السبت 28 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ماكرون.. هل سينجح فى تغيير وجه فرنسا؟

ماكرون.. هل سينجح فى تغيير وجه فرنسا؟
ماكرون.. هل سينجح فى تغيير وجه فرنسا؟


لم يكتف مرشح الوسط إيمانويل ماكرون الذى دخل انتخابات الرئاسة الفرنسية بدون ظهير سياسى، أن ينافس فى المرحلة الثانية منها «سليلة الحسب السياسى والنسب اليمينى المتطرف مارين لوبان» بل أن يفوز بالمنصب الكبير وهو لم يتعد بعد الأربعين من العمر (مواليد 21 ديسمبر 1977)!

هذا الشاب خاض الانتخابات وإلى جانبه حركة أطلق عليها عند إعلان قيامها فى أبريل 2016 مسمى «حركة إلى الأمام».. هى ليست حزباً وليس لها تاريخ سياسى، لذلك كان من الطبيعى أن يوصف فوزه «الذى كان غير متوقع» بالاعتماد فقط على الناشطين فيها، بأنه أعاد - أى الفوز بهذه الكيفية - تشكيل المشهد السياسى الفرنسى لأول مرة منذ نهاية خمسينيات القرن الماضى.
يعنى إيه يعيد تشكيل المشهد السياسى؟ هيا فوضى؟..  ولا فوضى ولا حاجة، لأن الناخب الفرنسى اختار طواعية أن يُقصى مرشحى القطبين السياسيين التقليديين.. اليمين التقليدى واليسار الاشتراكى اللذين ظلا يتبادلان منصب رئيس الجمهورية منذ عهد الجنرال شارل ديجول وإلى الأمس القريب.. وبدلاً من هذه الثنائية القطبية التى تعارفت عليها البلاد لأكثر من ستة عقود، وقفت القوى التصويتية فى المرحلة الانتخابية الأولى وراء المرشحة لوبان بنسبة 24.38 % وأيدت ماكرون بنسبة 22.19 % .. أما فى الجولة الثانية فقدمت دعمها الكامل لمرشح الوسط، مما أجبر منافسته على الاعتراف بهزيمتها فى وقت مبكر قبل الإعلان الرسمى لوزارة الداخلية الفرنسية، وسارعت بترك الساحة والاستمتاع بالرقص بين أنصارها.. باعتبار أن اليوم رقص! وغداً مُعارضة شديدة المراس تقودها عبر منابر الجبهة الوطنية.
عودة إلى صاحبنا الفائز..
الأكثرية حول العالم خاصة الرابضين فى العواصم الكبرى، سعوا فوراً لاستكمال معلوماتهم عن الرجل وخلفياته منذ تخرجه فى جامعةParis Nanterre حتى فوزه برئاسة الجمهورية الفرنسية لكى يقارنوا بين قدراته كرجل تنفيذى عمل فى مجال الاقتصاد والاستثمار على المستويين الخاص والحكومى، وبين ما يُتوقع أن يجرى على يديه كرجل دولة ربما تثبت السنوات الخمس المقبلة أنه من طراز فريد على مستوى قادة وزعماء القرن الحادى والعشرين «لأن فوزه بلا ظهير سياسى وإبعاده للثنائية الفرنسية الشهيرة من المشهد السياسى وهو فى هذه السن، ينبئ بأنه يتمتع بمزايا لابد أن تؤخذ فى الحسبان».
وهنا يقع السؤال المهم: هل يشارك إيمانويل غيره من الزعماء فى وضع نظرية جديدة تتحدث عن إمكانية الفوز بثقة الناخبين وفق برنامج انتخابى ينبع من أفكارهم ويعكس طموحاتهم، دون الحاجة لظهير سياسى عفى عليه الزمن وتجاوزاته الجماهير؟!
ما علينا، خلينا فى موضوعنا.
أما جماعة العارفين ببواطن الأمور عندنا، وخلى بالكم من «عندنا دى».. والمفتون فى كل شىء، عندنا برضه.. فلم يلفت نظرهم فى الرجل إلا أنه متزوج من السيدة بريجيت ترونيو التى تكبره بـ 25 سنة.. وأخذوا عليه أنه تعرف عليها وهو فى سن الخامسة عشرة!.. وقال بعضهم.. كان لزمته إيه الزواج منها بعد أن تقربت إليه كزميل لابنتها الثانية التى كانت تدرس معه فى نفس الفصل الدراسى بمدرسة أميان الثانوية؟ .. ووصفه البعض الآخر بأنه ربما كان - على طريقة حالات الحب الشرق أوسطية - طامعاً فى أموال عائلتها التى تُعد واحدة من أعرق العائلات الفرنسية المتخصصة منذ سنوات طويلة فى ميدان صناعة الشيكولاتة.
مش ده المهم، الأكثر أهمية.. أن حالة الحب والوئام بين الطرفين استمرت أكثر ما توقع لها والدا إيمانويل.. كما لم تُفلح سياسة إرساله إلى باريس لإنهاء السنة الأخيرة من دراسته الجامعية فى إبعاده عنها .. وبقيت العلاقة على ما هى عليه، وأخيراً تحقق حلمهما فى الزواج بعد طلاقها فى أكتوبر 2007.
طيب فين المشكلة؟..
اعترض المحللون عندنا على هذه العلاقة، وأنا شخصيا مش عارف بيعترضوا على إيه؟ وقالوا ما قالوا وحياً من الخيال وادعاءً لمعرفة غير متوافرة بالمرة وليست قائمة على حقائق قابلة للاطلاع.. بينما لم يعترض عليها أبناء بريجيت الثلاثة.. المهندس سباستيان (41 عامًا) وطبيبة أمراض القلب لورانس ( 40 عامًا) والمحامية كريستين، زميلـــة الدراســـة الثانـــوية (39 عامًا) التى أشرفت مؤخرا على حملة «جوز أمها الانتخابية».. وقال هو معلقا على ذلك: «لماذا يزعجهم فى بعض الدول الشرقية أن تكبرنى بهذه السنوات.. ولم يكن ليزعجهم لو كنت أنا أكبر منها بنفس عدد السنين»؟
يوم توليه الرئاسة ارتدى ماكرون بدلة متوسطة السعر (524 يورو) مما يرتدى مثلها الآلاف من أبناء الطبقة المتوسطة الفرنسية ووجهاء القوم من التنفيذيين العاديين! وكان فى إمكانه أن يقتنى «حتة» معتبرة يتراوح ثمنها بين 2000 و5000 يورو، من منطلق أن اليوم بالنسبة له يمثل أشياء عظيمة لابد من التعامل معها عبر المظهر والشياكة وما إلى ذلك من الأمور التى ينحصر فيها تفكيرنا فى مثل هذه الوقائع غير المتكررة.
الأعجب والأكثر إدهاشا أن زوجته «استأجرت».. مستغربين.. أيوه استأجرت الثوب الذى ظهرت به طوال يوم أداء اليمين وتسلم المسئولية.. صدقونى ذهبت إلى محل شهير بوسط باريس واختارت تايير أزرق فاتحًا شاركت به زوجها مراسيم الاحتفال داخل قصر الإيليزيه، ثم أعادته صباح اليوم التالى إلى المحل واستردت قيمة الضمان الذى تركته «تحوطاً» لما قد يطرأ عليه من عطب أو وسخ أو تمزيق حتى ولو بدون قصد.
أول النجاحات التى سجلها صاحبنا فى مرمى أهدافه السياسية الساعية لكسب أكبر عدد من تأييد النواب الأحزاب السياسية الذين سيفوزون فى الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها على مرحلتين يومى 11 و18 يونيه المقبل، بحيث يتمكن من تشكيل أغلبية برلمانية تُمكنه من إدارة دفة الشئون السياسية الفرنسية الداخلية والخارجية بلا تعقيدات.. وتفسح له الطريق لتحقيق وعوده التى قطعها على نفسه وحركته إبان معركته الانتخابية.. كانت تشكيلة وزارته الأولى التى اختار لها 22 وزيرًا نصفهم من السيدات كما وعد من قبل أكثر من مرة.
هذا الوفاء الجماهيرى يزيد من ثقة المواطن به وكذا الأجنحة الوسطية على مستوى الأحزاب الفرنسية العريقة.. وهذا هو ما يأمل الرئيس الفرنسى أن يحققه على وجه التحديد.. لأن هذه الثقة ستُقنع الحزبين الكبيرين بجدوى التوصل معه إلى شروط توافقية للتعاون بين الطرفين.. خاصة أن الغالبية العظمى من أعضاء التشكيلة الوزارية جاءت من بين أقطابهما.
بعيداً عن الانتخابات الشريعية الفرنسية وما إذا كانت ستدعم توجهات الرئيس ماكرون أم ستخذله.. هناك حقيقة يجب عدم إغفالها تقول «إن معالم الزعامات السياسية والتوجهات الحزبية كما كانت تعيشه الديموقراطية الغربية حتى الأمس القريب، لن يستمر طويلا».. لذلك يعلو صوت الهمس الذى يسأل: «متى يتحقق التغيير؟» .. ويأتى الرد هادئاً وقاطعاً: «من الصعب التكهن إن كانت موجة التغيير ستتواصل مسيرتها أم سيُحكم عليها بالثبات بعض الوقت أو الموت السريرى دون شفقة»؟.•