الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

محمد أفندى رفع العلم


خالد هو.. نشأت وكبرت و... سأشيخ. وسيرته لازالت فى وجدانى.. مصرى.. أسمر.. شامخ كالجبل.. رائق كالنيل.. جميل كالقمر. كما هى فى وجدان كل مصرى، صغار، وكبار، وشيوخ، يحكون عن ملامحه. سماته. كم كان يافعًا، مناضلاً شجاعًا، مقدامًا وفيًا، لا يهاب الموت، عاشقا لتراب الوطن.

 عن رواية جندى مصرى أذهل العالم بجرأته، عن سيرة خير رجال الوطن، عن فخر وتقدير كل مصرى بالباسل محمد أفندى. رافع العلم. رافع راية مصر. راية النصر. راية العزة والكرامة. راية الإيمان بالوطن. بالأرض. بالعرض.  
 القدرة الأسمى  
تمليناك، حين أهل فوق الشاشة البيضاء
وجهك يلثم العلما
وترفعه يداك
لكى يحلق فى مدار الشمس
حر الوجه مقتحما
ولكن كان هذا الوجه يظهر، ثم يختفى
ولم ألمح سوى بسمتك الزهراء والعينين
ولم تعلن لنا الشاشة نعتا لك أو اسما
ولكن كيف كان اسم هنالك يحتويك؟
وأنت فى لحظتك العظمى.
إنه محمد أفندى العباسى. الذى يسأل عنه صلاح عبدالصبور فى قصيدته الرائعة ( ) ابن الشرقية. أحد أبطال حرب السادس من أكتوبر- تشرين الأول، أول جندى مقاتل يعتلى أول نقطة حصينة بخط بارليف ليرفع علم مصر عاليا فى سماء العزة والكرامة.
الهتاف كان. الله أكبر .. تحيا مصر، خير أجناد الأرض يعبرون قناة السويس ويحطمون خط بارليف، يعلنون للعالم انتصارهم، صوت من بعيد يصرخ «ارفع العلم يا عباسى»، وأخيرا جاءت اللحظة التى طال انتظارها، التى من أجلها استمر محمد أفندى العباسى بالجيش أعواما، يخدم وطنه، ويتوق إلى الانتقام.
بطل
صغيرا يسمع حكايات أجداده منصتا ومندهشا، يروون له بطولة شعب، ظل يقاوم، عن أى شعب نتحدث؟! عن أى بطولة نروي؟!، إنها بطولة شعب الشرقية فى مواجهة الاحتلال الإنجليزى، مسقط رأس محمد العباسى، على قصص النضال والمقاومة لأهل مدينته نشأ، نضج وحلمه أن يصبح أحد المقاومين، بطلا، رمزا يحكى عنه. يروى جيل بعد جيل سيرته، يتخذونه قدوة لمصرى أحب الوطن حبا جما.
كانت البداية فى عام 1967، عندما تم استدعاء محمد محمد عبدالسلام العباسى لأداء الخدمة العسكرية، واصطدم ابن الشرقية بالنكسة. الأصعب فى تاريخ مصر وشعبها، القلوب تنزف من مرارة الهزيمة، الوجوه غاضبة، بائسة، مهزومة. العيون تطوق شغفا لعبور الشاطئ الآخر، العقول تحلم بالشمس.
إلى الإسماعيلية ذهب، على موعد مع أعوام من التدريب والاستعداد للمعركة، كان ابن (القرين) معروفا بشجاعته، وإصراره على النيل من عدوه وعدو كل مصرى، فقد شهدت مدة خدمته العديد من العمليات الفدائية الناجحة، ففى عام 1970 خاض محمد أفندي مهامه الوطنية ضد العدو، فعبر قناة السويس فى سكون الليل وعتمته. كان برفقة زملائه ودمروا إحدى دوريات العدو الإسرائيلى وبثلاثة جنود. عادوا بهم أسرى.
النصر
فى السادس من أكتوبر عام 1973، العاشر من رمضان عام 1393 كان الجيش المصرى على موعد مع النصر، فقد حانت ساعة الصفر، فإذا به فى طليعة المتقدمين فى الصفوف، متجها وزملاؤه لساحة النصر، لا يخشون الموت، الانتصار حق، الاستشهاد حق، النصر بات حتميا، قريبا، ينقصه العبور، وتنتصر مصر. الله أكبر.. كان الهتاف. كان الصراخ. كانت أيقونة النصر.
 قائد الكتيبة يقول: «ارفع العلم يا عباسى»، محمد أفندى. رفع العلم. تلك اللحظة. تلك الوقفة. ذلك الشموخ. تري؟ كيف كانت الشمس ساعتها. كيف كانت السماء. كيف كانت الجوامع. الكنائس. الشوارع. الجدران. البيوت الطيبة. الحقول. المصانع. المدارس. كيف كان الناس؟
منذ تلك اللحظة الخالدة. محمد محمد عبد السلام العباسى أول جندى مصرى يرفع علم مصر على خط بارليف.
المشهد الأعظم
عاد «البطل».
هكذا لقبه أهل قرية القرين، الدنيا فى استقباله، فى وجوههم فخر، امتنان، يهللون، فرحة بعودة ابن قريتهم الهمام، يرددون محمد أفندى رفعنا العلم.
أربعة وأربعون عاما مضت ولا يزال هذا المشهد، الأعظم فى تاريخ حرب الكرامة، حرب أكتوبر المجيدة، الجندى المصرى محمد أفندى يرفع علم مصر عاليا، ليحلق فى مدار الشمس وانتصرت مصر.