السبت 5 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

نسب المشاهدة .. لم تثر الاهتمام

نسب المشاهدة .. لم تثر الاهتمام
نسب المشاهدة .. لم تثر الاهتمام


كلما حل علينا شهر رمضان الكريم مؤخرا، ازداد صخب الحديث عن نسب المشاهدة اليومية للأعمال التليفزيونية المتنافسة، ويتضح ذلك جليا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتبارى أبطال وصناع الأعمال الدرامية فى نشر أرقام المشاهدات على موقع يوتيوب، مؤكدين بذلك نجاح أعمالهم وتفوقهم فى ظل منافسة شديدة. ويمتد هذا النمط للقنوات الفضائية التى تولى أيضا اهتماما كبيرا بهذه النسب لدرجة حدوث خلافات علنية بينها أحيانا حول تلك الأرقام.
 لذا فإن السؤال هنا هو لماذا يهتم كل هؤلاء وآخرون أيضا بهذه النسب ونشرها للجميع؟ إنها بالطبع الإعلانات، فهى المحرك الاقتصادى الأول لمنصات الإعلام المجانى مثل القنوات الفضائية المفتوحة أو البث على الإنترنت، حيث تشكل الفقرات الإعلانية  مصدر الدخل الرئيسى لتلك القنوات الإعلامية المجانية، ومن الناحية الأخرى يود المعلنون الذين يدفعون مبالغ مالية غير قليلة مقابل حملاتهم الإعلانية التأكد من أن هذه الإعلانات سوف يشاهدها أكبر عدد من الفئة المستهدفة التى يودون تسويق منتجاتهم إليها لكى تحقق الجدوى الاقتصادية المرجوة منها.
لذا تأتى نسب المشاهدة للقنوات والبرامج كحل يضمن للمعلنين نسبة المشاهدة المناسبة لإعلاناتهم، وبدورها فإن القنوات التى تحقق تلك النسب العالية تجتذب المزيد من المعلنين، وأخيرا يستطيع صناع الأعمال الدرامية الناجحة ضمان إعادة إنتاج أجزاء أخرى أو شراء أعمالهم المقبلة من المحطات التليفزيونية بناءً على هذا النجاح.
ومن ثم فإن أول ما يخطر على البال أنه فى عصر الإنترنت ومواقع مثل يوتيوب أصبحت تلك المسألة سهلة، فيكفى أن نقارن أعداد المشاهدات التى تسجلها تلك المواقع كى نتعرف على البرنامج الأعلى مشاهدة ثم التالى وهكذا دواليك. ولكن الواقع ليس بهذه البساطة لأسباب عدة، أولها وأهمها أن سوق الإعلانات الرئيسية التى تضخ الأموال اللازمة لإدارة المحطات التليفزيونية - ومن ثم إنتاج الأعمال الفنية - مازالت تقوم بشكل كبير على منصة البث التلفزيوني، وعلى الرغم من أن بعض الدراسات العلمية استطاعت استخدام مشاهدات يوتيوب كمؤشر عام على مدى رواج تلك الأعمال فإن هذه المؤشرات ما زالت لا تكفى على الإطلاق كى تثبت للمعلنين أن إعلاناتهم تمت مشاهدتها على شاشة التلفزيون حيث التكلفة الأكبر لحملاتهم الإعلانية. فعلى سبيل المثال فإن الفئات العمرية التى تشاهد البرامج على الإنترنت ليست نفسها التى تشاهد نفس البرامج على التلفزيون وقد تختلف تفضيلاتهم عن بعض، كما أن المشاهدة عند الحاجة التى تتميز بها قنوات الإنترنت تختلف كل الاختلاف عما يطلق عليه (البث الخطي) أو البث التقليدى الذى تبث فيه البرامج فى أوقات محددة محملة بإعلاناتها، فإذا لم يستطع المشاهد اللحاق بتلك الأوقات فإنه يفقد فرصة مشاهدة البرنامج ومن ثم تلك الإعلانات.
إذا ماذا تفعل تلك المحطات التليفزيونية سواء فى مصر أو فى الدول الأخرى لكى تستطيع إثبات نسب مشاهداتها؟ إنها تلجأ إلى وكالات أبحاث إعلامية متخصصة لكى تقوم بإعداد استطلاعات للرأى (و هو ما يتوافر فى مصر) واستخدام أدوات تكنولوجية تستطيع تحديد ما تشاهده عينة عشوائية تقبل الاشتراك فى هذا البحث لمدد محددة (وهو ما ليس متوفرا فى مصر حاليا). وبناءً على تلك العينات العشوائية، يتمكن الباحثون من الاستدلال الإحصائى البسيط على نسب المشاهدة فى قطاع جغرافى عريض مثل القاهرة الكبرى أو حتى جمهورية مصر العربية بأكملها بنسبة خطأ إحصائى مقبولة نسبيا، مستخدمين فى ذلك حصرا تقديريا لعدد المنازل التى تحوى جهازى تلفزيون واستقبال فى النطاق الجغرافى محل الاهتمام، ومن ثم اختيار عينة عشوائية من هذا النطاق لسؤالهم عما شاهدوه فى فترة محددة، وأخيرا استخدام تلك البيانات لاستنتاج فئات المشاهدين المختلفة ونسب مشاهداتهم العامة لتلك البرامج والفقرات المتعددة على مدار اليوم. وعندما تحصل كل من المحطات التليفزيونية والوكالات الإعلانية على تلك النتائج يصبح بإمكان الأولى تسعير فقراتها الإعلانية والثانية تحديد القنوات والبرامج التى تحقق أكبر نسبة مشاهدة لإعلاناتها ضمن ميزانية حملاتها الإعلانية. يمكن مما سبق استنتاج أن القيمة التجارية الحقيقة لأرقام نسب المشاهدة هى المقارنة بين توقيتات العرض المختلفة على مدار اليوم وبين القنوات المختلفة ضمن نفس توقيت العرض، أما نسب المشاهدة الإجمالية على مدار اليوم أو تلك الخاصة بالبرامج على الإنترنت فلا تتعدى كونها مؤشرات عامة واستخدامها بخلاف ذلك فهو بهدف التحفيز النفسى وليس التجارى كما هو المفترض بالمقام الأول.
أخيرا ماذا يعنينا كمشاهدين من كل هذه الأرقام؟ إنها تعنى أن هناك من يولى اهتماما بما نشاهد لكى يوجه لنا إعلاناته، وبالتالى فإنه أيضا يولى اهتمامه بما نحب مشاهدته وما ننصرف عنه. ومن ثم كلما استمر الاهتمام الحقيقى بنسب المشاهدة فإن لنا أن نتوقع تحسنا فيما نشاهد لأنه فى الأغلب سيصبح أقرب لذوقنا العام وما نود مشاهدته. لذا فى الفرصة المقبلة التى يتاح لك فيها الإدلاء برأيك على مواقع التواصل أو فى استطلاع للرأي، فأنت تعلم الآن فى ماذا سوف يستخدم رأيك وما الدافع التجارى وراء الاهتمام به... ونتمنى لكم مشاهدة ممتعة دائما. •