الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الكابتن أم «الترابىون» محمد صلاح؟

الكابتن أم «الترابىون» محمد صلاح؟
الكابتن أم «الترابىون» محمد صلاح؟


نطلق بحكم العادة وصف (الكابتن) على عدد من أرباب المهن أمثال: محترفو كرة القدم، والطيارون، والضباط فى بعض الأحيان، بل وفى أحيان أخرى ندعو بالكابتن من لم يتبين لنا مهنته فى الأساس. فى الحقيقة، الكابتن لقب ينطبق فقط على من يتقدمون صفوف الرجال لتميزهم وقدراتهم القيادية والمهارية، ويرجع أصلها إلى لقب Centurion  فى الجيوش الرومانية وتعنى (قائد المئة) أى من يقود 100 من الجنود.


الكابتن
يستحق اللاعب المحترف دولياً محمد صلاح لقب الكابتن بلا جدال، فقد أثبت فى المباراة التاريخية لمنتخبنا الوطنى لكرة القدم مع نظيره الكونغولى فى التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018 الجدارة والقدرة على الأداء بالتفانى والانضباط ورباطة الجأش اللازمين لتحقيق النجاح، فى ظل ظروف تتسم بالتوتر المتزايد سواء من اللاعبين والفريق الفنى للمنتخب أو الـ104 ملايين مصرى وفقاً للتعداد الأخير.
استغرق الكابتن ساعة ونصف تقريباً للفوز بقلوب الجميع، فأينما تدور أعينهم القلقة فى أرجاء الملعب يجدوه! نشاطه الملحوظ وخبرته فى التحرك بدون كرة أوحت لنا بأن محمد صلاح هو المنتخب ولاعبوه دون مبالغة. عقب إحرازه الهدف الأول تعلقت الآمال بأن تنتهى المباراة فائزين بهدفنا الوحيد باعتبار أنه كافٍ للتأهل لبطولة العالم، فضلاً عن الحكمة المصرية القائلة «بارك الله فيما رزق». تأبى السماء إلا وتضعنا فى اختبار لا تتجاوز مدته ربع الساعة إلا أنها مرت وكأن على رؤوسنا الطير، فى وسط حالة سادت لدينا جميعاً دون استثناء من الوجوم وفراغ الأفئدة ويأس غير محدود. جاءت لحظة الحصول على ضربة جزاء قبل نهاية الوقت الإضافى من المباراة بدقيقتين لتعيد الرجاء للقلوب، ويتصدى لها الكابتن واثقاً ثابت الجنان لا يبدو عليه الاضطراب، وبأعصاب حديدية يحرز هدف الفوز باقتدار.
ألقاب محمد صلاح
هذه التفاصيل ستظل راسخة فى أذهاننا لسنوات قادمة نستحضرها لاستعادة تلك الأوقات التى جمعت كل المصريين دون استثناء على قلب رجل واحد. أبدعت الأقلام والمنابر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعى فى إطلاق الألقاب على الكابتن محمد صلاح بوصفه المنقذ وصاحب النصر الرياضى للمنتخب الوطنى وللأمة المصرية بأسرها، تحول الكابتن بموجبها إلى بطل قومى ساهم فى ذلك الأجواء الاحتفالية بانتصار السادس من أكتوبر التى لاتزال قائمة. اعتبرته الميديا فى يوم وليلة رمزاً وطنياً كما أسماه معجبوه من شبابنا من متابعى فرق كرة القدم العالمية بل ومن كل الأجيال والطبقات الاجتماعية، لدرجة تلقيبه بالـ Tribune - ترابيون أو الطربون وهو لقب رومانى شهير للشخص الذى توافق عليه أفراد مجتمع ما لحماية مصالحهم - فهو من حقق أحلام المصريين للتأهل للعالمية التى تغازلهم منذ أكثر من ربع قرن. لكن هل كان من الممكن تحقيق هذا الإنجاز الكبير، لو لم يكن الكابتن محمد صلاح لاعباً دولياً محترفاً - وآخرون من لاعبى المنتخب القومى مثل الننى ورمضان صبحى وتريزيجيه - منذ سنوات بالفرق السويسرية والإنجليزية والإيطالية؟ هذا هو السؤال.
تكمن الإجابة شديدة الوضوح فى أن بيئة الاحتراف الدولية صقلت مواهبه الفطرية التى ارتحل بها من بلدته بمحافظة الغربية إلى العاصمة للعب لنادى المقاولون العرب ومنه إلى أوروبا. هذه قاعدة أساسية أدركها شباب هذا الجيل، لم تعد الموهبة تكفى بمفردها بل يجب وضعها موضع التجربة فى المكان الملائم لتقييمها وتنميتها واستخدامها بالطريقة المثلى، وهو ما يعنى لدى غالبيتهم البحث عن النجاح خارج مصر! أى أن تحصل على خاتم أو اعتراف أمريكى، أو أوروبى. لا يمثل الكابتن محمد صلاح نموذج الشاب الموهوب الناجح الشهير فى بلاد الغرب فقط، ولكنه يحوز عدد من الصفات المحببة اجتماعياً والتى ساهمت بصورة كبيرة فى تشكيل الانطباعات عنه ومن ثم صورته الذهنية لدى جمهوره. من الصعب عدم إبداء الإعجاب بذلك النجم العالمى المتواضع دمث الخلق، فهو ينحدر من عائلة بسيطة محافظة كان لها أثر جلى على تنشئته الدينية الملتزمة، فضلاً عن زواجه المبكر عقب بلوغه 21 عاما بفترة وجيزة. يدرك النجم منذ صغره أن مسار التعليم العادى سيعطل مسيرته الرياضية الدءوبة كلاعب ناشئ بنادى المقاولون، فسعى للالتحاق بمدرسة صناعية ببلدته وعقب إنهاء دراسته بها حصل على دبلوم معهد اللاسلكى. يمكننا هنا الوقوف على خلفية الجاذبية التى يتمتع بها الكابتن لدى طيف واسع من الشباب الذين ينظرون إليه كقدوة وصاحب تجربة تعد الأكثر شهرة بأوساطهم حالياً.
سر رقم 74 فى فيورينتينا
يشيد محبو الكابتن بأنه لم يتجاهل رغم كونه فى بلاد الغربة القضايا الرياضية التى كان الشغل الشاغل لجمهور كرة القدم العريض فى بلاده، فتراه يختار رقم 74 لقميصه أثناء لعبه لفريق فيورنتينا الإيطالى للدلالة على دعمه للقضية الأولى لجماهير النادى الأهلى عقب الواقعة المشئومة المعروفة إعلامياً للأسف بمذبحة استاد بورسعيد وخلفت 74 من الضحايا الأبرياء. كما لا يتوانى صلاح عن دعم فريق كرة القدم بمدرسة قريته ويتعهده برعايته ويمول شراء المعدات والتجهيزات الطبية لتطوير مستشفى البلدة، فضلاً عن اصطحابه لأسرته فى الدول التى لعب لنواديها الرياضية وهو ليس مستغرباً،
المواظبة على العبادات
فالكابتن لا يدخن ولا يشرب الكحول ومواظب على أداء العبادات، ومن ثم فهو ليس كغيره من اللاعبين المحترفين خارج بلادهم الذين يقتنون السيارات الرياضية الفارهة وتملأ صورهم فى الحفلات وعلى الشواطئ صحبة الجميلات مجلات المشاهير والفضائح كما جسدته أفلام سينمائية مؤخراً مثل فيلم (العالمى) من بطولة الفنان يوسف الشريف والذى حاول البعض الإشارة لأوجه التشابه بينه وبين الكابتن صلاح، أو فيلم Goal الهوليوودى الذى يقدم نموذج اللاعب الشاب الموهوب والمغمور القادم من المكسيك للعب فى نادى تشيلسى الإنجليزى.
صلاح وتريكة
جذب الإنجاز الكبير للكابتن محاولات حثيثة لربطه بلاعب النادى الأهلى والمنتخب السابق محمد أبوتريكة، بل وتبنت صفحات عدة على موقعى التواصل الاجتماعى فيس بوك وتويترالترويج لحملة مضحكة هدفها عودة اللاعب السابق من اعتزاله وضمه للمنتخب القومى للمشاركة بمباريات كأس العالم القادمة! ودعمت تلك الحملة موقفها باستعراض تاريخ انتصارات اللاعب الذى لقبه أنصاره بأمير القلوب - قبل كشف علاقته التنظيمية بجماعة الإخوان - بدعوى تمتعه بالموهبة والخلق والتواضع على غرار نظيره الكابتن صلاح!! لا يعد ذلك سلوكاً جديداً على المنتمين لتلك الجماعة وسعيهم لإضفاء المثالية الأخلاقية وإبراز الأدوار الاجتماعية والمواقف السياسية للمنتمين لهم من خلال دعاياتهم الزائفة، رغم أنها فى حقيقتها مجرد تكليف والتزام تنظيمى لا يعبر حقيقة عن ثوابت أخلاقية. الأمر الأكثر إثارة للسخرية افتعالهم تصريحات وأفعالا ملفقة تنسب لمحمد صلاح موقفاً عدائياً تجاه إسرائيل خلال إحدى المباريات الدولية، وذلك للإيحاء بتشابه قناعاته مع موقف أبوتريكة الشهير عندما قام برفع شعار تعاطفوا مع غزة.
رغم الالتباس الذى تركته حملة الواقع الافتراضى البائسة وما أثارته وغيرها من شبهات فى قلوب حائرة متطلعة لانتصار قومى جديد تجاه الكابتن محمد صلاح وتركتنا فى حيرة إزاء منحه لقب (الترابيون)، إلا أنه لا يسعنا سوى شكر محمد صلاح ولاعبى فريقنا ومدربيهم وكل من ساهم فى ذلك الإنجاز الذى جعلنا ضمن المحظوظين بمشاهدة منتخبنا فى بطولة كأس العالم للمرة الثانية خلال أعمارنا القصيرة. •


المصادر:
https://www.merriam-webster.com/dictionary/tribune
https://ـwww.youtube.com/watch?v=RuhWk9c2jd4
https://www.youtube.com/watch?v=6DzxnKLqfvA
https://www.youtube.com/watch?v=srYUReTHzug