الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

التعليم..لايزال أملا

التعليم..لايزال أملا
التعليم..لايزال أملا


من أجله يسهر الآباء والأمهات، يستيقظون مبكرا ليرافقوا الأبناء إلى طريق المدرسة، ويسافرون للخارج أو يبحثون عن عمل إضافي ليوفروا «مصاريف المدارس»، والدروس الخصوصية والكتب الخارجية وغيرها كثير.
منذ أدخل محمد علي التعليم إلى مصر، ارتبط لقرنين من الزمان بالنهضة، وصار وسيلة الطبقات الشعبية للترقي الاجتماعي واختراق حواجز الثروة والنسب.
عن هذا الطريق السحري تداول المصريون قصصا تقترب من الأساطير عمن رفعهم التعليم لأعلى المراتب، ومن هوى بهم الجهل إلى أسفل السلم الاجتماعي.
صار التعليم وليس المال-رغم السعي المحموم لجمعه خاصة في فترات التدهور- هدف الأسرة المصرية، الذى تضحي من أجله بالجهد والمال وبوقت الترفيه في أحيان كثيرة، بل وتعلن حالة الطوارىء عندما يكون أحد الأبناء»في شهادة».
معركة «مجانية التعليم» صارت أهم معارك الحركة الوطنية ضد الاستعمار إلى جانب «الاستقلال التام»، لهذا خلد التاريخ الاجتماعي المصري وزير المعارف طه حسين.
توقف المجتمع كثيرا عندما استطاعت مريم «الفقيرة» أن تكون من أوائل ثانوية هذا العام، وكأنها تذكر المجتمع والدولة وملايين الأسر أن التعليم لازال الحلم والأمل، فهل لازال وسيلة الترقي الاجتماعي الاهم في مصر؟
 
عبير صلاح الدين
 
.. كالماء والهواء
لأسباب عديدة ظل اسم طه حسين يتردد منذ أوائل العشرينيات وحتى الآن، فهو عند البعض عميد الأدب العربي، ولدى آخرين مجدد فى الأدب والثقافة، بينما يراه فريق ثالث مستغرب يصل إلى درجة الكفر.
هو عميد الأدب العربى ووزير المعارف الأشهر فى تاريخ مصر الحديثة، وهو مجدد الأدب والفكر، وواضع أسس علمية لدراسة تراثنا العربي، وهو أيضا النموذج الأهم لدور التعليم فى الحراك الاجتماعى والصعود الطبقي.
هو الفقير الضرير، ينشأ فى أسرة صعيدية قروية كبيرة العدد فهو السابع من بين 13 عشر أخا وأختا، لكن موهبته واجتهاده وضعاه على قمة الأدب والثقافة المصرية، ليصبح أحد أبرز - إن لم يكن الأبرز على الإطلاق- من بين أسماء النهضة العربية وروادها.
يترك الطفل طه حسين قريته عزبة الكيلو فى مركز مغاغة بالمنيا، أوائل القرن العشرين (1902)، متوجها للأزهر، بعد أن أتم حفظ القرآن الكريم، ليتتلمذ على يد الإمام محمد عبده (توفى 1905)، ليرث منه حبه للتجديد والتطوير، وكراهيته للتقليد، فهو مفكر حر، لن يخرج من تحت يديه إلا حر مثله، وهو ما كان فعلا.
ما إن سمع الشيخ الشاب أن جامعة حديثة غير دينية قد افتتحت 1908 (الجامعة المصرية التى ستصبح جامعة فؤاد، ثم جامعة القاهرة)، حتى تقدم للالتحاق بها، ورغم إعاقته وفقره، حصل على مقعد، مكنه من دراسة علوم لم يكن ليعرفها لو استمر فى دراسته الأزهرية.
وفى 1914 مع اندلاع الحرب العالمية الأولي، حصل على الدكتوراه فى الأدب العربي، عن شاعره الأثير أبى العلاء المعري، الشاعر الضرير.
ذهب لفرنسا والتحق بجامعة باريس ودرس الاجتماع واللغات الفرنسية واللاتينية والتاريخ، وحصل على دكتوراه أخرى حول فلسفة ابن خلدون فى 1919، ليعود لمصر وجامعته التى صار ابنها البكر.
تحول الطفل والشاب الفقير الكفيف إلى أستاذ جامعى مرموق، يرتقى المناصب حتى درجة وزير المعارف 1950، ينتظر القراء مقالته، ويتابعون معاركه، منذ كتابه الأشهر فى الشعر الجاهلي، ثم مساجلاته مع جرجى زيدان حول تاريخ الآداب الإسلامية، بل مع شاعر العصر أحمد شوقي.
لم يغب عن وعى طه حسين أنه ابن الفقراء، وأن التعليم كان وسيلته للصعود الاجتماعي، فتمسك بمبدأ إتاحة التعليم مجانا لكل أبناء الشعب، والتوسع فيه بكل درجاته حتى الجامعة.
فى الثلاثينيات خاض طه حسين معركة من أعظم معارك مصر فى القرن العشرين، عندما اختلف مع زميله أستاذ الفيزياء مصطفى مشرفة، الذى عارض تأسيس جامعة أخرى إلى جانب الجامعة الأم.
كان من رأى مشرفة باشا أن إمكانات مصر القليلة يجب أن توجه للمتفوقين قليلى العدد، ليتخرج فيها أفضل الكوادر.
لكن طه حسين، رأى أن التعليم حق بحد ذاته للجميع، كما أن الأعداد القليلة من الجامعيين والمتعلمين بعامة لن تكون قادرة على أن تنهض بمجتمع كبير مثل مصر.
انتصر طه حسين والعصر والمنطق التاريخي، وذهب ليؤسس جامعة فاروق الأول (الإسكندرية) فى 1942، وبعدها صار من السهل إنشاء جامعة إبراهيم باشا الكبير (عين شمس) 1949، ومحمد على باشا الكبير (أسيوط) لكنها افتتحت فى العهد الجمهوري.
وبعد سنوات تولى دكتور طه حسين وزارة المعارف فى حكومة الوفد، ليطبق أفكاره، التى عبر عنها بالشعار التاريخى للتعليم المصرى «التعليم كالماء والهواء» حق للجميع، ليعترف بالتعليم طريقا للترقى الاجتماعي.



د. نبيل عبد الحميد: الثقافة أهم



د. نبيل محيى عبــدالحميد، أستاذ بيولوجيا الأورام بصيدلة كفر الشيخ والعميد السابق والمؤسس للكلية: يرى أن التفوق الدراسى هو أساس انتقال الناس للطبقات الأعلى فى المجتمع، لكنه لا يكفى وحده للتميز الآن، فبدون تغيير الإنسان لثقافته، لا يمكن أن يكون له شخصية أو مركز اجتماعي.  
يوضح د. نبيل أن كثيرًا ممن يحملون أعلى الشهادات غير مثقفين بالمرة، والنتيجة أنهم لا يمتلكون رؤية تمكنهم من تصدر المشهد الاجتماعى للطبقات الأعلي، فقليل من العلم مع كثير من الثقافة أفضل من كثير من العلم وقليل من الثقافة.


د. أحمد حجازي: للمتفوقين مكانة معنوية



وقال د. أحمد حجازى إخصائى طب الأسرة بطنطا: أعتقد أنه مازال التفوق الدراسى طريقًا للترقى الاجتماعي، رغم ما نعيشه من محاولات للتقليل من شأن المتفوقين، ستبقى للمتفوقين مكانة معنوية فى قلوب الناس، وإن تأخر تدعيمها بالصعود المالى فى سلم الاقتصاد.



. سمير موسي:  الواسطة أقوى من التفوق الدراسي


أكد د. سمير موسي، استشارى طب الأسرة، أن التفوق الدراسى ليس طريق الترقى الاجتماعى فى مصر الآن، فالطلبة «النص لبة» هم الذين يصلون لأعلى السلم الاجتماعي، بحصولهم على وظائف مرموقة فى القضاء والشرطة والجيش وغيرها، فالوظائف المرموقة التى تؤهل الشخص للصعود من طبقة لأخرى عبر التعليم تتم الآن خلال الواسطة والرشوة وتوريث الوظائف وغيرها من أشكال الفساد.



د. سعيد سليمان: هناك من يكسر قاعدة أبناء المحظوظين

د. سعيد سليمان أستاذ علوم الأغذية والزراعة بجامعة القاهرة، يؤكد أنه فى حالات كثيرة لا يكون التفوق الدراسى وسيلة إلى الترقى الاجتماعي، والأمثلة كثيرة، فأبناء الطبقات الدنيا أو الفقيرة، ليس لهم حظ فى أن يكون الواحد منهم ضابطًا أو قاضيًا مهما حصّل من تفوق فى دراسته، ومهما يكن لديه من شهادات عليا، فالمجتمع والدولة وكل من حوله يقضون عليه.
وعلى النقيض من ذلك فإن من أبناء أصحاب الوظائف المرموقة، يصبحون من أصحاب الحظوة، فيحصلون على وظائف فى أى مكان بالدولة دون قيد أو شرط، حتى إن كان حاصلا على تقدير مقبول.
وأضاف «سليمان»: هناك حالات نادرة وقليلة تستطيع أن تكسر هذه القاعدة، أعرف عضو هيئة تدريس بإحدى كليات القمة فى جامعة حكومية، والده عامل فى المدينة الجامعية بذات الجامعة، يكنس ويمسح وينظف، وهو بالطبع فقير وليس لديه استثمار فى عقار أو أرض، إلا فى عقل ابنه.



المهندس الجيزاوي: الذكاء الاجتماعى قبل التفوق الدراسي



بينما قال المهندس حمدى الجيزاوي، كبير إخصائيين زراعيين بالشرقية: لم يصبح التفوق الدراسى السبيل الوحيد للوصول لمراكز اجتماعية متقدمة، فقطاع التجارة والاستيراد والتصدير، لا يحتاج لشهادات أو تفوق بل للمال والذكاء الاجتماعي.
ويضرب الجيزاوى المثل بأشخاص يعرفهم، منهم الحاج ذكى السويدى رحمه الله، الذى كان متفوقاً بعمله رغم عدم تفوقه الدراسي. والمقاول الحاج الهوارى الذى كون ثروة رغم عدم تفوقه الدراسي، وهناك ملاك لشركات ومجموعات اقتصادية ومستشفيات خاصة، من الأطباء الذين حصلوا على تقدير مقبول.


 د. محمد عز العرب: البحث العلمى يؤثر فى خبرة الطبيب


يؤكد الدكتور محمد عز العرب مؤسس وحدة أورام الكبد بالمعهد القومى للكبد، أن التعليم هو الذى يفرق بين خبرة وقدرة أى طبيب وغيره، فالطبيب الذى يكتفى بشهادته الجامعية ولا يستمر فى دراسته عبر الدراسات العليا، لا يجد فرصة للمشاركة فى المؤتمرات الطبية فى الداخل والخارج، فتقل قدرته على نشر أبحاثه، والترقى قى عمله، وبالتالى الترقى ماديا.
وطالب عز العرب بضرورة تغيير نظرة الدولة للبحث العلمي، ليس فقط كوسيلة لترقى الباحث علميا وماديا، ولكن ليرتبط باحتياجات المجتمع وإمكانية تطبيق الأبحاث العلمية المنشورة.



المهندس صلاح: الطموح أهم من التفوق الدراسي



يضرب صلاح أحمد السيد، المهندس بمجلس مدينة المحلة الكبري: المثل بأن التفوق الدراسى ليس المفتاح الوحيد للصعود إلى الطبقات الأعلى اجتماعيا، فزميلهم بالمدرسة الذى عمل فى إحدى الجهات المهمة بالدولة بعد رسوبه فى الإعدادية، حصل على 8 آلاف جنيه معاش ومبلغ كبير مكافأة نهاية الخدمة، وأنشأ مشروعا خاصا.
هذا الزميل أصبح حاله أفضل بكثير من حال المهندس صلاح من الناحية المادية، «والناس تقف أمامه مبهورين بالجاه والمال»، والأمر لم يختلف بالنسبة لزميل المدرسة الإعدادية الذى التحق بالمدرسة الزراعية الثانوية، وحصل على الدبلوم، وفتح محلا صغيرا للأطعمة، وأصبح له فروع وعمال وحظوة وتقدير، تفوق بكثير عمن فضلوا لقب مهندس مثله والتحقوا بالوظيفة الحكومية.
وأضاف: عمرو ابن خالتى حصل فى الثانوية العامة على مجموع يؤهله لكلية التجارة، واهتم فقط بالتفوق الرياضى سباحة وكرة قدم، وحصل على البكالوريوس بتقدير مقبول، وهنا اختار الولد المدلل الصعب، رغم معارضة أمه وخوفها عليه، قرر أن يسافر للقاهرة ليعمل فى مكتب تجارى شهير مجانا، ورفض العمل فى المحلة الكبرى بمقابل مادي، كان عنيدًا وله طموحات وطاقة لم نكن نعلمها جميعاً وحصل على كورسات فى اللغة الإنجليزية والكومبيوتر.
وعندما علم صاحب المكتب الشهير بتفوقه طلب منه أن يعمل بأجر فرفض، وسط دهشة الجميع، وقال طموحاتى أكبر، ودخل فى مشروع سياحى فى الغردقة بالنصف مقابل علمه وخبرته، وكان هذا شرطه ونجح المشروع، بعدها عمل مع الكبار فى مجال السياحة العلاجية، وكان هو سبب نجاح المجموعة.
وأخيرا افتتح مكتب سياحة مؤتمرات، وكان يسافر إلى إنجلترا وألمانيا ودول عربية مثل الإمارات للترويج للسياحة العلاجية، وأصبح له مركز مرموق، برغم مجموع الثانوية العامة وتقدير مقبول، وأصبح نموذج نجاح للعائلة وللجميع.



 صلاح عيسي: على الأثرياء تمويل بعثات التعليم إلى الخارج



«الدراما تطرح هذه القضية كثيرا، نرى فئات اجتماعية محدودة التعليم ومحدودة الثقافة ولا يوجد أحد من أفراد أسرتها يتمتع بالثراء، وتتحول ليصبحوا من أصحاب الملايين» هكذا يرى الكاتب صلاح عيسى علاقة التعليم بالصعود الاجتماعي.
قيم الأصول الاجتماعية والأسر الأرستقراطية العريقة ربما تكون قد اختفت، وكذلك قيم الوصول عبر العصامية التى تم ترسيخها فى عهد ثورة 23 يوليو وما بعدها، والتى تؤكد أنه من الممكن عبر التعليم والجهد والعمل، أن يصل أبناء الطبقات الفقيرة جدا والشعبية، إلى أعلى المناصب بما فيها منصب رئيس الجمهورية.
الاثنان اختفيا لصالح فئات اجتماعية كانت من الصعاليك، لكنها عملت فى تجارة العملة أو سرقة أراضى الدولة، إلى آخره، واستطاعت أن تحقق ثروات كبيرة جدا من الجهل، فحتى العمل نفسه لم يصبح قيمة.
يربط صلاح عيسى بين هذا الوضع، وبين تأثيرات الثروة النفطية التى أدت إلى نشوء طبقات جديدة تتعايش على تحقيق ثروات طائلة من مضاربات تعتبرها مشروعة.
الراحل فؤاد مرسى - أحد أقطاب حزب التجمع- وصف ما يحدث فى فترة السبعينيات وما تلاها بما يسمى الرأسمالية المجرمة، التى لا تأتى نتيجة الجهد والعمل والمخاطرة، بل من عمليات السرقة والنصب.
لعل الحل لهذا هو ما كان يحدث فى مرحلة ما، أن يقوم عدد من الأثرياء بتمويل بعثات للتعليم فى أوروبا للمتفوقين من أبناء الفقراء وكان هناك عدد من الشخصيات اللامعة والصحفيين الكبار ممن أُرسلوا فى هذه البعثات لأوروبا على نفقة الأثرياء، عن طريق صندوق ما، لإتمام تمويل المتفوقين من الطبقات غير القادرة.



هبة هجرس: المال لا يعنى المكانة الاجتماعية



هبة هجرس عضو مجلس النواب: التعليم ليس هو الوسيلة الوحيدة للترقى الاجتماعي، لكنه الأهم لحدوث ذلك الترقي، والدليل أن الاحترام الذى يحظى به أستاذ الجامعة أكثر بكثير من وظائف أخري، حتى إذا كان ما يتقاضاه من أموال قليلابالمقارنة بتلك الوظائف، فالتحضر المجتمعى لا يعتمد على المادة، وليس معنى امتلاكى لأموال أكثر أننى أصبحت أكثر تحضرا.
تتابع هبة: فالعلم هو أساس ذلك التحضر، ثم تأتى التربية فى المنزل التى تغرس داخل نفوس الأبناء القيمة الحقيقة لذلك العلم، حتى لو كان الأهل لا يمتلكونه، مثل حالة الطالبة مريم الأولى على الثانوية العامة، وغيرها من الحالات التى كان إصرارهم على استكمال أبنائهم لمراحل التعليم المختلفة سببا فى ترقيهم المجتمعى لأن الابن يعود من المدرسة فينقل إلى المنزل ما تعلمه من قيم بشكل أو بآخر.



د. صلاح هاشم: الأولوية للمتعلمين


أكد الدكتور صلاح هاشم مستشار وزارة التضامن الاجتماعى وأستاذ التخطيط والتنمية بجامعة الفيوم، أن قوى المجتمع تقوم على طبقتين، الأولى أصحاب السلطة والثانية أهل العلم، والنظريات الاجتماعية تؤكد أن أصحاب العلم لهم الأولوية فى التقدم داخل المجتمعات الباحثة عن النهضة والاستقرار والتقدم.
ودلل هاشم على تقدم أهل العلم داخل طبقات المجتمع، بالدكتور طه حسين الذى نشأ فى أسرة فقيرة واستطاع بعلمه السفر إلى أوروبا رغم أنه فاقد لحاسة البصر، وتدرج فى المناصب حتى أصبح وزيرا للتربية والتعليم، علاوة على كونه مفكرا مهما.



محمد الحناوي: مطلوب مؤسسة لتبنى القدرات الاستثنائية والمواهب



المؤلف الدرامى محمد الحناوى يؤكد أن التعليم وسيلة لترقى المجتمع بأكمله، وليس ترقى الفرد فقط، لكن التعليم الآن فى آخر أولوياتنا، على اعتبار أنه لن يؤتى ثماره إلا بعد سنوات طويلة وهذا خطأ كبير، فاليابان حققت طفرتها الاقتصادية بعد أزمة القنبلة النووية التى دمرتها، بالعلم والتعليم.
وفى مصر الآن ننظر للتعليم باعتباره مجرد استثمار وصناعة، ليس فقط على مستوى الأسرة، بل على مستوى الدولة، فالتعليم الحكومى تحول لبيزنس ومشاريع ومراكز للدروس الخصوصية.
ويربط الحناوى بين تقدم مجتمعنا كله وبين تغيير سياسة التعليم فى مصر، فنحن نهدر قيمة الموهبة والميول النفسية والمهارية، عندما نربط بين الدرجة التحصيلية فى الثانوية العامة، وبين الدراسة الجامعية، والدول التى تقدمت غيرت هذه السياسة.
ولأن منظومة التعليم بها هذه الأخطاء، يبقى الترقى الطبقى عن طريق التعليم، طفرات فردية، فمهما تفوق الطالب الذى ينتمى لطبقة فقيرة، والتحق بكلية قمة ككلية الطب، تبقى المنظومة فى كلية الطب والمنظومة الصحية فى مصر، بعيدة عن إعطائه فرصة لإظهار المهارات الفردية.
وفى الاقتصاد والعلوم السياسية والهندسة والإعلام، التفوق ليس بالموهبة، بل بالوساطة وبالفرص العشوائية بدون إمكانيات، ففنان مثل أحمد زكي، لو كان فى أمريكا لأصبح نجما وعمره 12 عاما، بينما فى مصر أصبح نجما فى سن الـ35 لأنه تبنى نفسه، ولهذا يطالب الحناوي، بمؤسسة تتبنى المواهب الخاصة والقدرات الاستثنائية، ليمكن للطبقات الفقيرة كسر كل هذه الحواجز.



إنعام محمد على: أتذكر نونة الشعنونة



قالت المخرجة إنعام محمد على إن نتيجة الثانوية العامة هذا العام سوف تغير خريطة المجتمع، خاصة أن جميع الأوائل من خريجى التعليم العام ومن أبناء المحافظات، بل إن غالبيتهم كانوا من الطبقة الفقيرة، بصرف النظر عن مريم وما أثير حولها من ضجة، فمنذ عصر السادات كان المال هو أساس الترقى المجتمعي، ولم يكن هناك مكان للكفاح، لكن نتيجة هذا العام أثبتت أن الكفاح هو السبيل والوسيلة التى يعلق عليها جزء كبير من المجتمع من أجل إحداث حالة الترقي.
تتذكر إنعام أنها وضعت ذلك الموضوع ضمن أولوياتها عندما أخرجت سهرة تليفزيونية عام 1994 بعنوان «نونة الشعنونة» من بطولة حنان ترك، وكان هدفها توصيل رسالة للمجتمع بأن التعليم هو السبيل الوحيد للارتقاء بجميع صوره.


كابتن محمد يوسف: التقدم بالتعليم


يرى محمد يوسف نجم الأهلى السابق والمدير الفنى الحالى لنادى بتروجيت أن الدول كلها تتقدم بالتعليم وليس الأفراد فقط، فالمشاكل التى تواجه أى مجتمع يجرى حلها عن طريق العلم، وأن الكثير من الأشخاص الذين يعرفهم ارتقوا بالتعليم، فمنهم من سافر فى بعثات وحصل على درجة الماجستير والدكتوراه من الخارج وتحسنت أحوالهم المادية.



جيهان فايز:  التعليم لايساعد على الصعود الطبقى


أكدت الفنانة التشكيلية جيهان فايز، الأستاذ بقسم التصوير بكلية فنون جميلة جامعة المنيا، أن التعليم الآن لا يساعد على الصعود الطبقي، هو يساعد فقط على تحسين المستوى المعيشى وبالكاد ضمان حياة كريمة. معللة: منظومة التعليم حالياً فاشلة ولا تضمن أى فرصة عمل حتى للطالب المتفوق، بل الأمر يعتمد على الشخص وإمكانياته فى خلق فرصة عمل جيدة لنفسه. فلن يترقى الشخص لمجرد أنه متعلم فيوجد عندنا ملايين من الشباب متعلمون وعاطلون، لدرجة تجعلهم يمتهنون أى عمل لتوفير مكسب معيشي، وأنا بنفسى تعاملت مع شاب فى محطة بنزين وفوجئت أنه حاصل على بكالوريوس هندسة! ويوجد آخرون غيره خريجو كليات طب وعلوم وتجارة ويعملون (سائقى تاكسى أو توك توك).
الصعود لطبقة أعلى يصنعه الشخص بنفسه، بمجهود خرافى وإن صادفه حظ. أما إن لم يصادفه الحظ فهو كما هو، بل من الممكن أن يتراجع مستواه كمن تخرج فى هندسة وعمل فى بنزينة. عكس نماذج كثيرة تمتلك شققًا فاخرة فى أرقى مناطق مصر، وتجدهم تجار فاكهة أو خريجى معاهد متوسطة، ويرجع هذا إلى ذكائهم فى طرق كسب المال.


إبراهيم غزالة: الفهلوة هى طريق الوصول


يرى الفنان التشكيلى «إبراهيم غزالة» أن التعليم الآن لم يعد فرصة لأى نقلة اجتماعية، ولا يساعد على الصعود الطبقي.
«أنا من المنصورة، وأثناء دراستى بالابتدائية كان من يحصل على درجة الثانوية العامة يحق له أن يعمل بالتدريس داخل المدرسة، ويأخذ راتبًا يكفيه أن يشترى قيراط أرض ويبنى عليه». أما الآن فأغلب مليونيرات مصر  كانوا من طبقات بسيطة جداً، تحولوا من بسطاء إلى رجال أعمال، يتاجرون فى مجالات ليس لها علاقة بتخصصهم الدراسى إن كانوا أكملوا مراحلهم الدراسية من الأساس.
وعلى النقيض نجد أن أستاذ الجامعة راتبه ينتهى مع أول 10 أيام من الشهر!. وهذا يؤكد أن ما يساعد على الترقى الطبقى الأن هو «الفهلوة» ليس أكثر، الشطارة وإيجاد فرصة عمل جيدة أو فهم السوق وتسقيع الأراضى وما إلى ذلك من أمثلة.
يشعر «غزالة» بالحزن من النظرة العنصرية للبواب واستكتار أن تحصل ابنته على المركز الأول فى الثانوية العامة قائلاً: «البواب» فى مصر هو حارس عقار له راتب شهرى كأى عامل، وباستطاعة أى شخص أن يعمل بوابا، فهى من المهن التى ليس لها مواصفات أو شروط، ويتساءل: هل كانت ستثار كل هذه الضجة لو كانت الأولى على الثانوية العامة بنت فرد أمن يحرس بنكاً مثلاً؟!



سعد روماني: المجتهد يأخذ فرصته


الفنان التشكيلى سعد روماني، يقول: لم يسأل أحد عن وظيفة والد أحمد زويل، عندما تفوق فى مصر ثم فى خارجها. التعليم بالتأكيد يساهم فى الترقى الطبقي، ولكن فرص هذه المساعدة ونسبها ضئيلة جدا وليست عادلة الآن، لأن الفهلوة تتحكم فى المستوى الاجتماعى والطبقى والحالة المادية منذ زمن طويل.
يشرح روماني: تعليم الفلاحين ومجانية التعليم وخمس فدادين للفلاحين أيام عبدالناصر كانت فرصة جيدة، لكن ظلت النظرة للفلاح كما هى لم تتغير، رغم احترامنا لوظيفته، وهذا سلوك يتوجب تغييره، فمازلنا ننظر للبعض بدونية رغم تفوقهم.
نعم المجتهد يأخذ فرصته، ومن يستطع أن يثبت وجوده سيأخذ فرصته، لكن الطبقية جزء من ثقافة المجتمع التى قد لا نصرح بها، لكن تظل موجودة داخلنا، لدرجة أن البعض لديه شعور بالاضطهاد حتى لو لم يكن هذا حقيقيًا أو أمرًا واقعًا، مسألة نفسية فى البشر وفى دول العالم كله كأمريكا وأوروبا، وليس فى مصر فقط، نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية وطرق التعليم، فتأثيرها قوى وتصل لحد العنصرية.


 د. سعيد توفيق: أين التعليم الحكومي؟!



الدكتور سعيد توفيق، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، يرى أننا نعيش مرحلة سكون طبقى منذ سنوات، وهو السكون الذى لا يحدث تنمية حقيقية فى الفكر أو الثقافة أو حتى الإنتاج الصناعي، لأنه لا يوجد مؤهلون للعمل فى المصانع والتخصصات التى يطلبها السوق بشكل ملموس.
ويرجع السبب فى هذا السكون إلى أن التعليم فى مصر الآن لا يصنع ترقيا طبقيا أو اجتماعيا، لأنه لا يوجد تعليم فى المدارس الحكومية، المجانية شكلا، ولا فى التعليم الصناعى أو الزراعى أو التجاري، لأن التعليم لا يُكسب الطالب مهارات حقيقية فى تعلم اللغات، أو المهارات المعرفية أو الفنية.
ويلفت سعيد إلى أن انهيار التعليم قد بدأ منذ الستينيات، عندما أُهمل تعليم اللغات الأجنبية، بالسماح لمعلمى التاريخ وغيره بتدريس اللغات الأجنبية، بينما مدارس اللغات تعطى للطالب على الأقل مهارات تعلم اللغات الأجنبية، ولا تستطيع الطبقات الفقيرة إلحاق أبنائهم بهذه المدارس، لأن تعليمها مكلف.
ويرى سعيد أن توظيف خريجى الجامعات والمدارس فى عصر جمال عبدالناصر وما تلاه «القوى العاملة»، أنها لم تخلق حراكا اجتماعيا حقيقيا، لانعدام التنافس الحقيقى فى الحصول على الوظيفة، مطالبًا بمشروع قومى للتعليم المجانى الحكومي، ليقدم خدمة تعليمية حقيقية للطلاب، وإلى إعادة النظر فى مجانية التعليم الجامعي، والاهتمام بالتعليم الصناعى والزراعي، الذى كان سببًا فى نهضة ألمانيا بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية.



رفعت السعيد: الوظائف محجوزة



د. رفعت السعيد، الرئيس السابق لحزب التجمع، يؤكد أن التعليم هو وسيلة الترقى الطبقى فى كل المجتمعات، منذ أيام كهنة الفراعنة، وضرب محمد على نموذجًا للترقى الطبقى بين أبناء الفلاحين والعمال، عندما كان يأخذ أبناء الفلاحين غصبًا من أهاليهم ويعلمهم.
وبعض الفلاحين كانوا يضحون بالغالى من أجل تعليم الأبناء، فوالدة رفاعة الطهطاوى باعت ذهبها من أجل أن يتعلم ابنها ويذهب للقاهرة، لتلقى العلم فى الأزهر، وعندما أنهى دراسته، استطاع أن يثبت نفسه فى العمل، وينعم عليه الباشا محمد على بفدادين، بما عرف بإنعامات ولى النعم، وهى الأراضى التى أخذها من المماليك عندما قضى عليهم.
ويحكى رفعت قصة أخرى لعلاقة التعليم بالترقى الاجتماعي، قصة النبراوى باشا، الذى كان أبوه فلاحا بسيطا، بعثه يوما بعربة بطيخ ليبيعه فى القاهرة، لكنها تعثرت ووقع البطيخ متكسرا على الأرض، فخاف أن يعود إلى أبيه، وقرر الانتساب للأزهر، وهناك تم اختياره من بين المتميزين للدراسة بمدرسة الطب بقصر العيني، فتفوق فى دراسة الطب، فيبعثه محمد على فى بعثة لدراسة الطب بفرنسا.
ويعود النبراوى لمصر، ليكون طبيبا لأسرة محمد على وكبار الأعيان، الذين قاموا بالإنعام عليه بمئات الأفدنة، حتى صار من كبار أغنياء مصر، ليرتقى النبراوي، هو وأولاده وأحفاده، ومن أشهرهم سيزا نبرواي، ضمن أشهر عائلات مصر الغنية.
ويستدرك السعيد: التعليم الآن ما هو إلا شهادة، لا علاقة لها بالعمل، لأن الوظائف العليا محجوزة لخريجى الجامعات الألمانية والأمريكية وغيرهما، بينما خريجو الطب والهندسة قد يعملون فى توصيل الطلبات للمنازل، فأقصى ما تستطيع الدولة أن تقدمه للمتفوقين من الفقراء، مثل مريم فتح الباب، هو المنحة الدراسية، لكن لا تستطيع أن توفر لها العيادة الخاصة، أو وظيفة حكومية مرموقة.



سعيد الكفراوي: دفعات 54 وحتى 74 ضعيفة فى اللغات


الروائى سعيد الكفراوي، يقول: التعليم فى حد ذاته وسيلة للترقى الطبقي، لأنه إحدى وسائل تحقيق الطموح، وظل هذا الأمر متحققا، حتى ما قبل ثورة 52، عندما كان ينظر للتعليم كقيمة للحكم على الأفراد، وليس معيار الثروة والجاه، وبدأ انهيار التعليم فى عصر جمال عبد الناصر، عندما كان ينجح الطالب فى المدرسة، بحصوله على 12 درجة من 50 فى اللغات، باعتبارها لغات المستعمرين.
تخرجت كغيرى من دفعات 54 وحتى 74 لا نعلم شيئا عن اللغات الأجنبية، ومن كان يتعلم كان باجتهاد شخصى خارج المدرسة، بينما ظلت مدارس الإرساليات هى التى تخرج طلابا حصلوا على تعليم حقيقي، واكتشفت كغيرى من أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة، أننا لم نتعلم تعليما يؤهلنا لوظائف متميزة، وبالتالى الترقى لطبقة أعلي.
ويحمل الكفراوى الدولة بكل مؤسساتها مسئولية الارتقاء بالتعليم وجودته، إذا كنا نرغب فى تغيير المجتمع للأفضل.



المسشارة نجوى صادق: الدعم الرئاسى للعلم مهم

مشهد وجود الطالبة مريم بجوار الرئيس السيسى فى مؤتمر الشباب الأخير يوضح احترام العلم فى مصر، وأن المسئولين فى بلدنا يعوون تماما أن التقدم العلمى هام، ليس فقط لارتقاء الفرد فى المجتمع، لكن لارتقاء الوطن بأكمله، وتكمن أهمية العلم أيضا فى مدى مشاركة الفرد فى مشروعات التنمية، التى تحتاج إلى شخص واع ومثقف، وهو أمر لايمكن أن يتحقق دونما أن يعى الإنسان من داخله أهمية أن يكون فرد متعلم ومثقف، والدولة حينما ترفع من قدر المتعلم فهى تعطى من خلاله نموذجا لما يجب أن يكون، مشيرة إلى أن وجود شرط اللياقة الإجتماعية للقبول فى بعض الوظائف لايعنى استبعاد أبناء الطبقات الفقيرة ماديا من المشهد، فمريم رغم مهنة والدها البسبطة لائقة بل ومشرفة لأى مكان تعمل به، وأنا شخصيا أشرف من خلال عملى على اختبارات وكلاء النيابة التى يتم اجتيازها بهدف التعيين، ولم يحدث يوما أن رفضت شخص نابغ فى علمه، ومتوافق فى شخصه بسبب مستواه الإجتماعى، وتأتى بعد ذلك مهمة التحريات الأمنية التى قد تحول بينه وبين التعين لأسباب تتعلق بالأمن القومى، أو لأسباب جنائية، لكن ليس بسبب مستوى أسرته المتواضع، وعن نظرة المجتمع ككل تقول، النظرة تغيرت، فالشخص بكفاءته ومدى مشاركته الفعلية فى التنمية، وليس بمستوى أسرته الإجتماعى،  ووجود دعم رئاسى يعطى أمل لأصحاب الكفاءات فى الترقى الإجتماعى.

د. سامى نصار: كنا من أبناء الفقراء


الدكتور سامى نصار، العميد الأسبق لمعهد البحوث التربوية بجامعة القاهرة: لا حل أمام الفقراء للترقى الاجتماعى إلا التمسك بالتعليم، فجيلى وزملائى كنا من أبناء الفقراء وصغار الموظفين، ولم نصل إلى ما نحن فيه إلا بالتعليم.
لا يتوقع نصار أن تحصل مريم فتح الباب ابنة البواب، المتفوقة دراسيا على وظيفة مرموقة، لأن مجتمعنا عنصرى متعصب، فالعيب ليس فى النظام التعليمى الذى تفوقت فيه، وإنما فى النظام الاجتماعى القائم على الإقصاء والإبعاد للطبقات الفقيرة، استنادا على مبادئ الرأسمالية التى تقوم على البقاء للأقوي، وليس الأصلح.


د. جابر عصفور: الفقراء يكافحون من أجل التعليم

وزير الثقافة الأسبق وأستاذ النقد الأدبى بآداب القاهرة، لايزال يرى أن التعليم المصري، بكل عيوبه وفساده، بحسب وصفه، فرصة لصعود الطبقات الفقيرة، فبالجهد والمثابرة يستطيع أبناء الفقراء الوصول لأهدافهم.
يقول د. جابر: أشاهد يوميا فى الجامعة طلابا متفوقين، ومعيدين من أسر فقيرة، يعرفون قيمة العلم، ويقدرون قيمة التعلم، وما بذله أهلهم ليصلوا إلى هذه المكانة، ولايزالون يثابرون من أجل أن يحصدوا ثمرة هذا العلم، ويهدونه لأهلهم.
فالتعليم الجيد الآن لا يستطيع الفقراء الإنفاق عليه، ذروة التعليم الجيد فى مصر، كانت خلال عهد الرئيس جمال عبدالناصر، الذى أظهر زويل الحاصل على نوبل، ومثله مجدى يعقوب، وغيرهما مثلى أنا ابن التاجر البسيط، الذى أوصلنى التعليم لأن أكون «جابر عصفور».
ويصف جابر حالة المجتمع الآن، بالاضطراب فى الحراك الطبيعى للمجتمع، والتى بدأت مع عهد الرئيس الراحل أنور السادات، الذى اختلت فى عصره المعايير والقيم الاجتماعية لتحل محلها قيم الانفتاح، ومع هذا فالأمل لايزال موجودا، بالنسبة لأبناء الفقراء، لكن بالكثير والكثير من الجد والمثابرة منهم ومن أهاليهم.