التى تعيش نهارها وليلها مع الهواتف الذكية بجميع استخداماتها بلا حدود. وحسب وصف د. فرنسيس جينسن رئيس قسم الأعصاب بكلية الطب فى جامعة بنسيلفانيا فإن ما يعيشه ويمر به هذا الجيل الجديد هذه الأيام مع التكنولوجيا - بجميع وسائلها يعد تجربة علمية كبرى، أى بتعبير آخر هم حيوانات تجارب لتكنولوجيا جديدة لا يعرف مداها ومضارها أحد.
وتقول الإحصاءات الرسمية والعلمية أن هناك زيادة بنسبة تصل إلى 60 فى المائة فى عدد المراهقين المصابين بالاكتئاب فى أمريكا فيما بين عامى 2010 و2016، وهى الفترة التى شهدت وثبات فى استخدام الهواتف الذكية، كما أن الإحصاءات تذكر بأن سن العاشرة هى متوسط العمر الذى يحصل فيه الابن أو تحصل فيه الابنة على الهاتف الذكى الأول فى حياته أو حياتها، وحسب الدراسات العلمية فإن المشاعر والأفعال ذات الصلة بالانتحار متواجدة أكثر بنسبة 48 فى المائة لدى هؤلاء المراهقين الذين يستخدمون الهواتف الذكية لمدة خمس ساعات أو أكثر يوميًا.
ولأن الأرقام لا تقول فقط، بل تصرخ فإن جين توينج أستاذة علم النفس فى جامعة سان دييجو قالت بلا تردد: كلما عرفنا أكثر عن العلاقة بين أبنائنا والهواتف الذكية كلما أدركنا بأن وضع حد لتعرضهم واستخدامهم لهذه الهواتف لهو فكرة طيبة فيها فائدة لهم».
وتأخذنا صرعة الابتكارات والأفكار الجديدة إلى «السيارات الكهربية» وأيضا «السيارات بدون سائق» والأخيرة منها على وجه التحديد تتنافس شركات أمريكية وعالمية كبرى - ومنها جوجل (نعم جوجل الشهير) من أجل أن تتواجد وتسير فى الشوارع، وقد شهدت شوارع طوكيو مؤخرًا انطلاق السيارات اليابانية الذكية، كما أعلنت شركة أوبر عن تعاقدها مع شركة فولفو لإنتاج 24 ألفًا من السيارات بدون سائق لاستخدامها فى تقديم خدمات الانتقال لعملائها. ودفعات إنتاج هذه السيارات سوف تتوالى ما بين 2019 و2021.
أما السيارة الكهربية فرغم أنها تمثل فقط واحدًا فى المائة من حجم مبيعات السيارات فى العالم إلا أنها سوف تزداد انتشارًا وتنال اهتمامًا أكبر من جانب جميع دول العالم خاصة الصين. البعض يرى أن ثورة السيارة الكهربية وانتشارها قادمة لا مفر منها والبعض يشكك فى إمكانية تواجدها بكثرة أو سيطرتها على الساحة، وبلا شك فإن الشركات الكبرى المنتجة للسيارات التقليدية قادرة وراغبة غالبًا فى وأد السيارة الكهربية لأن لها مصالحها الممتدة عبر عشرات السنين فى ربط صناعات عديدة منها بيع السيارات وتوظيف الخدمات وأعمال الصيانة وإمداد الوقود إلى آخره. وهذه الشركات لا تريد بالطبع أن تفقد فى يوم وليلة كل ما صنعته واستفادت منه وربحت من خلاله. إلا أن السيارة الكهربية بما لها من فوائد ومزايا سوف يتزايد الطلب عليها خلال السنوات المقبلة. شركة جنرال موتورز الأمريكية ومعها أيضًا المنافسة لها شركة فورد وعدتا بإنتاج نحو 30 موديلا من السيارات الكهربية مع حلول عام 2023.
ومثلما كان الحال مع السيارة التقليدية بجميع تطوراتها على مدى عقودا فإن ثقافة خاصة بالسيارة بدون السائق أو السيارة الكهربية سوف تأخذ طريقها فى الحياة الأمريكية. وفى أجوائها سوف تتشكل نفسية الأمريكى ومزاجه الخاص باستخدام السيارة - امتلاكها أو تأجيرها والسير بها فى الطرق - سواء بمفرده أو بصحبة خاصة أو عائلية، وفى تلك الأجواء والظروف سوف نجد مستقبلا إبداعات فنية وأدبية وموسيقية تعكس اللحظة إياها - بحلمها أو كابوسها. لحظة يعيش بها الإنسان حاضره ومستقبله.. وأيضًا ماضيه أينما كان.
وداعا للملل واليأس
لا تضيع وقتك ويومك وحياتك فى البكاء على أطلال ما حدث فى حياتك.. أو ما لم يحدث فى حياتك. ولا تفكر أبدًا فى القيود التى تكبل حياتك ومدى قدرتك على تحملها، بل فكر واحسم أمرك فى التخلص من تلك القيود والانطلاق إلى الحياة بجميع تفاصيلها.. الصغيرة منها قبل كبيرها.
تتنوع الأسماء إلا أن الرسالة واحدة لا تردد فيها. هذا ما أسمعه وأقرأه نقلا عن المراقبين المتابعين لحياتنا المعاصرة والمهمومين بسرعة الحركة فيها وتخبط الإنسان خلالها. نعم، عليك أن تتصالح مع نفسك وزمنك - مهما كانت سرعته وهرولته. عليك أن تنصت لصوت قلبك قبل عقلك لكى لا تتصارع مع نفسك وحظك وقدرك ومصيرك ومع المكتوب على جبينك. وعلى فكرة فى فترة جرد العام المنصرم لا تلتفت الصحف والمجلات الأمريكية فقط للابتكارات العلمية والصراعات التكنولوجية، بل للأفكار الجريئة والصادمة والمجنونة والمبدعة والصارخة طالما أنها تزيد إقبالك على حياتك ومعانيها. عملا بالقول الشهير الشائع: «لقمة هنية تكفى مية». ففكرة جيدة أو ممتازة «تكفى مية وألف»، ونحن نتواصل ونتحاور ليس لكى نكرر أفكارًا نعرفها عن ظهر قلب، بل لكى نكتشف أفكارًا جديدة أو نتوصل إلى أفكار جديدة، كانت غايبة علينا. كانت معنا ولم نلتفت إليها، وبالتفاتنا إليها نضيف معرفة إضافية لنا ورصيدنا من المعرفة يزداد ومشاركتنا للحياة تصبح أكثر فهما وإدراكا من قبل.. ووقتها تبعد عنا سحب الملل ونسحب أنفسنا من رمال اليأس المتحركة.. وهيا بنا إلى لقاء جديد فى انتظارنا.. فى انتظار أفكار جديدة وأحلام جميلة!