السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الإعلام المسلح.. هل نحن مستعدون؟

الإعلام المسلح..  هل نحن مستعدون؟
الإعلام المسلح.. هل نحن مستعدون؟


«إمام مثلى ومسجد ليبرالى فى ألمانيا تؤمُّ صلاته سيدة وتصطف النساء فيه بجانب الرجال حاسرات الشعر… ما المانع؟»، كان هذا موضوع جدال حلقة الأسبوع الماضى من برنامج «شباب- توك» على محطة موجة ألمانيا العربية أو DW Arabic  كما نألف اسمها، ولكن هذه ليست بداية الموضوع ولا تمثل بالتأكيد نهايته.   

لنرجع بالزمن إلى الوراء سريعاً للعام 1993 وبالتحديد لمقالة ثورية فى زمنها تحت عنوان «الحرب الإلكترونية قادمة» والتى صاغ من خلالها كاتباها مصطلح Netwar أو حرب الإنترنت التى تعنى وفقاً لهم «محاولة التشويش أو التعطيل أو التغيير لما يعلمه أو يعتقد أنه يعلمه مجتمع ما مستهدف». هذان الكاتبان واللذان عملا كمحللين عسكريين فى شركة الأبحاث الأمريكية «Rand Corporation» تنبآ فى مقالهما بأن مجتمعات بأكملها سوف تتصادم فى المستقبل القريب حيث تعاد تشكيل واستغلال المعلومات من خلال المنصات الإعلامية المستحدثة لتصبح أسلحة شديدة الوطأة.
والآن لنعد لحلقة البرنامج السابقة الذكر بالتحليل المبسط، ولكن قبلها سنتعرف على قليل من تفاصيلها لمن لا يود مشاهدتها. استضافت تلك الحلقة - بالإضافة لإحدى مؤسسى هذا المسجد «سيران أطيش» والإمام المثلى «لودفيك محمد زاهد» - كلاً من الشيخ «أحمد المالكى» عضو المكتب الفنى للمستشار القانونى لشيخ الأزهر، و«عبدالعظيم كموس» إمام وداعية فى برلين وأخيراً الشيخ «لطفى الشرندلى» عضو المركز الدولى لحوار الحضارات والأديان فى تونس. طوال الحلقة التى اتسمت عموماً بالهدوء الشكلى والتحضر أدار مقدم البرنامج الحوار وكأنه خلاف فكرى بسيط دون محاولة الوصول لاستنتاجات قاطعة، وعند أخذ الحساسية البالغة لهذا الموضوع بعين الاعتبار فقد تكوَّنَ لدى كمشاهد الانطباع الشخصى «الذى قد يُختلف عليه بالطبع» أنه أحد أمرين: أن يكون مقدم البرنامج ليس الشخص الأمثل لإدارة حوار بهذا التعقيد، أو أنه يعى بالضبط ما يفعل وأين يقاطع ضيوفه ليصل إلى النتيجة التى لخصها باعتقاده أن الموضوع «ما زال يحمل نقاشاً كثيراً واختلافاً فى الرأى كبيرًا، وبالتالى يتبقى الكثير من الحوار»، منهياً الحلقة بإعطاء الكلمة الأخيرة للسيدة سيران لتؤكد افتتاح مساجد أخرى على غرار المذكور فى دول أخرى، مدعية أنهم لا يهدفون بذلك إلى تحريف أو إهانة الإسلام وإنما الإشارة إلى أن هناك تعددية فى تأويل الإسلام.
لقد استطاع الشيخان أحمد وعبدالعظيم إدارة الحوار بشكل جيد، وكانا يقظين للتناقضات التى ظهرت أثناء الحوار وسلطا عليها الضوء كلما سنحت لهم الفرصة، ونستطيع أيضاً الثناء على الأزهر الشريف على اختيار ممثلهم حيث استطاع سريعاً التأقلم مع ضيق المساحة المخصصة له فى الكلام ليخرج من نمط الخطابة المعتاد لإيقاع أكثر سرعة ومباشرة فى الرد.
ولكن إذا اعتبرنا أن هذا أداء جيد فإن هنالك المزيد مما يمكن فعله، وهنا تأتى الصورة الأكثر شمولاً التى يناقشها هذا المقال، فالإشكالية الحقيقية هنا لا تتوقف عند عمل إعلامى محدد أو موضوع يمس معتقدات دينية فقط، بل تمتد لتشمل جميع المصالح الاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية لنا كمجتمع بكل أطيافه، فأى من تلك المكونات الرئيسة يمكن استهدافها بشكل منهجى فى وسائل الإعلام عابرة الحدود لتحقيق أهداف مختلفة، وفى عصر العولمة فإن سياسات الرقابة تفقد الكثير من فعاليتها، ففى مثالنا السابق فإن الخطر المباشر لتلك الأفكار لن يتوقف إذا لم نسمع عنها نحن فحسب، إذاً فكيف نواجه ما أصبح يُدْعى بالفعل بتسليح التواصل الاجتماعى وما سنسميه بالإعلام المسلح؟
لنبتعد مبدئياً عن مفاهيم الفرق الرقمية المأجورة التى توكل إليها مهام التأثير على المحيط العام على مواقع التواصل، فهى فى العموم أصلح لمهام الهدم منها للبناء، ولكن الحل الحقيقى المستدام يأتى من خلال منصات إعلامية قوية ومحترفة قادرة على الرد السريع والمؤثر، ثم فى المرحلة الثانية قادرة على استشعار المحيط العام واستباق الآخرين، بحيث لا نكون نحن الضيوف على تغطياتهم الإعلامية وإنما نصبح نحن الصناع للمشهد الإعلامى. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هؤلاء الآخرين ليسوا بالضرورة أعداء دائماً، فقناة DW  فى مثالنا هذا قد لا تضمر فعلياً أى سوء من جراء تغطيتها، ولكن هكذا يعمل الإعلام حتى الموضوعى والمهنى منه فى كل مكان، إنه يلقى الضوء على ما هو مثير للجدل ليخلق حالة دائمة من المتابعة المستمرة متخطياً أحياناً الخط الرفيع للمسئولية المجتمعية. وعندما لا يكون لنا سيطرة على تلك المنصات الإعلامية فيجب علينا مجابهتها بمثلها، ويبدأ هذا الطريق بالمؤسسات الإعلامية ذات الملكية العامة للشعب وينتقل منها لإنشاء أذرع إعلامية ذات فاعلية حقيقية للمؤسسات الأخرى الاستراتيجية فى المجتمع.
هذا يعنى أن علينا التحرك سريعاً نحو التخلص من الجدال حول جدوى منصات الإعلام المملوكة للشعب والانتقال إلى كيفية تحويلها إلى منصات تصلح لمجابهات القرن الحادى والعشرين، وقد يكون ذلك من خلال تركيزها وتحديثها أو من خلال العديد من أساليب التطوير والهيكلة التى لا مجال لذكرها هنا. المهم أن تخرج لنا قادرة على الاستجابة السريعة وبالأخص فى العالم الرقمى حتى تسد ثغرات المحيط العام التى ينفذ منها الآخرون. أما كيف نستجيب فإجابة هذا السؤال يمكن استعارتها مباشرة من عالم الأعمال والذى طور خلال العقود الماضية العديد من الاستراتيجيات والتكتيكات التسويقية وتلك الخاصة بالعلاقات العامة والتى تُمكن الكيانات الاقتصادية العملاقة من مواجهة الأخطار الإعلامية، وهى الاستراتيجيات نفسها التى وظفها داعش عدو العالم الأكبر هذه الآونة لاستقطاب مؤيديه، فمن المؤكد أننا أولى بها منه لنواجهه والآخرين سواء.
 مما سبق نخلص إلى أن توافر قدرات إنتاج إعلامية محترفة على أهبة الاستعداد لم يعد رفاهية تتحمل الانتظار بل يجب توافرها لدى جميع القطاعات الحيوية العامة منها والخاصة، وعندما تحقق النتائج المرجوة منها عليها الانتقال كما ذكرنا إلى الاستباق، وهنا يأتى دور البيانات الكبرى التى ذكرناها مراراً فى مقالات سابقة وهى باختصار محصلة كل تحركاتنا ومشاركاتنا فى العالم الرقمى والمتاحة للجميع، فإذا كنا قد سلطنا الضوء سابقاً على بعض سلبياتها فاليوم جاء دور إيجابياتها، فمن خلال تحليل الاتجاهات والمؤشرات التى تحملها تلك البيانات يمكن الاستدلال بشكل واقعى على توجهات الرأى العام وفصل المدخلات الغريبة مبكراً والعمل على تحييدها إعلامياً قبل أن تصل لمرحلة التأثير الفعال.
إن ما تحدثنا عنه فى هذا المقال ليس ضرباً من الخيال، فإذا أتتكم الفرصة فلتبحثوا على الإنترنت تحت عنوانى «weaponized social media» و«Cyberwar Is Coming» وإذا ما وجدتم أن الولايات المتحدة الأمريكية بكل منصات إعلامها الفائقة الفاعلية تخشى تأثير حروب الإعلام الرقمى على وجه الخصوص على مجتمعاتها وتناقش بشكل جدى كيفية تطوير تدابير مضادة أكثر سرعة وحداثة، فإننا يجدر بنا أن نأخذ الأمر بنفس الجدية حتى لا تمر علينا عناوين عديدة على شاكلة الذى بدأنا به المقال دون أن يكون لنا قدرة على استجابة فعالة تحفظ لنا مصالحنا المستدامة وتحمى أساسات مجتمعاتنا الرئيسة من الزلزلة. •