الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ست الحسن

ست الحسن
ست الحسن


أنت أقل من العادية لكن «الكبرياء» وحده سيقودك للهاوية.. وستعيشين فى سراب ما بقى لك من عمر!
كلما تستيقظ صباحًا تقضى قرابة النصف ساعة أمام المرآة تتحسس جسدها من الأمام والخلف، ولسان حالها «يا بخت أمه اللى هيتجوزنى».. وتظل تعبث بخصلات شعرها الناعم المسندل على كتفها العارى، وهى تتمتم «والله انتى خسارة فى أى راجل يا هدير».
تنتهى من «الميك آب» الخاص بها وتحرص على أن تظهر خصلة أو أكثر من شعرها.. قبل أن ترمق المرآة بنظرة «إعجاب بنفسها».. وتذهب لاستكمال ارتداء ثيابها
وبينما هى تجهز نفسها للذهاب إلى الجامعة.. إذا بوالدتها تفاتحها فى الحديث الذى لا ينتهى عن «العريس المنتظر».. رغم أنها فشلت مرتين فى الارتباط - لكن رزقها فى الرجالة واسع .
«إيه يا بنتى مش ناوية تفرحينا بيكى بقى.. أخبار زميلك المعيد إيه».. هكذا تحدثت الأم.
ترد بلا مبالاة: والله يا ماما مش عارفة.. فى حد صديق واحدة صاحبتى شافنى مرة وبرضه معجب بيا، غير جارنا اللى ليل نهار بيتنح لما بيشوفنى.. بجد أنا متلخبطة ومش عارفة.. أنا لسه خارجة من تجربة ومحتاجة أرتاح.. أنا بفكر أروح شرم الشيخ كام يوم كده أغير جو.
وفى الطريق تغمض عينها السوداء الواسعة، وهى تفكر ما الذى يخبئه لى القدر؟.. هل أبدأ بتجربة جديدة.. سوف تكون الثالثة.. أنا لم أحب الأول ولا الثانى وقطعاً لن أحب الثالث.. الرجال مكَّارون مخادعون لا يعرفون شيئاً سوى مزاجهم فقط وإن تجملوا بتيجان الشرف والفضيلة والعفة.
«سوف أخلد للراحة بعيدًا عن ضجيج العرسان الذين لا ينتهون.. لماذا لا يتركوننى وشأنى أريد أن استمتع بحياتى.. وبعدين ما هما كده كده قاعدين يعنى هايروحوا فين... أنا لسة حلوة وصغيرة وألف مليون مين يتمنانى» «المهم اختار صح».. طالما مفيش حب، يبقى خلاص أفكر فى مين فيهم يقدر يسعدنى ولو قررت هخليه يتحرق فى نار الشوق شهر ولا حاجة عشان لما أرضى عنه يجى زاحف لحد عندى وساعتها بس هيعرف إنى صعبة المنال ودايما هايبقى تحت وأنا فوق.
«وصلنا يا آنسة».. هكذا قطع صوت أجش أحلامها الوردية لينزعها مما كانت تغوص فيه.. لتنزل من الباص، وتركب تاكسى  لمسكنها الخاص فى شرم الشيخ وهى تمنى نفسها بإجازة خالية من الضغوط..
وفى المساء قررت أن تخرج لتستمتع برائحة اليود الجميلة على ضفاف البحر وهى تشمر بنطالها الضيق ليظهر جزء من قدمها البيضاء كالفضة  الملساء كالبلور وهى.. تتنهد بثقة، وتخلع حذاءها لتشعر بالحرية وحدها.. هى والبحر فقط.
هو وحده من سيستطيع أن يحسم الجدال الذى يستعر داخل رأسها.. بعيدًا عن ضوضاء الآخرين و«زنهم» على العريس حتى تصبح مثل قريناتها.
«أنا لا زيى زى ولا قدى قد».. هكذا تتحدث إلى نفسها وهى تسرح فى عالم لا منتهى وأمامها البحر لا تعرف له لونًا من شدة الظلام.. أنا دكتورة فى الجامعة.. وحلوة.. ومن أسرة هاى كلاس جدًا.. ومش مستعجلة على الجواز.. أنا زهقت من كتر العرسان.. ده واحد من زميلى المعيدين لما عرف أنى هفسخ خطوبتى كان هيرقص عشرة بلدى وواحد تانى عرفت أنه كان بيصلى ليل نهار إنى أفسخ طمعًا إنى أبقى من نصيبه.
هما كده كده قاعدين..
فجأة.. تسمع صوتًا من باطن البحر.. لا تعرف مصدره.. وكأن عقلها الباطن يصرخ فى أذنها «إن قومًا غرَّتهم الأمانى حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم».. ترتجف خائفة وهى تستمع لنفسها دون أن تدرى.
سوف تعيشين حياة أتعس مما تتوقعين.. فمن اعتادت على أن يلتف الرجال حولها.. لن يملأ عينها رجل واحد.. سوف تشعرين بالندم دومًا فى كل عراك معه.. وتحدثين نفسك بأن غيرك لما يكن ليفعل ما يفعله زوجك.. سوف تشعرين أنك «أفضل منه»، وهو شعور لن يقبله رجل شرقى تجرى فى عروقه الكرامة.
لست مميزة فى شىء.. إن كنت جميلة فهناك أجمل منك.. وإن كان جسدك يشبه عارضات الأزياء - فهناك من أروع منك.. وإن كنت معيدة بالجامعة فهناك الآلاف من صنفك.. وإن كنت من مستوى اجتماعى مميز فهناك من هم أميز منك.
أنت أقل من العادية لكن «الكبرياء» وحده هو من سيقودك للهاوية.. لن يرضيك أحد.. ولم يكفك أحد.. ستبحثين دومًا عن الكمال - ولن تجديه - وستعيشين فى سراب ما بقى لك من عمر.
قطار العمر أوشك بك على الثلاثين.. لم يتبق الكثير.. وكلما زاد عمرك قل مريدوك.. كونى أنانية وفكرى فى سعادتك.. لأنك لن تسعدى أبدًا ما لم تسعدى زوجك.
وإذا بالصوت يختفى لتجد أذان الفجر يخترق أذنها فتجرى إلى غرفتها وتهرع للصلاة وهى ترتعش وتدعو الله أن يوفقها إلى كل خير وأن يكفيها شر نفسها.•