الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هل تذكرون أول طفلة أنابيب فى العالم؟

هل تذكرون أول طفلة أنابيب فى العالم؟
هل تذكرون أول طفلة أنابيب فى العالم؟


خبر غريب تناقلته صحف بريطانيا فتح أبواب الحديث من جديد عن لويز براون.. هل تذكرون لويز براون؟
إنها الطفلة الوحيدة فى التاريخ التى رصدت لحظة ميلادها كل وسائل الإعلام فى العالم.. لماذا؟
لأنها كانت أول إنسان يولد بتقنية التخصيب الاصطناعى.. أول طفلة أنابيب، والخبر يقول: إن سلطات التأمين الصحى فى مقاطعة كامبريدج - حيث تمت ولادة الطفلة المعجزة لويز براون قبل نحو أربعين عاما - قررت إلغاء حق توفير علاجات التخصيب الاصطناعى بالمجان للنساء وأثار القرار استهجان وسخرية واعتراض أطراف عديدة.. كما أثار ذكريات الثورة الطبية التى أحدثها ما توصل إليه اثنان من علماء الطب والفيزياء من إمكان حدوث التخصيب والولادة خارج الجسم، بعد أبحاث استغرقت نحو عشر سنوات، وهما البروفيسور روبرت إدواردز والدكتور باتريك ستيبتو, المناقشات والجدل حول القرار الذى اتخذ بهدف توفير ما قدره 700  ألف جنيه استرلينى لمواجهة العجز فى ميزانيات السلطة الصحية فى المقاطعة، أعادا تذكير الناس بحكاية أول طفلة أنابيب فى العالم التى احتفلت فى يوليو الماضى بعيد ميلادها التاسع والثلاثين.
واحد فى المليون!
وكان والداها قد أمضيا تسع سنوات فى محاولات سابقة، فاشلة لمعالجة مشاكل خصوبة تمنعهما من أن يكون لهما أبناء وبنات.. إلى أن أحيلا إلى عيادة «بورن هال» حيث أجرى العالمان الرائدان تجربتهما التى كتب لها النجاح على الرغم من أنهما أخطرا الزوجين أنها مغامرة طبية غير مسبوقة وحذراهما من أن نجاح عملية التخصيب الاصطناعى بالتقنية التى وضعاها، غير مضمون ونسبته واحد فى المليون!.. لكن الزوجين كانا يتطلعان لأن يكونا والدين، وطال انتظارهما للمعجزة.. فقررا الموافقة على خوض هذه المغامرة.. ومع أن البروفيسور إدواردز قرر بالاتفاق مع زميله الدكتور ستيبتو، أن يتم كل شىء فى سرية تامة، وأخطرا الزوجين بأهمية التكتم على الأمر حتى يتيسر تحقيق النجاح للمحاولة الرائدة بعيدا عن إزعاج أى طرف، وخاصة الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، إلا أن الزوجة التى أدهشها أنها بعد فترة أصبحت حاملا، لم تتمكن من حفظ سرها الذى شاع فراحت الصحف ومحطات التليفزيون تتابع تطوراته وأصبحت المنطقة التى تقع فيها المستشفى فى كامبريدج مثل عش الدبابير، مراسلون ومصورون وفرق تليفزيونية كاملة بمعدات الصوت والصورة تحاصر المكان وتتابع التطورات وتنتظر فى ترقب مثير اللحظة الحاسمة، وفكرالبروفيسور إدواردز الذى ضاق بهذه الأجواء والوجوه النهمة لرصد اللحظة التاريخية والمطاردات الصحفية والأسئلة الغريبة، أن عليه التمويه على كل هؤلاء الذين يتتبعون حركته طوال الوقت، فقام قبل إجراء العملية بفترة قصيرة بالخروج من العيادة متجها نحو سيارته المرسيدس البيضاء متحركا بها للخارج، بما يوحى لحشد الصحفيين وطواقم التليفزيون بأن يوم العمل انتهى وأن الرجل فى طريقه إلى البيت.
و«خالت» الحيلة على عدد كبير منهم، لكن آخرين استمروا فى التواجد حول المستشفى، ليس لثقتهم فى أن العملية موعدها اليوم، ولكن لأنهم قادمون من مناطق بعيدة ومقيمون فى فنادق قريبة!
وعندما عاد رائد التخصيب الاصطناعى بسيارته بعد قليل، كان أكبر عدد ممكن من رجال الصحافة والإعلام قد ظهروا فجأة من حيث لا يدرى.
 طفلة بلا أنابيب!
وعلى الرغم من أن الصحافة وجميع وسائل الإعلام فى العالم قد أطلقت على العملية «طفل الأنابيب» فالحقيقة هى أن العملية لم تتم فى أنابيب على الإطلاق!
هى عملية تخصيب خارج الرحم وخارج جسم الأم، فقد تم سحب البويضة من رحم الأم، وتخصيبها بحيوان منوى من الأب فى المعمل بوضعهما فى وعاء زجاجى من أوعية التجارب المعملية وليس أنبوباً، قبل إعادة زرعهما فى رحم الأم، وبعد فترة الحمل، التى أمضتها الأم فى بيتها، عادت إلى المستشفى وأجريت لها عملية قيصرية تمت خلالها ولادة الطفلة المعجزة لويز.
والطريف أنه بعد أربع سنوات عاد الزوجان والدا لويز لإجراء عملية تخصيب أخرى ولدت من خلالها أختها الأصغر «ناتالى».
6ملايين «لويز»!
ورغم الترحيب الشديد بمعجزة القضاء على العقم بعمليات التخصيب الاصطناعى التى ترتب عليها ميلاد نحو ستة ملايين طفل وطفلة حول العالم، ورغم آلاف الخطابات والهدايا التى تلقتها أم لويز بعد الولادة التى علم بها العالم على الفور، ومنها خطابات كثيرة من نساء من مختلف أنحاء العالم يحلمن باليوم الذى يصبحن فيه أمهات، ويعبرن عن سعادتهن بأن أحلامهن ستتحقق بعد معجزة لويز براون، فقد تلقت الأم أيضا خطابات ورسائل وطروداً تنطوى على رفض لما جرى وتتضمن حملة كراهية لها ولزوجها وللعالمين صاحبا المبادرة الطبية وتهديد ووعيد.
وعلى جانب آخر كان هناك  من يعارضون الفكرة من الأساس على اعتبار أنها تدخل فى إرادة الله و«تصنيع» للمواليد وكانت هناك أيضا منظمات تعلن معارضتها للتقنية الجديدة وتتهمها بأنها تسهل تحويل النساء إلى مصانع لإنتاج الأطفال (قال ذلك فى تصريح للصحافة رجل الدين الذى أصبح فيما بعد «البابا يوحنا السادس» وإن كان قد وجد العذر وقتها للزوجين المتطلعين لأن يكونا والدين).
وفى بريطانيا منظمة خيرية لرعاية الأمومة ومنع الإجهاض اسمها «حياة» ومن مهامها توفير الرعاية والعلاج للمصابات بأعراض تعطل فرصهن فى الإنجاب، لكن هذه المنظمة وهى جمعية خيرية، أعلنت على لسان مديرتها «ناولا سكاريس بريك» اعتراضها على تقنية التخصيب الاصطناعى لأنها فى سبيل الحصول على عملية تخصيب واحدة صحيحة تقتل عشرات وربما أكثر من البويضات والحيوانات المنوية لتكتفى ببويضة واحدة وحيوان منوى واحد وترى فى هذا قتلا لمخلوق ليس من حق أحد قتله أو حرمانه من الحياة لو سارت الأمور مسارها الطبيعى وليس الاصطناعى.
ومع تطور تقنيات التخصيب تمت معالجة مشكلة البويضات والمنى الزائدة التى لم تستخدم فى العملية، فقد تمكن التقدم العلمى من التوصل فى عام 1983، لتقنية تجميد البويضات والمنى وتخزينها لاستعمالها فى عمليات تخصيب وولادة فى مرحلة تالية، وهو ما حدث لأول مرة مع زوجين فى أمريكا حيث تمكنا من إنجاب طفلهما الثانى من بويضة فائضة ومجمدة بعد الولادة السابقة
عالم الأحياء نال نوبل فى الطب
  ومن جهة أخرى حصل البروفيسور روبرت ادواردز رائد التخصيب الاصطناعى على جائزة نوبل فى الطب عام 2010.
والطريف فى أمر الجائزة المرموقة عالميا هو أن الرجل ليس طبيبا ولا أستاذا للطب، فهو عالم بيولوجيا، أى فى علوم الأحياء!
وقد حافظ على صلته بعائلة براون طوال حياته وكانت لويز تعتبره عما - إضافيا - لها، كما قالت فى مذكراتها التى كتبتها ونشرتها منذ سنتين بمساعدة أحد الصحفيين.
وكان ما يخشاه البروفيسور إدواردز هو ألا تستطيع لويز وأى من أطفال الأنابيب الإنجاب بشكل طبيعى وهو الخوف الذى بددته الأخت الأصغر للويز واسمها ناتالى التى تحتل رقم 40 فى قائمة الأجنة الذين ولدوا نتيجة التخصيب الاصطناعى، حيث أنجبت بشكل طبيعى عام 1999 وأصبحت أما لطفلين. أما لويز نفسها فقد تزوجت وأنجبت هى الأخرى طفلين وكانت هذه الولادات كلها طبيعية وبدون الحاجة إلى التخصيب الاصطناعى!
والآن قد يتساءل الناس: ماذا عن لويز براون التى احتفلت بعيد ميلادها التاسع والثلاثين؟.. وتجيب الصحف التى أعادت تذكيرنا بالطفلة المعجزة أنها تعيش فى مدينة بريستول وعملت فى وظائف مختلفة منها رعاية الأطفال فى دار حضانة وأخيرا موظفة فى البريد توزع الرسائل على البيوت والمكاتب! •