فى مولد العذراء: لماذا اختفى جسد مريم؟
ابتسام كامل وريشة الفنان كريم عبد الملاك
«أحمر يا بلح، أصفر يا ليمون. وسبانى حبك، يا فخر الرتب، موسى رآكى يا مريم، عجب من عجب والصلبان تضوى يا مريم، والأكاليل دهب» .. و«ياليلة بيضة ونهار سلطانى .. مدحك يامريم يخزى الشيطاني».. و«على باب ست العدراء» مدائح شعبية اعتاد الزوار من المسيحيين والمسلمين أن يرددوها فى مثل هذه الأيام، وبالتحديد فى 21 أغسطس من كل عام فى مولد الاحتفال بعيد العذراء فى دير درنكة بأسيوط، ومسطرد بالقاهرة، وجبل الطير بالمنيا، بالتوافق مع احتفال الكنيسة الأرثوذكسية بانتقال جسد العذراء للسماء، بعد صيام دام 15 يوما (تسبقهم الطائفة الكاثوليكية فى الصيام والاحتفال بأسبوع).
الاحتفال بمولد العذراء واحد من 2850 مولدا شعبيا يحتفل به المصريون، بحسب الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، استمرارا لفكرة المولد التى عرفها قدماء المصريين.
فى إحدى المرات القليلة التى يذكر الإنجيل أقوالا عن العذراء، يخبرنا إنجيل لوقا أنها تنبأت عن نفسها قائلة «هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني» لو1/48 .. وهو ما تحقق بالفعل، فهى الحمامة الحسناء، وعليقة موسى، والسماء الثانية، وهى سلم يعقوب، وغيرها من الألقاب التى تشير إلى مكانة هذه المرأة التى لم تكرمها المسيحية فقط، بل إن القرآن الكريم ذكرها فى 6 مواضع تؤكد مكانتها وقيمتها، ففى سورة آل عمران 41: «يا مريم إن الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين».. فليس غريبا إذن أن يصعب التمييز بين المسلمين والمسيحيين من المترددين على موالد العذراء؛ يأتى الجميع كل بأشواقه وطلباته.. وبحكاياته ومعجزاته. مثل حكاية فاطمة التى اشتهرت بعشقها لمريم منذ طفولتها، وتمنت أن يمن الله عليها بالشفاء من شللها الرباعى عن طريقها.. وإذا بمنزل مريم ينقلب رأسا على عقب فرحا وانبهارا فى منتصف إحدى ليالى الشتاء منذ عدة سنوات، إذ جاءت مريم فى صورة بيضاء نورانية ولمست جسد فاطمة وشفتها، وكل ما طلبته منها هو أن تزورها فى ديرها بدرنكة.. حيث المغارة الكبرى، آخر موقع أقامت به العائلة المقدسة فى مصر؛ هربا من اضطهاد اليهود.
وجرجس الترزى الذى كان يعول 6 أطفال وفجأة أصيب بالعمى، وكان مؤمنا أن مريم ستشفيه بمجرد أن يلمس موكب الأنبا ميخائيل- مطران أسيوط الراحل- وهو يزف صورة مريم الحنونة.. وهو ما حدث بالفعل، حيث كان له بحسب إيمانه كما قال السيد المسيح.. وغيرها آلاف القصص والحكايات التى تحتويها ملفات الدير وكتب معجزات العذراء.
• أين جسدها وقبرها؟
يجيء الاحتفال ليجيب على واحد من أهم أسئلة العالم: أين قبر العذراء وجسدها؟ فوفقا لما جاء بكتب الآباء الأوائل، وبحسب أقوال القديس كيرلس البابا الإسكندرى والبابا ثاوفليس الـ 23 وحسب ما ورد فى كتاب الأحداث اليومية للكنيسة (السنكسار): ماتت السيدة العذراء مريم فى عمر 58 سنة و8 شهور و16 يوما.
ونقلا عن القديس كيرلس: جاء السيد المسيح مع الملائكة وأعلمها بالسعادة التى أعدت لها قبلما تسلم روحها بين يديه.. وبينما استعد الرسل لدفن جسدها اعترضهم بعض اليهود، وأمسك أحدهم بالتابوت فانفصلت يداه من جسمه وبقيتا معلقتين بالنعش حتى ندم متوسلا للرسل فعادت يده إلى جسمه ثانيا.. فوضعوا جسدها الطاهر فى تابوت من خشب وأغلقوه ووضعوه فى صخرة، وأغلقوها، واستعدوا للرحيل لكنهم فوجئوا بصوت تسبيح الملائكة، ما جعلهم يقيمون هناك لمدة 3 أيام حتى توقف التسبيح وانصرفوا.
• توما الشكاك.. وعيد انتقال العذراء
فى ذلك الوقت لم يكن معهم «توما» الرسول المعروف بالشكاك، والذى بحسب إيمان المسيحيين.. يقال إنه اشترط أن يلمس ويرى بنفسه كل ما قيل عن قيامة المسيح، حتى تحقق له ما أراد! ففى وقت وفاة العذراء كان هو فى الهند يبشر.. فظهر له السيد المسيح ليرى بنفسه صعود جسد العذراء، فرآه وقبله! ويقال إنه بعد عودته لأورشليم سأل الرسل عن جسد العذراء مؤكدا أنه لن يصدق بخبر موتها إلا حينما يرى قبرها ويفتحه بنفسه! وبالفعل ذهبوا جميعا وفتحوا القبر وكانت المفاجأة أن القبر فارغ! فدهشوا وخافوا أن يكون اليهود سرقوه، وهنا قام «توما» بطمأنتهم وعرفهم أنه شاهد صعود جسدها إلى السماء - وهنا سمع التلاميذ صوتًا من السماء يخبرهم أن الله كرم جسدها الطاهر ولم يدعه فى الأرض.. فصلى الرسل لكى يريهم الرب جسدها وصاموا إلى اليوم 16 من مسرى الموافق أغسطس حيث سمح لهم الله برؤيتها فى السماء مثلما رآها توما، فآمنوا وصدقوا وبشروا الخبر بين جميع الناس. وهكذا صارت الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية تحتفل بهذا العيد الذى أطقلت عليه عيد صعود وبالأحرى.. عيد انتقال جسد العذراء من الأرض الفاسدة للسماء المقدسة.. حتى يوم القيامة!•