الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مدينتى الفاضلة متى تخلع الدولة ثياب الحداد على الشهداء؟

مدينتى الفاضلة متى تخلع الدولة ثياب الحداد على الشهداء؟
مدينتى الفاضلة متى تخلع الدولة ثياب الحداد على الشهداء؟


على رصيف محطة السكة الحديد، احتشدت طوابير المصريين للفوز بتذكرة سفر لابد منه.. سفر لحياة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. الأغنياء والمختارون من الشباب فازوا بتذكرة فى القطار المكيف للتنمية المستدامة.. والغلابة انحشروا مضطرين فى القطار المتهالك.. وحقنًا لحالة الخوف والتذمر, خرج رئيس هيئة السكة الحديد يبشر الركاب بأن القطارين الجديد والقديم سيصلان معا إلى المرفأ.. إلى المدينة الفاضلة..
 وطالب الغلابة بالصبر واحتمال مشاق السفر كام سنة تانى.. وخرج القطاران على نفس القضبان يسابقان الزمن للوصول للهدف.. لكن القطار الفاخر توقف مضطرا لحظة انفصاله عن القضبان القديمة، ليقفز إلى المستقبل المنشود.. وقفته طالت حتى لحقه القطار المتهالك مندفعا مترنحا، فتصادما صداما مروعا.. وتناثرت أشلاء الطرفين.
قطار التنمية يحقق إنجازات طرق، ومساكن، وعاصمة إدارية جارى تنفيذ مشروع قطار مكهرب لها بالمشاركة مع الصين، على مرحلتين تنتهى الأولى بعد ستة أشهر فقط! يصل العاصمة الإدارية بالسلام والعاشر من رمضان.. وهو قطار بديع يتمتع بإدارة حديثة، ومزود بكل ضمانات السلامة.. تدفعه توجيهات الرئيس وتراقبه وتصفق له أجهزة الدولة، وتتحكم فى إدارته بلوحة تحكم لمنع الحوادث، والفساد، منفصل عن هيئة السكة الحديد الفاشلة.
أما قطار الغلابة الحالمين بالشاطئ والبحر والنسيم، المحشورين فى عربات عارية، تمخض فى تراب الطريق، تخضع لإشارة عامل تحويلة يفوقها بؤسا.. فوصل إلى مصيره، وتناثر حلمه، وارتاح الغلابة عند رب كريم.
سكة حديد مصر هى أقدم ثانى سكة حديد فى العالم، ومازالت تدار يدويا من غرفة التحويلات المتخلفة.. لما سمعوا الأنين طوروا المنظومة، بزخرفة وترخيم واجهات محطات السكة الحديد للمحافظات المهمة فقط بملايين من فلوس ضرائبنا.. وحافظوا على العطن داخلها، وعلى مستنقع فساد إدارى يصارع التطوير ليحلب ويسمن.. الهيئة ربحية ترفع أسعار التذاكر، لكن خسائرها مليارات ديون للضرائب تسقط بالتقادم أو التفاقم!
فى مصر فقط وبلاد تركب السلاحف، لا توجد لوحة تحكم مركزية تظهر حركة القطارات! لا فى الهيئة ولا فى مكتب وزير النقل!!.. الكوارث هى السبيل الوحيد لمعرفة أن عامل التحويلة كان فى الحمام، أو فطسان من الحر، أو مستنى حتة الحشيش ليقاوم الإجهاد وينتبه.. أو لم يصرف الحوافز، والغلاء طحنه ففصل شحن كما الموبايل.
الوزيرة النشيطة غادة والى صاحبة واجب، لا تكاد تخلع ملابس عزاء شهداء الإرهاب الدينى، حتى ترتديها لشهداء الفساد الإدارى.. الوزيرة تدفع -من ضرائبنا- 35 مليار جنيه سنويا تعويضات لأسر  10آلاف قتيل وأضعافهم جرحى حوادث الطرق فى مصر- آخر إحصائية للواء طعيمة رئيس لجنة النقل بمجلس النواب الموقر بجريدة الأخبار- وأن مصر تتصدر حوادث الطرق عالميا!
هيئة السكك الحديد المصرية العريقة لديها خطة للتطوير بتكلفة 35 ملياراً، كما أعلن رئيسها اللواء شوشة.. نفس مبلغ التعويضات السنوية!!.. الخطة تعتمد على شراء مئة جرار أمريكانى واستقدام مهندسين، يقيمون 15 سنة قادمة لمتابعة الصيانة وتدريب المصريين.. هل هذا المبلغ لا يكفى لإنشاء مصنع جرارات مصرى!!! وهل هذا يفسر أن أول دولة قدمت التعازى لمصر هى أمريكا، لحثها على سرعة توقيع اتفاقية الجرارات مع جنرال الكتريك بأكثر من 10 مليارات جنيه مصرى!!
المستفز أن أسباب الكارثة معروفة للراكب وللمسؤول وللدولة، ومجلس النواب، لكن تشكيل اللجان وتستيف أوراق وتنفيذ توجيهات.. الحكومة تعلم وتشحت قروضاً، وتنتظر توجيهات الرئيس، وتدخل القوات المسلحة.. والنواب شجبوا وأدانوا ونبهوا وحًضروا استجوابات وقدمت لجانهم توصيات، واحد رذل خبأها! والخلاصة أن المسئولين مطحونون من سوء سلوك المواطن الجاهل، المستهتر، الاتكالى، المستهلك دون إنتاج.
الغضب غلب الحزن من التغطية المحلية الإعلامية للحادث، تغطية الهمس واللمس وتجنب السلبيات والإشادة بجهد الأهالى فى إخراج الجثث!!. القنوات المصرية كلها إلا واحدة تابعت الحادث هربا من تربص مجلس الأمن الإعلامى!... أما باقى القنوات فاستمرت فى تقديم وجبات التغييب من هلس ومسرحيات وأفلام قديمة، وفتوى خبراء استراتيجيين يعرفون كل المشاكل وكل الحلول! ولا أعرف لماذا تشكو الدولة ندرة «سواقي قطار الآدمية» للإنسان المصرى!
   كيف يتوقف نزيف دماء شهداء فساد الإدارة، وغياب القانون، والجهل، وانتظار توجيهات الرئيس!•