الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ورنيش طه حسين

ورنيش طه حسين
ورنيش طه حسين


محمد العقاد كان عازف قانون شهيراً  فى النصف الأول من القرن العشرين. مرة كان قاعد على القهوة، بـيشرب شاى، أو ينسون، وعايز يلمع الجزمة بتاعته، دخل واحد بيلمع جزم، العقاد نده له.

بص العقاد ع الراجل، وبسمل وحوقل، وقال: لا إله إلا الله، هى الدنيا جرى فيها إيه يا عالم؟ الأستاذ كامل الخلعى، داير ع القهاوى بـصندوق ورنيش؟!
تعرف حضرتك كامل الخلعى؟
ده واحد من الناس اللى عاشت للمزيكا والفن، وما خدش حاجة، وبقى مجرد اسم يتذكر كتريقة على إن الأغانى اللى بتسمعها قديمة، عليها تراب.
الخلعى من إسكندرية «1870 مولود» أبوه كان ظابط فى الحامية هناك، وهو اتربى كويس، واتعلم كويس، وكان ابن ناس، وأبوه مش بس علمه ورباه، ده كمان وفر له مكتبة أدبية ضخمة، خلت الطفل كامل يحب الأدب والفن ويتعلق بيهم.
بعد شوية، أبوه هيسيب إسكندرية، ويعيش فى القاهرة، وهو هيتنقل معاه، بس أم كامل هتتوفى، وأبوه هيتجوز مواطنة، هتتصرف كأى مرات أب ما بتتصرف، فتكون النتيجة إن الولد يسيب البيت، ويستقل بحاله.
كامل كان له فى كل حاجة: شعر، مزيكا، رسم، خط، كل حاجة، والخط تحديدا هو اللى أمن له فرصة عمل، فكان بيكتب أفيشات الفرق الموسيقية، ومنها فرقة سلامة حجازى، بس برضه، الحال ضيقة، فيسيب مصر كلها ويروح الشام مع أبوخليل القبانى، ويلف ويدور، ويتعلم جميع أشكال المزيكا، ويرجع مصر.
سنة 1905، ينضم الخلعى لفرقة سلامة حجازى كمنشد، ويبدأ يهتم اهتمام خاص بالبحث فى الموسيقى، وفى أصول الغناء، وكتابة النوتة، وأمور كتير نظرية تخص المزيكا، خصوصا الموسيقى الشرقية، ويصدر كتابا على نفقته الخاصة، عن الموسيقى دى، بس زى ما حضرتك عارف إن الجدية مش بتأكل عيش، والكلام ده من زمان، وفيه سوق، وهو لازم يبقى ابن سوق، وهو ما كانش.
الأبحاث اللى عملها الخلعى كلت أى مدخرات معاه، ثم بدأت تاكل راتبه، ثم وقته، لحد ما بقى ع الحميد المجيد، وبدافع الاحتجاج، مش الاحتياج، قرر يسرح بصندوق ورنيش اعتراضا على إن كل من هب ودب دخل سوق المغنى، وبدأ يكتب القصايد الهجائية فى هذا النوع من البشر.
وقتها كان طه حسين برضه، عامل حملة على الدخلاء، واللى بيغنوا ويكتبوا أغانى، وهم مالهمش فيها، وعمل محاضرة سنة 1911،  تحديدا يوم 19 أكتوبر، قال فيها:
«تسيء المغنية توقيع النغم، وينحرف صوتها عن طريقه، فيحدث فيه شيء من الاهتزاز والاضطراب، يكون مصدرا لجنون الجمهور وإغراقه فى الصياح والتصفيق، وهو فى الوقت نفسه دليل واضح، على أن القوم لم يجيئوا للغناء، وإنما جاءوا لكل ما يستثير العواطف الكاذبة، أو أنهم لا يرون الغناء إلا أشبه بما يتخذ على المائدة من الألوان التى تحرك شهية النفس للطعام.
وإذا صح ما يقولون من أن مقاييس الرقى الأدبى لكل أمة من الأمم، هى أشعارها وأمثالها وأغانيها، لأن الأشعار مرآة النفس والأمثال صورة الفكر، والأغانى لغة القلوب.. أقول إذا صحت هذه القاعدة، وقسنا رقى العرب فى جاهليتهم بهذه المقاييس الثلاثة كانت النتيجة مؤلمة جدًّا».
فاتلم طه حسين على كامل الخلعى، وعملوا غنوة بحيث تبقى نموذج فى الفن، من حيث التأليف والتلحين، وبحيث يقدموا للناس حاجة عليها القيمة، وكتبها طه حسين بالعامية، وكانت بتقول:
أنا لولاك
كنت ملاك
غير مسموح
أهوى سواك
سامحنى
فى العشاق
أنا مشتاق
أبكى وأنوح
بالأشواق
صدقنى
عهدك فين
نور العين
بالمفتوح
تهوى اتنين
جاوبنى
أنا أهواك
مين قساك
أنا مجروح
غايتى رضاك
واصلنى
لكن يا عينى، راحت الغنوة، وراح النموذج، واللى فضل للخلعى صندوق الورنيش.•