الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إخوان بورما صراع «الجيوبولتيك» الأمريكى الصينى

إخوان بورما صراع «الجيوبولتيك» الأمريكى الصينى
إخوان بورما صراع «الجيوبولتيك» الأمريكى الصينى


فى 31 أكتوبر 2009 شرعت مؤسسة النفط الوطنية الصينية فى بناء رصيف ميناء لرسو قوارب العمل فى «مادكيون» فى الولاية الغربية كخطوة أولى فى مشروعها لتشييد خط أنابيب غاز برى يبدأ من ولاية راخين فى ميانمار إلى يونان الصينية بهدف بناء خط أنابيب برى كوسيلة لتوفير غاز طبيعى من حقول قبالة سواحل ميانمار مباشرة إلى إقليمها الجنوبى يونان.

وليس سراً أن الصين تستورد نحو 80% من إمداداتها للطاقة عن طريق مضيق ملقا الذى يربط بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الأندونيسية، ومع اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية لوضع ثلاثة أرباع سفنها الحربية فى منطقتى المحيط الهادئ والمنطقة الهندوآسيوية للمحيط الهادى ومن ثم بات المضيق تحت سيطرتها، فقد اتجهت الصين لتأمين طرق بديلة فى حالة تعرض امدادات نقل الطاقة عبر خليج ملقا لأى سوء عن طريق مد خطوط أنابيب بين الصين وميانمار بتكلفة لا تتجاوز 2 مليار دولار واختصار 1200 كيلو متر ما يوفر الوقت بمقدار 30%.
ودعمت الصين حكومة ميانمار على التخطيط لبناء منطقة «كيافوك فيو» الاقتصادية الخاصة فى ولاية راخين غرب ميانمار، والتى تشمل ميناء بعمق 16 مترا لاستيعاب الحاويات ومنطقة صناعية على مساحة 1500 هكتار بجزيرة يانبياى بتكلفة مبدئية تتجاوز 200 مليون دولار. 
وفى أبريل الماضى اكتمل مشروع خط الأنابيب بطول 2806 كيلو مترات والذى ربط ميناء ميانمار بولاية راخين (أراكان سابقًا) مع أكبر مركز صناعى بمدينة كونمينغ بمقاطعة يونان فى الجنوب الأوسط للصين، ويسمح هذا الممر لواردات الصين من النفط الخام القادم من الشرق الأوسط، العبور إلى الصين بنحو 400 ألف برميل نفط يوميًّا، بعيدًا عن الطريق البحرى المار عبر مضيق ملقا، وبلغت قدرة النقل المصممة لخط أنابيب النفط الخام (22 مليون طن) سنويا، فى حين تبلغ قدرة النقل لخط أنابيب الغاز الطبيعى (12 مليار متر مكعب) سنويا، أى ما يمثل (28%) من واردات الصين من الغاز.
وأغرت الصين ميانمار للتوقيع على العقود بالحصول على مليونى طن من النفط الخام و(20%) من الغاز الطبيعى، فضلا عن ضخ 25 مليون دولار كاستثمارات فى البنية الاجتماعية والتعليمية فى بورما، يُعد الممر الاقتصادى (الصين - بورما)، مثالا للتعاون الاقتصادى بين الصين والدول المشاركة على مسارات طريق الحرير، ويمثل مع الممرين الاقتصاديين (الصين - باكستان)  و(الصين - روسيا) والممر الصينى فى اتجاه وسط آسيا، العنوان الرئيسى لمشروع القرن الآوراسى الجديد، ويشير خبراء إلى  أن الصين لا تهدف للمكاسب الاقتصادية فقط، وإنما تسعى لتعزيز تواجدها الاستراتيجى فى المياه العميقة للمحيط الهندى بعد أن كانت دولة حبيسة على المحيط الهادئ، إذ وجدت بكين شاطئًا جديدًا عبر هذا الممر، يوفر للمقاطعات النائية فى الجنوب الأوسط منفذًا بحريًّا لها على المحيط الهندى، حيث يسعى التنين الصينى بخطى ثابتة لتغيير الخريطة الجيوسياسية على رقعة الآوراسيا.
 وقديمًا كانت تعتبر بورما هى النافذة الوحيدة للمياه الدافئة للوصول للصين، وقد استخدمتها أمريكا لتسليح الصين فى حربها مع اليابان عام 1938، أما اليوم فبورما لديها احتياطى نفطى يقدر بـ3.2 مليار برميل، و18 تريليون قدم مكعب من الغاز على أقل تقدير، وينطبق الأمر نفسه على إقليم تركستان الشرقية المعروف باسم (شينج يانج)، حيث يمر منه طريق الحرير إلى القوقاز ووسط آسيا، كما يربط غرب الصين بمنابع النفط فى الخليج العربى عن طريق ممر يربط ميناء جوادر الباكستانى (الواقع على بحر العرب قرب الخليج العربي)، الأمر الذى يختصر الوقت ويفتح الطريق لممرات نفطية بديلة للممرات فى جنوب آسيا (مضيق ملقا) التى يسيطر عليها الأسطول الأمريكي؛ كما تربط تركستان الشرقية الصين بحدود 6 دول والتى تشمل كلا من روسيا وكازاخستان وأفغانستان وباكستان وطاجيكستان وقيرغستان، حيث يعتبر ذلك الإقليم هو منفذ الصين إلى دول القوقاز ومعبر لطريق الحرير من غرب الصين إلى روسيا وأوروبا بعد ذلك.
وقد برزت أهمية الموقع الاستراتيجى لساحل ميانمار ذى الأغلبية المسلمة عقب الحصار الأمريكى على بحر الصين الجنوبي؛ حيث تم زيادة نسبة الأساطيل الأمريكية فى بحر الصين الجنوبى من 50% إلى 60 % عام 2011 سعياً لكبح جماح العملاق الصينى ومنعه من السيطرة على التجارة العالمية والتنقيب فى بحر الصين الجنوبى.
واستغلت الولايات المتحدة صراع الفلبين وتايوان وماليزيا وفيتنام وبروناى مع الصين، حيث يتهمونها بمحاولة الاستيلاء على الثروة النفطية المرصودة جيولوجيا فى أعماق ذلك البحر، ما حدا بالولايات المتحدة إلى إقامة علاقات استراتيجية وعسكرية مع تلك الدول ووضع قوات عسكرية فى مضيق ملقا، الذى يعتبر الشريان الرئيسى لتجارة الصين مع أفريقيا والخليج العربى وأوروبا أيضًا، كوسيلة للضغط على الصين ومنعها من ابتلاع ثروات جنوب آسيا النفطية، كما قامت أمريكا باحتلال أفغانستان عام 2002 لمحاولة حصار الصين من جهة الغرب ومنعها من التواصل مع الدول التى اكتشف كميات كبيرة من الغاز فيها، مثل تركمنستان وإيران، فبالإضافة إلى التبعية السياسية للهند وباكستان لأمريكا، قامت الأخيرة بإقامة قواعد عسكرية فى أفغانستان وأوزباكستان وتركمنستان وطاجاكستان وقيرغستان حيث تقع القاعدة القيرغية غرب الحدود الصينية بـ 480 كيلو متراً، حيث مركز التجارب النووية الصينية فى غرب تركستان.
ومن جانبها أطلقت الصين فكرة طريق الحرير بشقيه البرى والبحرى عام 2012 الذى يربط الصين بريا مع دول وسط وغرب آسيا وصولًا إلى قرب أوروبا، مستغلة تطور تكنولوجيا القطارات فائقة السرعة، ومتماشية مع رغبة روسيا لتفكيك الاتحاد الأوروبى والاستبدال به اتحاد أورأسيوى، ويضم طريق الحرير سلسلة ممرات بحرية بديلة وخطوط سكك حديد وأنابيب لنقل النفط من الخليج العربى إلى غرب الصين فى إقليم تركستان مرورا بكازاخستان، كما يرتبط جنوب الصين بالمحيط الهندى بخط أنابيب من ساحل إقليم أراكان على المحيط الهندى الذى يسكنه عرقية الروهينجا ذات الأغلبية المسلمة، دون المرور بمضيق ملقا الذى تسيطر عليه البحرية الأمريكية، ويتفرع طريق الحرير لعدة أفرع استراتيجية تربط غرب الصين (تركستان الشرقية) بالخليج العربي؛ عن طريق الممر الباكستانى الذى يربط الصين بميناء جوادر الباكستانى المطل على بحر العرب قريبًا من الخليج العربى حيث إمدادات النفط، حيث نجحت الصين فى استغلال الخلافات الهندية مع كل من الصين وباكستان وقامت باستقطاب باكستان اقتصاديا، وأصبحت باكستان خارج المظلة الأمريكية.
كما قامت الصين بتوسيع الشراكة الاقتصادية مع بورما للاستفادة من منافذها البحرية لتأمين التدفقات النفطية للصين عبر خليج البنغال فى حال فرض حصار اقتصادى على منطقة بحر الصين، ومن ثم سعت لتطوير ميناء بحرى عميق وخط لأنابيب النفط وشبكة للنقل السريع تمتد من خليج البنغال إلى حدود بورما والصين فى الشمال.
وانتهى التنين الصينى من إنشاء مشروع طريق سريع ضخم عبر التضاريس الجبلية لدولة لاوس، إحدى الدول المحيطة ببورما، يربط الصين بشمال شرق تايلاند، كما تقوم الصين وتايلاند ولاوس بتشييد خط سكة حديد يربط هذه الدول الثلاث لتشكل ما يشبه الإقليم الاقتصادى المتحد.
وتخشى الصين من أن يقوم الغرب بدعم المسلمين فى غرب بورما ودفعهم للحكم الذاتى أو الاستقلال كما حدث مع دول عدة مثل تيمور الشرقية، حيث يقوم الجيش البورمى بإيعاز من الحكومة الصينية بتحفيز الرهبان البوذيين المتخوفين من تحويل بورما إلى دولة إسلامية كما حدث فى إندونيسيا وماليزيا، فيقومون بطرد المسلمين من إقليم أراكان المسلم وإعادة توطينه بسكان من أصول بوذية، كما قامت السلطات العسكرية فى السابق بنزع الجنسية من السكان المسلمين والتعامل معهم بصفتهم مهاجرين أو لاجئين ومنعوهم من التصويت فى الانتخابات الأخيرة، ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لتركستان الشرقية، حيث تقوم الصين بتصيين تركستان الشرقية عن طريق نقل الملايين من عرق الهان الصينى وتوطينه فى غرب الصين لتحويل مسلمى تركستان إلى أقلية، بعدما فشلت فى صهرهم مجتمعيًا.
ويمثل الموقع الاستراتيجى لتركستان الشرقية أهمية قصوى فى الربط البرى بين دول آسيا وأوروبا لاحقًا فى إطار مشروع طريق الحرير كوسيلة لإيجاد طرق متنوعة وبديلة للتجارة الصينية، حيث يتم مرور 90% من تجارة الصين عبر البحر الذى تسيطر عليه سفن الأسطول الأمريكي؛ مما يجعلها عرضه لأى مضايقات فى المستقبل.
وفى المقابل، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لاستغلال عمليات التهجير العرقى خارج البلاد، ضد مسلمى ولاية راخين ذى العرق البنغالى (الروهينجا)، للسيطرة على خطوط أنابيب الطاقة بولاية راخين، ومن ثم قطع أواصر الممر الاقتصادى (الصين - بورما)، وبالفعل وجدت ضالتها فى جماعة الإخوان، التى جيشت كوادرها وقنواتها الفضائية «التركية والقطرية» لشن حرب إعلامية واسعة على حكومة ميانمار.
والحقيقة أن هناك بالفعل اضطهاداً من قبل البوذيين والجيش فى بورما تجاه الأقليات من مسلمى بورما وخاصة ولاية راخين إلا أن التصعيد الإخوانى مؤخراً جاء بعد أن حصل التنظيم الدولى على الضوء الأخضر من البيت الأبيض، حيث بدأ الاضطهاد منذ رفض حكومة ميانمار منح المسلمين الجنسية أو الاعتراف بهم حيث جاءوا إلى البلاد كمهاجرين من بنجلاديش والهند بعد استقلال البلاد عن بريطانيا عام 1948 وفى أعقاب ذلك تم تشكيل ميليشيات تطالب بانفصال ولاية راخين عن البلاد، ورغم نجاح الحكومة العسكرية +فى بورما فى وأد هذه الحركة عام 1962 إلا أنهم تجمعوا مرة أخرى فى العام 2012 واستمر الحشد حتى تم تشكيل ما يسمى بـ «جيش إنقاذ الروهينجا فى أراكان» العام الماضى، والذى أعلن المواجهات المسلحة مع الجيش البورمى. •