الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سياسة الجنس

سياسة الجنس
سياسة الجنس


تنتج الأمم حراكها السياسى الذى يناسب طبيعة المجتمع، يتحول هذا الحراك إلى مطالب ثم تبدأ القوى السياسية استخدام القنوات التشريعية لتنفيذ مطالبها فى حالة إن كانت فى السلطة أو وسائل الضغط السلمية الشعبية مثل السوشيال ميديا إن كانت فى المعارضة.

تنفيذ هذه المطالب يؤدى إلى حدوث تطور فى المجتمع وإزالة الاحتقان لأن هذه المطالب لم تهبط على المجتمع من مكان مجهول، بل هى نتاج احتياج مجتمعى وما القوى السياسية سوى القائم بأعمال المجتمع.
آلية الحراك السياسى
قبل الدخول فى تفاصيل آلية الحراك السياسى وكيف يصنع المطالب وتنفذها القوى السياسية يجب أولا النظر لطبيعة المجتمع والقضايا التى تشغله، فلا يمكن للقوى السياسية ابتداع حاجات لا تعبر عن مجتمع تنتمى إليه وإلا أصبحت دخيلة على مجتمعها.
تبدو فى بعض الأحيان بعض المطالب غريبة بالنسبة لنا، ولكنها طبيعية بالنسبة لمجتمعها.
طلب بدعم أفلام الجنس!
تقدم الحزب الديمقراطى الاشتراكى الألمانى  حاليًا فى المعارضة ــ بطلب لدعم أفلام الجنس من أموال دافعى الضرائب، سبب الطلب هو نقل صورة واقعية للجنس بعيدًا عن تيار الأفلام الإباحية المتداولة والسائدة.
اعتبر مقدمو الطلب وهم من شباب الحزب حسب موقع «دويتش فيلا» أن الأفلام الإباحية تنقل صورة نمطية وعنصرية عن الجنس عند الشباب ويجب تغييرها، واسترشد شباب الحزب بالتجربة السويدية الرائدة فى دعم الأفلام الجنسية.
لم يكتف المطالبون بطلبهم، بل قدموا تصورًا لما ستكون عليه هذه الأفلام واشتراطات تنفيذها، فيقدمها مخرجون وممثلون يصورون تنوع المجتمع الألمانى ويعملون فى ظروف عمل عادلة، فضلاً عن مقابل جيد، ويجب أن تمثل الأفلام مجموعة متنوعة من أشكال الجسم والجنس والأصل العرقى والممارسة الجنسية وتعرض هذه الأفلام فى وسائل الإعلام مجانًا ويشاهدها أيضاً الطلبة وأخيرا الوقاية.
هذا المطلب الذى يبدو غريبًا لنا ستتم مناقشته فى الاجتماع العام للحزب الاشتراكى ليطرح بعدها فى البوندستاج أو البرلمان الألمانى.
فيديو جنسى لوزارة البيئة الألمانية!
لجأت الحكومة الألمانية هى الأخرى لسياسة الجنس، لكن لغرض مختلف، حيث قامت وزارة البيئة الألمانية ببث فيديو على الإنترنت حقق 165 ألف مشاهدة فى يومين، وهو رقم لا تحققه فى العادة أفلام التوعية البيئية.
يقدم الفيلم شابة ألمانية تدخل إلى البيت وتضيء النور فيصيبها الخجل بشدة لأنها تجد والديها فى وضع حميم يشعر الثلاثة بالإحراج، ولكن الشابة تتفهم الأمر وتطفئ النور.
مغزى الفيلم - حسب رؤية وزارة البيئة الألمانية - أن الشابة الألمانية لو لم تضئ المصباح كانت جنبت الجميع الإحراج، ويعنى ذلك أيضًا  التوفير فى الإضاءة لتقليل حجم كمية الفحم المستخدم فى توليد الكهرباء وبالتبعية تقليل التلوث.
لو تبنى حزب معارض فى مصر مطلبًا له علاقة بالجنس ولن يصل طبعًا لدعم الأفلام الإباحية أو قررت الحكومة استخدام الجنس فى حملات توعية أتخيل أنها ستكون نهاية الاثنين سواء المعارضة أو الحكومة سياسيًا واجتماعيًا، وقد يتطور الأمر لوضع من وراء هذه المطالب أو الحملة فى مستشفى الأمراض العقلية!
فى فرنسا تحديد سن الممارسة
فى البلد المجاور لألمانيا فرنسا تدور مناقشات سياسية وتشريعية حول شأن جنسى آخر، ولكنه أكثر جدية من الحالة الألمانية يدور النقاش حول  تحديد سن تعتبر الممارسة الجنسية دون هذه السن اغتصابًا حتى لو بموافقة الطرفين.
ظهر هذا النقاش بعد تبرئة القضاء الفرنسى لمتهمين مارسوا الجنس مع فتيات قصر أقل من 15 عامًا ــ السن المسموح بها لممارسة الجنس كشخص مسئول عن فعله ــ بالتأكيد هذه القضية فى مجتمع منفتح كالمجتمع الفرنسى - تمثل أولوية.. تقدم هذه الأمثلة القادمة من مجتمعات تختلف عنا فى التكـــــــــــــوين والاهتمامات طبيعة الحراك السياسى والاجتماعى الذى يشغلها، وهو لن يشغلنا بأى حال من الأحوال لأن مجتمعنا له تكوين واهتمامات أخرى.
يجب ألا يشغلنا الفارق الضخم فى أولوية المطالب أو أسلوب إدارة المجتمع  بيننا وبينهم، بل ما يهمنا أمور أخرى أولها وجود قوى سياسية سواء فــــــى السلطة أو المعارضة تتفاعل مع ما هو مطروح فى المجتمع ثم إدارته بالأسلوب الذى يتجاوب معه المواطن.
ابتكرت وزارة البيئة الألمانية هذه الفكرة الغريبة لنا والقريبة لهم فحققت نسبة عالية من المشاهدات.
استطاعت هنا الحكومة توصيل الرسالة التى تريدها عن طريق هذه السياسة الجنسية، لكنها حققت الهدف المنشود فى النهاية بتفاعل المواطن مع ما تريد تحقيقه.
يبدو للوهلة الأولى من مطلب المعارضة الألمانية عندما تطرح مطلبًا يرتبط بالجنس وتريد تطبيقه أنها تبحث عن «شو» إعلامى.
لكن طبيعة المجتمع الألمانى تجعل هذا الطرح الجنسى غير مستغرب، وفى نفس الوقت فأسلوب الطرح وجديته ومقارنته بتجربة مطبقة بالفعل فى دولة أوروبية أخرى يقودنا إلى أن المعارضة الألمانية بالفعل تتجاوب مع مطلب مجتمعى ولا تبحث عن الشو.
الوضع المقلوب عندنا
لكن نجد عندنا وضعًا مقلوبًا، فمصر دولة نامية ومجتمعها يعانى من مصاعب كثيرة، لكن عندما تتفاعل القوى السياسية مع هذه المصاعب لتحولها إلى مطالب حتى يتم حلها ويتطور المجتمع بتخلصه منها نجد أن اختيار القوى السياسية هدفه الأول تحقيق السطوة الإعلامية قبل مصلحة المجتمع.
وقد يصل الأمر فى بعض الأحيان إلى ترك جميع المصاعب التى يواجهها المجتمع وتلهث القوى السياسية وراء غرائب الأمور من أجل فقــــط تسليط الآلة الإعلامية على الحزب أو الحركة أو المزايدة السياسية لإثبات الحضور فى الساحة السياسية.
مزايدة الفاشيست
أكثر من استخدم هذا الأسلوب المريض الفاشسيت الإخوان، فتاريخ الفاشسيت قائم على أسلوب المزايدة والدعاية بعيدًا عن تحقيق ما يفيد المجتمع.
يرجع ذلك لسبب واضح، فالفاشسيت لا يرغبون فى تطوير المجتمع، بل يريدون بقاءه على حاله من البؤس والضعف لأن من ضعف المجتمع يستمدون قوتهم.
تحمل الأجندة الفاشية دائمًا موضوعات تتعلق بالمزايدة وغرائب الأمور ولا مانع من خلطها بالدين وربطها بالمقدس لترتفع مؤشرات المزايدة والغرابة وعدم وجود الحل إلى أقصى درجاتها.
بعد هذا الهجوم الديماجوجى تصبح القوى الأخرى فى حالة حصار ويكتسب الفاشسيت تعاطفًا جماهيريًا نتيجة للخلطة السياسية الشهية فى مظهرها المسمومة فى مضمونها.
المراهق السياسى
بعيدًا عن الفاشسيت وإجرامهم يوجد نوع آخر لا يقل سوءًا عنهم وهو المراهق السياسى، هذا المراهق لا يهمه فى الحياة السياسية إلا تصدره للمشهد بأى وسيلة ودائمًا ما يتجه عن قصد للقضايا الجادة لأنه يعلم أن  هذا النوع من القضايا جاذب للشو.. مثلاً لو قفز المراهق السياسى إلى العاصمة الفرنسية باريس وهــــــــم يطرحون للنقاش قضية سن الاغتصاب سيترك كل ما يتعلق بمضمون الطرح وسيتهم على الفور القضاء الفرنسى بأبشع الصفات لصدور أحكام براءة فى حق متهمين.
رغم أن القضاء هنا لم يطبق سوى القانون والدولة استشعرت خطورة الأمر وتسعى بالفعل لتغيير القانون حتى تتحقق العدالة.
توجيه الهجوم للقضاء من المراهق يحقق له غرضه، فهو لا يرى مصلحة مجتمعه، بل يرى فقط عدد الكاميرات والميكروفونات التى تقف أمامه وتطالبه بمزيد من المراهقة.
للأسف لا تجلب المراهقة الكاميرات والميكروفونات فقط، فهى تجلب أيضا المال الأسود لأجل تحويل كل ما هو جاد على يد المراهقين إلى سيرك سياسي!
صدق النوايا والإخلاص!
الفارق بين مجتمعات وأخرى ليس التقدم أو التخلف، بل صدق النوايا والإخلاص من القوى السياسية لخدمة المواطن، فهناك سياسيون مثل اشتراكيى ألمانيا وحكومتهم هدفهم من الجنس تحقيق السياسة وهناك أراذل الفاشسيت والمراهقون هدفهم الجنس والمال دون سياسة.