الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رباب حاكم تحكى عن والدها

رباب حاكم تحكى عن والدها
رباب حاكم تحكى عن والدها


كتب: حسن حاكم
عدت فترة فى طفولتى كنت متضايقة من أبويا أوي
يمكن بتعبير أدق «ما كنتش فخورة بيه»!
ليه ..
عشان كنت بأدخل بيوت أصحابى وجيرانى فى أيام الإجازات وبلاقى كل الأبهات، اللى بيصلح السباكة واللى بيعلق الستاير واللى بيعمل نجارة واللى بطل مغوار عشان قتل الفار اللى دخل بيتهم. وأبويا ما كانش بيقوم بالمهام العضلية والعنترية دى.

بيجلب سباك لو السباكة باظت وبينده البواب عشان يطلع الفار من البيت من غير ما يقتله و... بنى آدم عادى.. مش بطل..
وفكرة إنه رسام جامد دى ما كانتش بتعنى لى ساعتها أى حاجة لإنى وقتها كنت فاكرة إن الرسم زيه زى المشى. عادى إن البنى آدمين تبقى بترسم.
كان له طقس معايا إنه بيحب بعد ما ياخدنى من المدرسة نروح نقعد على البحر فى الشتا نتفرج على النوارس قبل ما نروح البيت.
مراقبة النوارس كان ممكن تعدى الساعتين. تأمل وفرجة وسرحان مشترك..
لغاية ما فى يوم نورس رجليه علقت واتشبكت فى سور حديد.. واحنا قاعدين نتفرج والنورس شنكلته وقتها طال.. وفضل يرفرف بجناحه..
بعد شوية بدأ يبقى فى أزمة.. النورس ح يكسر رجله وهو بيعافر وبيحاول يفك نفسه.. المسألة طولت وعدت الساعة.
وبدأنا نتوتر توتر صامت واحنا بنراقب الموقف.
والنورس بقت حالته زى اللى وقع فى شرك.
لغاية ما أبويا أخد القرار.. !
الراجل «اللى مش بطل ومش عنتري» قرر ينزل يفك النورس ويسلكه عشان يتحرر ويطير.
والنورس اللى مش عارف «طائر من الجوارح».. بمنقار شرس ومخالب.
أبويا نزل وقرب من النورس على بعد متر ونص تقريباً وفضل باصص له شوية «تقريبا ًكان بيحسب المسافة بين إيديه والجناح».. لقيت بابا مادد إيديه العارية وموطى راسه عشان يحمى وشه ودخل بايده يفك النورس.
النورس خاف وفضل يضرب بجناحه ويخبط أبويا برجله التانية السالكة بمخالبة الحادة.. وقع لبابا «البيريه» ع الأرض من على دماغه وشفت صلعة أبويا وهى بتتجرح جروح سريعة من مخالب النورس. بس أبويا فضل يعافر، وفك النورس فعلاً.. والنورس طار..
وطى أبويا أخد البيريه بتاعه ورجع ركب العربية وبدأ يستكشف جروحه فى مراية العربية وينشف دمه..
ساعتها قلت لبابا: يا حبيبى يا بابا! أنت اتعورت.. غبى النورس ده، عورك وأنت بتساعده!
ساعتها بابا رد من غير أى نبرة حكمة بل بعادية شديدة وببساطة ..
قال لى: معلش.. كان خايف أوى.. خافى من الخايف
...
يومها اتكسفت من شوفى السرى لأبويا إنه مش أب جامد ومش بطل وما بيصلحش سباكة الحمام ورجل الكرسى..
كلهم بيعملوا كلام من ده.
بس كام بابا ح ينزل يفك النورس وهو عارف إنه ح يجرحه..؟!
كام بابا ح يركز مع نورس متشنكل وللا طاير؟
كم بابا ح يهتم أصلاً يقف يتفرج مع بنته ع النوارس؟
حسيت ساعتها إن بابا بطل. من نوع مختلف ونادر.. وإنى محظوظة.
ده يومها ...
بس ليومنا ده كلمته بترن فى ودنى ومكملة معايا .. صدقت يا بابا
.... «خافى من الخايف»
الموت النهارده الذكرى السنوية للرحيل
اللى كنا بنسميه «انتقال»
والناس بتسميه موت.
وجعنا موت «منى أختي» سوا
واتحسرنا بموت «نبيل السلمى صديقك» سوا
وفضلنا خايفين من رجوع الموت سوا
ولما جه. أخدك لوحدك
....
مافيش موت يا بابا
فيه خلودك حبيبى، على الأقل فى حياتى. أنا الموهوبة بيك والمحظوظة بمجاورتك..
فى الذكرى دى ح أفضل أقول لك كل سنة وأنت أسلم وأخف وأزهى ومُترقى فى عوالمك الحلوة
كل سنة وروحك مجاورة، بتعلم وتقوِّم وتعقل فيا
كل سنة وأنا باحكى بيك وعنك
باتكلم عنك كتير زى ما أكون بوصَّل حكمتك لحبايب أنت وهم ما اتقابلتوش.