الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

جامعاتنا العريقة.. تعليم شعبى

جامعاتنا العريقة.. تعليم شعبى
جامعاتنا العريقة.. تعليم شعبى


جامعاتنا العريقة كانت ومازالت منارة العلم فى مصر والعالم العربى.. تخرج فيها قادة وساسة، ومفكرون، وأدباء.. لكنها عند بعض الطلبة وأولياء الأمور لم تعد لها نفس «الشنة والرنة» التى كانت.. زحف فكر التعليم الأجنبى والخاص منذ فترة طويلة على العقول ووجد لدى الكثيرين استحسانا، فظهرت الجامعات الخاصة لتلبى رغبة الأهل فى أن يتعلم أبناؤهم فى مستوى جمالى وتنظيمى يكمل منظومة التعليم الخاص أو الأجنبى الذى بدأوه فى المدرسة.
هذا الفكر ليس فكر أولياء الأمور والطلاب فقط، بل انتقل إلي  المسئولين داخل جامعاتنا الحكومية نفسها، ليدفعهم إلى إنشاء «الأقسام المميزة» داخل نفس الكليات تلبية لرغبة بعض الطلاب فى «التميز»، بعيدا عن المجموع ومكتب التنسيق.
فظهرت أقسام «الكريدت» فى نفس الكليات الحكومية بمصاريف أعلى.. وبقى السؤال ما المقصود ب«المميز» التعليم أم المكان أم الأساتذة أم الطلاب؟
كله بتمنه!!
أصبحت البرامج المميزة فى الجامعات الحكومية مصدر دخل أساسياً للجامعات لتنمية مواردها الذاتية، والإنفاق على تطوير الجامعات، فى نفس الوقت المنفذ الوحيد لتطوير العملية التعليمية، وتقليل أعداد الطلاب الأمر الذى يفتقد إليه التعليم النظامى، أو الانتساب، لما تتطلبه هذه البرامج من مصروفات مرتفعة مقارنة بالتعليم العادى الذى يتلقاه الطلاب.
وتحولت البرامج المميزة والجديدة فى الجامعات إلى مكان داخل الجامعات لأبناء الطبقة الميسورة، ما اعتبره البعض تكريسا للطبقية، خاصة أن الطلاب من غير القادرين لا يستطيعون الالتحاق بهذه البرامج التى تقدم خدمات طلابية تنافس التخصصات العالمية وعدد كبير منها يأتى بالتعاون مع جامعات عالمية فى الدول المتقدمة، بما تتيح للخريج فرصة أكبر فى الحصول على وظيفة فور التخرج مباشرة.
ولجأت العديد من الجامعات إلى البرامج المميزة ومنها جامعة القاهرة التى تضم نحو 28 برنامجا للتعليم المميز فى 12 كلية داخل الجامعة، وتسعى الكليات إلى عمل المزيد من البرامج المميزة، ويتراوح أسعارها حسب كل كلية من 4 آلاف إلى 18 ألف جنيه.
وتأتى كلية الهندسة فى جامعة القاهرة الأولى من حيث البرامج المميزة بـ 8 برامج, ومنها برنامج هندسة الاتصالات والحاسبات، وهندسة الطاقة الكهربية، وهندسة التشييد cem وهندسة البترول والبتروكيماويات، فيما تأتى كليتا الزراعة والتجارة ثانيا بـ 3 برامج، ويوجد فى كلية التجارة برنامج جورجيا وهو بالتعاون مع جامعة ولاية جورجيا، وكلية روبنسون للإدارة ويوجد به التخصصات التمويل والاستثمار والتسويق، والمحاسبة، إلى جانب برنامج العلوم الاكتوارية وهو بالتعاون مع جامعة سيتى بإنجلترا ومعهد الخبراء الاكتواريين بلندن، بالإضافة إلى برنامج التجارة باللغة الإنجليزية.
وتتضمن كلية العلوم برنامجين، وكلية الصيدلة برنامج الصيدلة الإكلينيكية، ومن أشهر البرامج المميزة فى جامعة القاهرة برامج اللغة الإنجليزية والفرنسية فى كليتى الحقوق والاقتصاد والعلوم السياسية، ويأتى برنامج الفرنساوى فى كلية الحقوق بالتعاون مع جامعة السوربون 1 فى فرنسا واحتفل منذ أيام بمرو 25 عاماً على إنشائه، بالإضافة إلى برنامج اللغة الإنجليزية بكلية الإعلام، كما يوجد برنامج بكل من كليتى الأسنان والآثار.
وفى كل مناسبة تؤكد إدارة الجامعة أن جميع البرامج المميزة تعمل بعد دراسة جدوى تتضمن احتياجات سوق العمل والأعداد المتوقع قبولها فى البرنامج والتكلفة الفعلية للدراسة ومصروفات البرنامج للطلاب، مؤكدة أنه لا يوجد برنامج واحد تم إنشاؤه فى الجامعة، وتم إغلاقه وهو دليل على نجاح التجربة.
أولياء أمور: «الخاص يكسب»!!
السيدة رانيا محمود بكالوريوس إعلام جامعة القاهرة وأم لثلاث بنات, الكبرى فى هندسة الجامعة الألمانية والثانية فى الثانوية العامة تقول: «سمعت عن الدراسة الرائعة والمستوى الاجتماعى الراقى فى الجامعة الألمانية وهو ما تفتقده الجامعات الحكومية ماعدا القسم الكريدت، وكذلك فرص العمل بعد التخرج وعندما لم تستطع ابنتى الالتحاق بجامعة القاهرة «القسم الكريدت» بفارق نصف فى المائة فقط، وكانت ابنتى ثانوية بريطانية IG  لم أتردد لحظة فى إدخالها الألمانية، خاصةً أن الأمريكية غالية جداً، ولى صديقات استطاع أبناؤهم بعد تخرجهم فيها العمل فى ألمانيا وأتمنى ذلك لبناتي».
المهندس ناجى عبدالله له ابن فى المرحلة الإعدادية وابنة فى الثانوية يقول عن اختياره للجامعة العام القادم لابنته: «على أيامنا كانت القاهرة وعين شمس حلم أى شاب «والفشلة» فقط من يلجأون للتعليم الخاص لعدم تمكنهم من الحصول على مجموعها، والمدارس الخاصة كان لها نفس السمعة.
يكمل: تغير الزمن وأصبحت كأب أتمنى أن أتمكن من إدخال أولادى للجامعة الأمريكية أو الألمانية، هما أفضل جامعتين وأفضل من الحكومى، حتى إنى اجتهدت إلى أن وجدت مدارس خاصة على مستوى جيد لأولادى لأنى لم أستطع تغطية التكلفة المادية للإنترناشيونال، فمدارسنا الحكومية الآن سيئة، وأى وظيفة تشترط أن يكون الطالب خريج مدارس إنترناشيونال أو على الأقل لغات!! الجامعة نفسها وطرق الدراسة والنظافة والنظام أفضل فى الخاص وأنا أتمنى أن أحافظ على المحيط التى يتعامل فيه أولادى، وأن تكون على نفس مستوى المدارس الراقية التى ينتمون إليها، كما أنه أصبحت فرص العمل فى الخارج مفتوحة للجامعات الخاصة المحترمة ولا تقل عن الحكومية بل تزيد».
المحاسب أحمد الوكيل له ابن وابنة فى المرحلة الثانوية يقول عن المفاضلة بين الحكومى والخاص: «ليست كل الجامعات الخاصة أفضل من الحكومية، فمثلا الجامعة «الألمانية والبريطانية والأمريكية ومصر الدولية والعاشر» على حد علمى جامعات خاصة فى الهندسة لا تستطيع الحكومة أن تضاهيها فى خدمة التعليم والمعامل، ابنى سيتعلم «على نضافة» مش هيروح يدور على كورسات عشان يفهم مثلاً زى ما بنشوف فى الجامعات الحكومية والمدارس أيضاً!! وفى رأيى الخاص.. المعترف به كالأمريكية والألمانية أفضل وإلا لماذا تعطى المنح لأوائل الجمهورية أنهم يدخلون الألمانية والأمريكية؟!
ليلى الأمين مدرسة فيزياء بإحدى مدارس اللغات ولها ابنتان فى المرحلة الثانوية تقول: «للأسف التعليم أصبح فى المدارس والجامعات المصرية ليس على المستوى الذى يؤهل الخريج لسوق العمل فى مصر والخارج، والتحاق الطلبة بالجامعات الخاصة له مميزاته وهو ما يجعلنى أود إدخال بناتى فيها بشرط أن يكون معترفاً بها عالمياً فبعد أن أدخلتهن المرحلة الثانوية فى النظام البريطانى أرى أن الجامعات الإنترناشيونال، بالإضافة إلى أنها لا تشترط المجاميع العالية كالحكومية فإن بها مميزات أخرى أهمها تناسب أعداد الطلبة مع الأجهزة والمعدات المعدة لتقديم مستوى تعليمى متطور وبرامج أحدث تناسب العصر وتخصصات أكثر للاستعداد لسوق العمل، والأساتذة مطالبون بتطوير أنفسهم باستمرار، ويهمنى وجود مجال أوسع للأنشطة الاجتماعية الطلابية ونظام أكثر على جميع المستويات فلو حصل ابنى على مجموع جامعة القاهرة سأدخله «الكريدت» وإن لم يحصل سأدخله الخاص..
رؤية الأساتذة
الأستاذة الدكتورة تماضر نجيب أستاذ المونتاج بكلية الإعلام بجامعة القاهرة وبالمعهد العالى للسينما تقول: «نعم أصبح الأهالى بالفعل يفضلون إدخال أولادهم الجامعات الخاصة خصوصاً أنهم نفس الدكاترة والأساتذة الذين يدرسون بالجامعات الحكومية، ولكن مع إمكانيات أفضل، ومساحات أوسع، ورفاهية أكثر لأولادهم الذين تعودوا على نمط حياة معين، المشكلة فى الجامعات الخاصة فى الطلبة أنفسهم لأنهم يعتبرون أنهم «بيتعلموا بفلوسهم»، وبالتالى ماعندهمش الالتزام الكافي بجانب أنهم أساسا مش أقوياء علميا وبيدخلوا كليات أقوى منهم  مجموعهم لا يمكنهم من دخولها فى الحكومية فيلجأون للخاصة وده بيمثل مشكلة للأستاذ نفسه لأن الأستاذ يعطى نفس المقرر فى الجامعة الحكومية ونفسها فى الخاص وهنا بيحس بالفرق فى مدى استيعاب الطالب للمادة.
الأستاذة الدكتورة آن حنفى رئيسة وحدة الفسيولوجيا الإكلينيكية للجهاز العصبى بقصر العينى تقول: «أبناء المدارس الأجنبية لهم نشأة خاصة ومستوى اجتماعى خاص وهذا عامل أساسى فى اختيار الجامعة التى ينتسبون لها بعد ذلك، أغلبهم يفضل الجامعات الخاصة لأنها لا تشعرهم بالغربة فى وسط اجتماعى خاص بهم تعودوا عليه ونشأوا فيه.
يحزننى أن أسرد ذلك ولا أعتقد أن له علاقة بمستوى التدريس لأن بالذات فى الجامعات العملية مثل الطب يكون التدريس فى الجامعات الحكومية عالياً جداً وأفضل من الخاص، ولكننا للأسف أصبحنا شَعْبَين وللأسف نحن نجنى غزو المدارس الأجنبية منذ زمن بعيد، المشكلة أننا أصبحنا نتمسك بالشكل وليس الكيف, الطالب لا يعنيه التعليم بقدر الحياة الاجتماعية وعدم القدرة على التكيف مع الآخر، والحل فى تصحيح التعليم والارتفاع بمستوى المدارس وتصحيح مفاهيم خاطئة عن انقسام المجتمع، فبعد ثورة 52 المجتمع اشتغل على إذابة الفوارق بين الطبقات وعلى أن بنت الباشا ممكن تحب وتتجوز ابن الجناينى، ونحن نحتاج ثورة لتصحيح مفاهيم المجتمع. •