الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كنوز عمارة التلميذ فؤاد حداد

كنوز عمارة التلميذ فؤاد حداد
كنوز عمارة التلميذ فؤاد حداد


على بعد خطوات من مبنى الإذاعة القديم بشارع الشريفين، فى حى عابدين بوسط القاهرة، ستجذب انتباهك عمارة ضخمة مطلية حديثا، تميزها أربعة أشكال وأنواع من البلكونات.

بلكونات واسعة على ناصية، تزينها الزهور والنباتات الجميلة، وبلكونات أخرى متوسطة المساحة بترابزين معدنى، وثالثة مكونة من برانق، على الطراز الإيطالى، ورابعة صغيرة المساحة، تتسع لشخص واحد، بطراز فرنسى.
وإذا أخذتك قدماك نحو العمارة، ستكون أمام 32 شارع محمد صبرى أبو علم، وستقابلك لوحة من النحاس، مكتوب عليها بالإنجليزية والعربية: عاش هنا الشاعر فؤاد حداد «30 أكتوبر 1927- 1 نوفمبر1985» ممهورة بشعارات محافظة القاهرة والجهاز القومى للتنسيق الحضارى، ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء.
مدخل العمارة ضخم مبهر، بارتفاعه واتساعه ورخامه، يميزه إعلان من القماش معلق على إحدى الحوائط «يوجد هنا شقق للإيجار، الاستعلام: شركة مصر لإدارة الأصول العقارية».
وهنا سيخبرك حارس العمارة، الذى يعمل منذ 4 سنوات فقط، أن أسعار إيجار الشقق تتراوح مابين 5 و6 آلاف جنيه فى الشهر، يوجد بالعمارة شقق يعيش فيها سكانها القدامى بنظام الإيجار القديم، وشقق أخرى تؤجرها الشركة، وأنه لايعلم شيئا عن فؤاد حداد.
الشقق الخمس
«تنقل أبى فى السكن بين خمس عمارات، آخرها فى حى المهندسين، وهدمت العمارة بعد وفاة والدتى وخلوها من السكان، كما عاش فى منطقة الحلمية الجديدة بعد زواجه فى 1956 ثم فى شقة فى حى الإمام الشافعى، ومازال البيت الذى ولد فيه قائما فى شارع الفلكى، على بعد خطوات من شقة صبرى أبو علم» يقول حسن، الابن الأصغر للشاعر فؤاد حداد.
أما شقة شارع صبرى أبو علم، فعاش فيها فؤاد فى الفترة من سنة 1939 -1953 أيام طفولته وحتى التحاقه بالجامعة، ثم اعتقاله فى 1953 وقد اختار جهاز التنسيق الحضارى أن يضع لوحة «عاش هنا» على هذه العمارة، بعد أن عرفوا من أولاده بأمر الشقق الخمس.
يحكى حسن عن جدته، أن شقة صبرى أبو علم، كانت مكونة من 6 غرف، وأولادها الثلاثة، والدى وأخواه كانوا يشغلون غرفتين مفتوحتين على بعضهما، وكان الأب سليم حداد، أستاذا بكلية التجارة جامعة القاهرة، يدرس الرياضة المالية، وهو أول اسم مقيد بكشوف نقابة التجاريين، ومازالت كتبه تدرس إلى الآن.
ورغم الحياة المرفهة التى عاشتها الأسرة الصغيرة، اتجه فؤاد إلى الاهتمام بأحوال الفقراء، وفضل العيش إلى جوارهم، وانخرط فى الحركة الوطنية منذ أوائل الأربعينيات «شقة صبرى أبوعلم شهدت يوميات التلميذ فؤاد بمدرسة الفرير ثم الليسيه، ثم التحاقه بكلية التجارة».
كان يتردد على الشقة، زملاء فؤاد فى الحركة الوطنية: صلاح جاهين وصلاح حافظ وحسن فؤاد، «سميت حسن على اسم حسن فؤاد، لحب والدى له، وقد توفى حسن فؤاد قبل والدى بثلاثة أشهر، مما أثر على والدى، الذى كان يعانى من آثار جلطة بالقلب أصيب بها بعد معاناة عامين من الاكتئاب، فى 1979» يقول حسن.
كتب فؤاد حداد أول دواوينه الشعرية «أحرار وراء القضبان» واحتفل بنشره فى شقة صبرى أبوعلم، وفى شقة الحلمية الجديدة احتفل بميلاد ولديه أمين وسليم، إلى أن وجدت زوجته نفسها غير قادرة على سداد إيجار الشقة، خلال فترات اعتقاله المتعددة، فاستأجرت شقة متواضعة فى حارة كرامة بمنطقة الإمام الشافعى، لتعيش فيها الأسرة من 1964 وحتى مارس 1971.
تأثر فؤاد بمنطقة الإمام الشافعى وأهلها الطيبين وطقوسهم، ومنها المسحراتى، الذى جعله بطل قصائده العامية الشهيرة، «فى شقة الإمام ولدت فى سنة 1965» يكمل حسن، وظل الأب فؤاد والابن حسن مرتبطين بأهل الإمام الشافعى الطيبين، رغم انتقال الأسرة إلى شقة المهندسين، «ومازلت مرتبطا بجيران الإمام الشافعى حتى الآن» ينهى حسن.
دار الثقافة الجديدة
تحت لوحة فؤاد حداد توجد لوحة أخرى لدار نشر الثقافة الجديدة، التى تربى على إصداراتها المئات، إن لم يكن الآلاف من اليساريين بكل أطيافهم من الشيوعيين وحتى الناصريين، حتى تحولت فى الثمانينيات إلى «التقدم المصرية»، تشبيها بدار التقدم السوفيتية التى تصدر بالعربية.
أسسها «أستاذ محمد»، ابن أول رئيس جمهورية مصرى، كما كان يحب المترجم مصطفى الجمال أن يناديه، والرئيس هو يوسف الجندى الذى أعلن جمهورية زفتى خلال ثورة 1919، تحديا للنظام الملكى والاحتلال البريطانى، ولفت أنظار العالم للتأييد الشعبى الكبير الذى يحظى به الزعيم المنفى سعد زغلول.
ابنه محمد مثله، أسس دار الثقافة الجديدة منذ السبعينيات للتحريض على سياسات الانفتاح «السداح مداح»، والقطط السمان، ثم على التكييف الهيكلى وروشتة صندوق النقد والتطبيع مع إسرائيل، ومازالت الدار مستمرة فى نفس الشقة الكبيرة ذات الأثاث المتواضع، ويمكن للقراء والباحثين أن يجدوا فيها كنوزا نادرة من كتب لم تعد تطبع.