الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مذبحة فيجاس.. وهوس السلاح!

مذبحة فيجاس.. وهوس السلاح!
مذبحة فيجاس.. وهوس السلاح!


وحدث ما حدث.. وتحدث من تحدث.. إلا أن الأسئلة الكبرى تبقى كما كانت أسئلة بلا أجوبة حتى الآن.. وبالطبع الحديث متواصل وسوف يستمر من أجل الكشف عن ظروف وملابسات ودوافع مذبحة القتل الجماعى (59 قتيلاً وأكثر من 500 جريح) التى ارتكبت مساء يوم الأحد الأول من أكتوبر 2017 فى لاس فيجاس.. الحادث الأسوأ من نوعه فى تاريخ الولايات المتحدة.

الحدث بتفاصيله الصادمة والمخيفة والمؤلمة صار حديث الساعة وحديث الأيام لأنه مذبحة وجريمة أيًا كانت دوافع مرتكب المذبحة وما سوف تتكشف أكثر خلال الأيام المقبلة. ما قيل وذكر فى الأيام الماضية بالطبع لا يشفى غليل ولا يهدئ من قلق من صدمته الجريمة وأحزنه موت الضحايا وحيره مرتكب الجريمة وبالطبع أغضبه هوس السلاح المنتشر والمتفشى فى أرجاء البلاد.. وأغضبه أيضًا صمت السياسيين الانتهازيين فى مواجهة هوس السلاح وانتشاره وأحيانًا تغوله فى المجتمع الأمريكى.. أسلحة تستخدم فى ساحات الحرب تتواجد وتتراكم فى بيوت بالريف أو المدن.. تتحول فى لحظة ما - بسبب غضب أو انتقام أو ارتباك عقلى ونفسى - إلى أسلحة فتاكة تحصد الأرواح بدون سبب أو مبرر.. سواء أنهم فى تلك اللحظة كانوا فى مرمى النيران.
مرتكب الجريمة ستيفن بادوك.. رجل أبيض مقتدر ماليًا وفى الـ64 من عمره.. وكانت لديه ترسانة أسلحة يصل عدد ما كان يملكه إلى نحو 50 قطعة.. ونحو 20 منها أتى بها إلى الفندق.. وأنا لا أقف هنا أمام دقة الأرقام التى تتباين حولها المعلومات مع مرور الأيام بقدر ما يصدمنى ضخامة عدد الأسلحة وطبيعة استخدامها.. وأيضًا دوافع حرص مرتكب الجريمة على اقتنائها وتخزينها والتوجه بها إلى الفندق - وفى الدور الـ32 - ثم استهدافه لحفل غنائى كان يحضره أكثر من 20 ألف شخص.. ما بدأنا نسمعه ونشاهده ونقرأه منذ وقوع المذبحة معلومات وأرقام وتصريحات وتعليقات تتناول الجريمة من كل زواياها.. بقدر الإمكان. إلا أن ألغازًا عديدة تبقى كما هى أسئلة بلا أجوبة.!! وربما تبقى هكذا إلى أمد طويل مع علامات التعجب!
وكما جرت العادة أمام مثل هذه الأحداث الصادمة فإن وسائل الإعلام تذكرت الضحايا اسمًا اسمًا واحتفت بالحياة التى كانوا يعيشونها والأحلام التى كانت تراودهم.. كما أنها شاطرت أحزان الأسر وأيضًا مشاعر شهود الحادث ومن «اتكتب لهم عمر جديد».. ولم تنس وسائل الإعلام والصحف بالطبع تناول الجريمة بصورتها الشاملة.. ومن طرح الأسئلة وملاحقة القضايا التى تفجرت من جديد بسبب مذبحة فيجاس الأخيرة.. وعلى رأسها هوس الأسلحة وانتشارها فى البلاد.. 300 مليون قطعة سلاح - حسب بعض التقديرات - فى أيدى ملايين من سكان أمريكا.. رجالاً ونساءً .. و«لكى أدافع عن نفسى»  يظل المبرر الرئيسى لمن يريد ويسعى لامتلاك سلاحه الخاص به.. وأحيانًا أكثر من قطعة سلاح.. وهناك قوانين عامة وقوانين محلية تقرر شرعية أو قانونية امتلاك السلاح وترخيصه.. وأمور أخرى إلا أن الهوس بتبعاته الخطيرة ازداد عددًا وتأثيرًا فى السنوات الأخيرة.. صحيفة «نيويورك تايمز» فى افتتاحية مميزة.. بالأرقام والتواريخ فقط.. دون تعليق أو تفسير أو تعقيب أشارت إلى أنه بدءا من 12 يونيو 2016 حيث وقعت واقعة القتل الجماعى فى نادٍ ليلى بأورلاندو قتل فيها 49 شخصا ــ وخلال 477 يومًا (إلى أول أكتوبر الجارى) - حدث 521 حادث إطلاق نار واستهداف جماعى على امتداد البلاد.. ولم يأخذ الكونجرس أى خطوة بشأن هذه الحوادث التى كانت فيها الأسلحة المستخدمة فيها موضع اتهام وتساؤل!
 والجدل السياسى المثار بعد كل حدث مماثل يتكرر.. هل سيقوم الكونجرس بالحد من انتشار السلاح ووضع القوانين المقيدة لهوس امتلاك السلاح أم أن لوبى السلاح - كعادته - له الكلمة الأخيرة لأنه بأمواله ونفوذه السياسى.. والانتهازية المنتشرة للمشاعر الوطنية الأمريكية يستطيع أن يأتى دائمًا بالنائب الجمهورى غالبًا.. وتحديدًا الذى يدافع بشراسة عن حق المواطن الدستورى فى امتلاك السلاح والدفاع عن نفسه.. الحديث أعقد وأشرس من هذا التوصيف بالتأكيد إلا أن طبيعة المناخ السياسى الاستقطابية تدفع إلى أن يتم إهمال هذا الملف الشائك.. والتحدث عن الحالة النفسية والعقلية لمرتكب الجريمة.. أو اتهام هوليوود وأفلام الرعب بها.. أو التحدث عن مخاطر الإرهاب «الإسلامى» مادام آتيًا من الخارج وله أتباع فى الداخل وبالتالى يمكن الدفع بأجندة الحد من تدفق المهاجرين.. والتقليل من زيارة الأجانب وخاصة من بلاد الشرق الأوسط.. مكان تفريخ الإرهاب وتصديره - حسب تعبير بعض المعلقين.
وهنا بالطبع يتساءل المرء: ماذا بعد مذبحة فيجاس؟ ما هى الدروس المستفادة مما حدث ومما عرفنا عن ظروف وملابسات الحادث؟ وهل يمكن للجدل الدائر الآن أن يأتى بتغيير لطبيعة تعامل الكونجرس مع «هوس السلاح» أم أن دائمًا إلقاء اللوم على الطرف الآخر؟!
والهرب من مواجهة الحقائق.. هو السبيل الأسهل والأضمن لتفادى الحقائق ومراجعة الذات.
مدينة الخطايا
فيجاس مسرح القتل الجماعى. وبالتأكيد المذبحة أو المجزرة التى صدمت أمريكا.. أثارت حيرة وتساؤل وغضب الأمريكيين حول الدوافع التى أتت بهذا الفعل الإجرامى والإرهابى إليها.. إلى فيجاس مدينة الخطايا- كما يتم تسميتها.. وترى هل سيؤثر هذا الحادث على الحياة السياحية الرائجة التى تعيشها وتتمتع بها هذه المدينة الصغيرة بسكانها الـ600 ألف شخص فى جنوب شرق ولاية نيفادا. فيجاس الضخمة بشهرتها واقتصادها المبنى على السياحة والسهرات الليلية والكازينوهات وصالات القمار.. والدعارة والمخدرات ـ كما يشدد البعض. نحن نتحدث عن مدينة يبلغ عدد زوارها على مدار السنة نحو 44 مليونا.. ليس هناك أى خطأ مطبعى. نعم 44 مليونا يمضون أياما وليالى تبقى «حلوة» فى الذاكرة وبالتالى تتكرر الزيارات لمن يسعون تمضية أوقات سعيدة وممتعة فى فيجاس. وهناك قول شائع يقول: ما يحدث فى فيجاس يبقى فى فيجاس أى «السر فى البير». لا أحد يعرف ماذا فعلت فى فيجاس؟ والأهم لا أحد سيكشف مع من كنت؟
وما لفت الأنظار فى التغطية الإعلامية للحادث الدموى ظهور هرم وأبو الهول فى الصور والمشاهد.. فقرب مسرح المذبحة يوجد فندق فخم وكازينو الأقصرـ الذى تم افتتاحه 1993 وتكلف 375 مليون دولار وعدد غرفه ألفان و526 غرفة.ـ عندما نتحدث عن اقتصاديات السياحة والبيزنس فى فيجاس الأرقام تقول بأن حجمها يقدر بنحو 60 مليار دولار وهذا يوفر فرص عمل لأكثر من 400 ألف شخص!! •