الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المشاهدة عبر الإنترنت.. ماذا يحمل المستقبل؟

المشاهدة عبر الإنترنت.. ماذا يحمل المستقبل؟
المشاهدة عبر الإنترنت.. ماذا يحمل المستقبل؟


إذا كانت المشاهدة التليفزيونية مازالت مسيطرة على الحاضر، فإن المشاهدة عبر الإنترنت هى المستقبل الذى حل واقعاً علينا بالفعل. فماذا يحمل هذا التغير فى طياته لكل من منظومة الإنتاج الدرامى ولنا نحن المشاهدين؟
كان مشهد العائلة المجتمعة حول التليفزيون مشهدا كلاسيكيا اعتدناه لأكثر من نصف قرن، لكن هذا المشهد يفسح المجال رويدا لآخر نرى فيه الكثيرين منغمسين فى شاشات الهواتف وأجهزة التابلت والكمبيوتر يشاهدون الأعمال الدرامية والترفيهية، بالإضافة للتواصل الاجتماعى. وإذا كنا قد ذكرنا فى مقال العدد السابق أن المشاهدة عبر الإنترنت لا تعدو كونها مؤشراً عاماً على نسبة المشاهدة التليفزيونية، فإننا إذا انتقلنا بالحديث إلى الفئات العمرية الأصغر التى تقود المشاهدة عبر الإنترنت أصبحت تلك هى نسب المشاهدة الرئيسية التى يمكن حسابها بدقة لم تكن ممكنة قبل هذا النمط الجديد.

هذه القدرة الجديدة والمتزايدة على قياس عدد المشاهدات وتسجيل العديد من المعلومات الإضافية (حول من يشاهد ماذا من البرامج) اجتذبت شهية صناعتى الإعلام والإعلان بقوة، فأخيرا أصبح المعلنون قادرين على توجيه حملاتهم الإعلانية بدقة للفئات المستهدفة، كما أصبحت منصات الإنترنت الإعلامية قادرة على تطوير كيفية توجيهها لمحتواها الإعلامى بدون قيود البث الخطى التقليدى مثل توقيت البث أو استثناء مجموعة من المشاهدين عند استهداف الأخرى، مستفيدة من الواقع المتنامى الذى أصبح يتيح لكل شخص شاشته الخاصة الصغيرة، التى له بمفرده تحديد ما يشاهده من خلالها.
هذه المنصات الجديدة اعتمدت فى بناء اقتصادياتها على النموذجين الرئيسيين للمحطات التليفزيونية التقليدية، وهما المشاهدة المجانية مع تحميلها بالإعلانات، أو الدفع مقابل المشاهدة سواءً على شكل اشتراكات أو مقابل كل محتوى على حدة، متسلحين فى هذا بإمكانات الإنترنت المتطورة على غرار المشاهدة فى أى مكان وعند الحاجة، بالإضافة للقدرة على التفاعل الاجتماعى الحقيقى واللحظى حول ما تتم مشاهدته. من هنا اعتمدت منصات مثل يوتيوب النموذج الاقتصادى الأول مع تعديله ليصبح الجميع منتجاً ومشاهداً للمحتوى، فى حين أُنشِئت منصات مثل نت-فِلِكْس (NETFLIX) وآى-فلكس (iflix)  بناءً على النموذج الثانى معتمدة على الإنتاج والشراء التقليدى للمحتوى، وأخيراً ظهور منصات على الإنترنت أكثر تعقيدا مملوكة للمحطات التقليدية قادرة على استغلال كلا النموذجين مع الاستفادة من محتواها الأصلى الذى يعرض على التليفزيون. أضفى كل هؤلاء على مفهوم المشاهدة بعداً جديداً تماماً، فلم يعد المشاهد متلقيًا للمحتوى الإعلامى، بل تطور ليكون مساهماً ثم صانعاً بنفسه أيضا لهذا المحتوى، ولكى يستطيع متخصصو التسويق والإعلان الرقمى مواكبة هذا المفهوم فقد قاموا بتطوير إطار توصيفى جديد يقسم أنواع المحتوى إلي:
• محتوى مدفوع (Paid Media)  وهو أنماط المحتوى الإعلانى بأشكاله المختلفة التى ترتبط بالمحتوى الأصلى.
• محتوى مملوك (Owned Media)  وهو المحتوى الأصلى المملوك من قبل منصة البث أو الأفراد  أو الجهات التى تستخدم تلك المنصات.
• محتوى مُكتسب (Earned Media)  وهو محصلة التواصل الاجتماعى الناشئ بسبب المحتوى الأصلى سواءً على شكل تعليقات أو تدوينات مكتوبة أو مصورة.. إلخ.
وعلى الرغم من أن التقسيم السابق يميل نحو الجانب التسويقى للمحتوى أكثر من جانب المشاهد العادى، فإنه يظهر بوضوح النقلة النوعية فى إدراج مشاركة المشاهدين كإحدى الركائز الرئيسية للمحيط الإعلامى. 
كل ما سبق أدى إلى تجزئة أكبر لفئات المشاهدين، بالإضافة إلى انفجار معلوماتى حول تفضيلاتهم وأنماط مشاهدتهم ومشاركاتهم، انفجاراً يستحق أن يدرج فى خانة ما يسمى بالبيانات الكبرى (Big Data)  التى أصبحت التوجه الأكثر حداثة فى عالم التحليل الإحصائى والبرمجة، حيث يتيح هذا الكم الضخم من البيانات - عند تحليله بشكل سليم - فهم دوافع المشاهدة والمشاركة بدقة تسمح بتطوير تلك المنصات الرقمية بسرعة غير معهودة سابقاً فى عالم الإعلام وبحيث لا يسمح أحيانا بالفترات الزمنية اللازمة للاستقرار والتوازن سواء الاقتصادى لهذه المنصات أو القدرة الاستيعابية على ملاحقتها بكفاءة من مستخدميها، ولكن على الرغم من ذلك فإن نجاحها الكبير أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المشاهدة عبر الإنترنت سوف تستحوذ على المستقبل.
إذاً كيف سيتأثر الإنتاج الدرامى المتعارف عليه حاليا من برامج ومسلسلات؟ قد تظهر أشكال جديدة(New Formats)  لتلك الأعمال، ولكن الأشكال التقليدية باقية ولاتزال تنتج بكثافة كما سبق بسبب قدرة الوصول للمشاهدين عبر جميع الحدود التى تسمح بها الإنترنت لمنصات الإعلام الرقمى، مما يوفر لها نظرياً أعداداً مضاعفة من المشاهدين المحتملين حول العالم عن نماذج محطات البث التقليدى. وإذا تساءلنا: أين نحن فى مصر من ذلك؟! فبالرجوع إلى أحد الإحصاءات المنشورة قريباً سوف نجد أن مستخدمى الإنترنت فى مصر نحو 30 مليون مستخدم أكثرهم من خلال هواتفهم، ما ينبئنا بأننا لسنا عن هذا المستقبل ببعيد وبالأخص كلما زادت كفاءة خدمات الإنترنت.
ماذا سيحل إذاً بجهاز التليفزيون والمشاهدة المشتركة التى اعتدناها؟ لا داعى للقلق، فإن صناع تلك الأجهزة مستعدون للثورة الرقمية من خلال تصنيعهم لأجيال جديدة «ذكية» من أجهزتهم قادرة على الدخول على الإنترنت وتحميل معظم أنواع المحتوى الإعلامى الرقمى الجديد، وبذا سيظل التليفزيون يحتل صدارة غرف جلوسنا لفترة غير قصيرة حتى وإن تغير مصدر ما نشاهده على شاشته.•