السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أسباب اشتعاله البصل المصرى محصول استراتيجى

أسباب اشتعاله البصل المصرى  محصول استراتيجى
أسباب اشتعاله البصل المصرى محصول استراتيجى


فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تشهدها البلاد، والزيادات المستمرة للأسعار، استطاع البصل أن يقفز إلى أعلى مستوياته ليصل إلى 8 جنيهات، وسط حالة من الغضب بين المواطنين. والبصل محصول استراتيجى مهم، من الممكن أن يوفر عملات صعبة لمصر هى فى أشد الحاجة إليها. وتشهد أسعار البصل فى السوق العالمية استقراراً عند مستويات العام الماضى، وهو ما ساعد فى تضاعف صادرات مصر منه العام الجارى. وأكبر الدول المنافسة للبصل المصرى فى الأسواق العالمية دولتا «المغرب، وإسرائيل»، لتفوقهما فى المنافسة السعرية.
فى هذه السطور نبحث عن أهمية ومميزات البصل المصرى، وأسباب اشتعال أسعاره، وكيفية السيطرة عليها، والمساحة التى تتم زراعتها بهذا المحصول، وإمكانية جلب العملات الصعبة من خلال تصديره، وكذلك إمكانية تصنيعه.
البصل لا يخلو أى مطبخ منه، ويدخل فى كثير من المأكولات، وله قيمة غذائية مرتفعة لاحتوائه على الأملاح المعدنية والفيتامينات، ويخفض نسبة السكر عند المرضى المصابين بالسكر.. إلخ.
• أهم علاج
وقد كانت له أهمية كبرى عند الفراعنة وأطلقوا عليه بالهيروغليفية اسم «بدجر» وأيضا «بصر»، وعرفوا أنه أهم علاج للكحة وينشط القلب. كما كان من أهم المواد التى استعملها المصرى القديم فى التحنيط، واستخدموه منبها للشهية ولإدرار البول. وكانوا يقومون بوضع البصل على أنف الطفل المولود، كى يعطوا له إكسير الحياة والمناعة. وتكشف النقوش أن الفراعنة كانوا يقدسون البصل ويعلقونه حول أعناقهم فى عيد يسمونه «نتريت»، كما كانوا يضعونه على أسرة النوم ليبدءوا يومهم صباحا بشمه فيحميهم من البرد أو السخونة. وقد ورد فى بردية «إيبرس» الطبية المشهورة ذكر البصل 13 مرة، مما يؤكد أهميته وقدرته على منح الجسم مناعة ضد الأمراض.
• قلة الإنتاج
وقال محمود عبدالسلام، بائع خضروات: إن سبب غلاء أسعار البصل ووصوله إلى 8 جنيهات، قلة المساحات المزروعة بالمحصول وقلة إنتاجه فى الأرض الزراعية فى مختلف أنحاء الجمهورية، مما أدى إلى قيام البائعين بشراء البصل من التجار فى محافظات الدلتا ووجه بحرى، والتجار يبيعون الكيلو للبائعين بـ 6 جنيهات ونصف الجنيه، ليصل بذلك سعره للمستهلك إلى 8 جنيهات مع احتساب سعر نقل المحصول من التاجر إلى الأسواق.
وقد قام د. أحمد محمد فراج قاسم، الأستاذ بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعى، وآخرون بكلية الزراعة - جامعة كفر الشيخ، بإجراء بحث بعنوان: «القدرة التنافسية لأهم صادرات السلع الزراعية المصرية فى الأسواق العالمية»، وتوصل من نتائج مؤشرات القدرة التنافسية لصادرات البصل، إلى ما يلى:
(1) ارتفاع القدرة التنافسية لمصر فى السوق العالمية للبصل مقارنة بجميع الدول المنافسة.
(2) وجود ميزة نسبية سعرية تنافسية لمصر فى السوق العالمية للبصل مقارنة بالدول المنافسة لها باستثناء تركيا.
(3) حققت كل من أمريكا، تركيا، إيطاليا، الصين، الهند إنتاجًا نسبيًا أعلى من مصر.
(4) ضعف معدل اختراق الأسواق للبصل المصرى مقارنة ببعض الدول المنافسة مثل أمريكا، المكسيك، إسبانيا، الأرجنتين، الصين، الهند.
(5) تفوق مصر على جميع الدول المنافسة لها فى الأهمية النسبية لصادرات البصل.
(6) تفوق مصر فى معدل النمو السنوى فى كمية صادرات البصل، مقارنة بأهم الدول المنافسة فيما عدا كل من الصين، ألمانيا، الهند.
(7) تمثل مصر المرتبة الثامنة فى استقرار إنتاج البصل مقارنة بالدول المنافسة.
 (8) يمثل النصيب السوقى لصادرات مصر من البصل للسوق الكويتية المرتبة الأولى مقارنة بأهم الدول المنافسة.
(10) معامل عدم الاستقرار فى كمية إنتاج البصل التركى، كمية صادرات البصل الأمريكي/ نظيره المصرى من أهم المتغيرات الاقتصادية المحددة للقدرة التنافسية لصادرات البصل.
• توصيات
وانتهى البحث بوضع عدد من التوصيات من أهمها: ضرورة اتباع سياسة سعرية وتصديرية تحقق ميزة تنافسية عالية فى أسواق التصدير ولها قدرة على مواجهة الدول المنافسة، مع ضرورة اتباع سياسة إنتاجية من شأنها تخفيض تكاليف الوحدة المنتجة، من خلال تخفيض أعباء الضرائب والرسوم التى يخضع لها الإنتاج المحلى، والتى تشكل عبئاً على العمليات الإنتاجية، مما يزيد من الأرباح ويساعد فى إنتاج سلع بالمواصفات المطلوبة للتصدير، مع ضرورة إنشاء قاعدة بيانات عن المصدرين والمنتجين واحتياجات السوق الخارجية وأذواقها وتفضيلاتها، ومد المنتجين والمصدرين بها بما يساعدهم فى توجيه إنتاجهم وصادراتهم على النحو المرغوب أو المستهدف.
وأوضح د. جمال عبدربه، أستاذ البساتين بكلية الزراعة جامعة الأزهر، أن البصل يتميز بأنه ينمو فى كل الأقاليم المناخية، وتشتهر به مصر وإسبانيا وينمو فى معظم أنواع الأراضى، وتجود زراعته فى الأراضى الصفراء الخصبة الخالية من الحشائش والإصابات المرضية.
• جودة وشهرة
وأضاف «عبدربه» أن المساحة المزروعة بالبصل فى مصر سنويًا حوالى 150 ألف فدان منها 73% بالوجه البحرى و17% فى وسط الصعيد و10% فى الجنوب، ولذلك فإن الكمية الحالية التى يتم تصديرها تعد قليلة، رغم جودة البصل المصرى، والإقبال الكبير عليه فى الخارج، لظهوره مبكرًا خلال شهور مارس وأبريل ومايو، ويظهر بعده البصل الأوروبى، كما أن له طبيعة خاصة لشهرته برائحته النفاذة وحرافته بخلاف البصل الأوروبى.
ومن هنا تبرز ضرورة التوسع فى زراعة هذا المحصول الاستراتيجى الذى سيدر دخلاً وفيرًا من العملات على مصر. وجاءت صادرات البصل العام الماضى فى المرتبة الثانية بعد الموالح بزيادة 76% عن صادرات العام الماضى، مسجلة 230 مليون دولار تمثل قيمة 560 ألف طن، مقابل 130 مليون دولار تمثل قيمة 322 ألف طن. وقد ساهم فتح أسواق الهند أمام صادرات البصل العام قبل الماضى فى مضاعفتها 3.5 مرة، ليصل 668 ألف طن مقابل نحو 200 ألف طن قبل ذلك.
بالإضافة إلى إنشاء مصانع - لا تكلف الدولة كثيرًا- تقوم على تجفيف البصل وتعبئته وتصديره إلى عدد من الأسواق الجديدة بالخارج، أبرزها دول شرق آسيا، فى ظل نجاح تجربة التصدير للهند بصورة كبيرة، كما تتميز أوروبا  الشرقية بأنها سوق ممتازة للخضروات والفاكهة المصرية، خصوصا روسيا وأوكرانيا، بجانب أن أوكرانيا تعتبر سوقًا واعدة للبصل المصرى. كما أن موقع مصر فى منطقة وسط بين دول الشرق الأوسط، جعلها الخيار الأول الذى تلجأ إليه دول الخليج فى ظل اضطراب الأوضاع السياسية بالعالم، كما أن دخول الهند فى أسواق استيراد البصل كان السبب فى زيادة صادرات مصر. فالأسواق العالمية تنتظر بفارغ الصبر البصل المصرى، الذى يتميز تميزًا كبيرًا عن باقى محاصيل البصل فى العالم.
وأشار إلى أن عملية تجفيف البصل كانت معروفة فى مصر خلال مرحلة الستينيات، ولكن فجأة تعطلت هذه المصانع، فماذا لو تمت إعادة إنشاء مثل هذه المصانع التى تستوعب عمالة كثيرة من الشباب الذى لا يجد فرصة عمل؟!
وطالب أستاذ البساتين، الحكومة بتحسين أوضاع الزراعة لتشجيع الاستثمار فى القطاع، مما يساهم فى رفع الصادرات، لأن المستثمر الزراعى يجب أن يجد حوافز تشجيعية لمضاعفة الاستثمارات، وتحقيق التوسع الزراعى بدلاً من ضخ استثماراته فى قطاعات أخرى غير زراعية.
• ارتفاع الأسعار
وقال ياسر الشاذلى، رئيس القسم الاقتصادى بالغرفة التجارية بالشرقية: إن أسعار البصل التى تتراوح حاليًا ما بين نحو 7 و 8 جنيهات للكيلو، منذ منتصف شهر نوفمبر الماضى حتى الآن، تعتبر الأسعار مبالغًا فيها للغاية، لافتًا إلى أن ارتفاع السعر يرجع إلى انخفاض المعروض من محصول البصل وانتظار المحصول الجديد.
وأضاف «الشاذلى» فى تقرير صادر من الغرفة، إن هناك سببًا آخر أدى إلى مضاعفة السعر هذا العام بنسبة بلغت نحو 250%، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وهو «التخزين من أجل التصدير»، نتيجة انخفاض العملة المصرية بنسبة أكثر من نحو 60% بسبب تعويم الجنيه، لتصل أسعار التجزئة لسلعة البصل فى دول الخليج إلى 4 ريالات سعودية أو 4 دراهم إماراتية، أى ما يعادل نحو 20 جنيهًا مصريًا، مما يخلق فرصة تصديرية مغرية.. وأوضح أن تشجيع الصادرات بهذا الشكل جاء على حساب المستهلك المصرى، بمعنى أن زيادة دخل المصدر نتيجة التصدير جاء خفضًا لدخل المواطن.
• رسم صادر
وشدد على ضرورة اتخاذ الحكومة عدة إجراءات لمواجهة ارتفاع الأسعار، ومنها أن تعادل التأثير الإيجابى لخفض الجنيه بتشجيع التصدير، مع التأثير السلبى له بارتفاع أسعار السلع، بحيث تتخذ الإجراءات التى تساعد فى المحافظة على توازن المعروض السلعى مع الطلب، من خلال الأجهزة الراصدة لأحجام الطلب والعرض لكل سلعة تصديرية، ومنها «سلعة البصل»، وبالتالى فرض رسوم جمركية على الصادرات على هذه السلعة فى حالة وجود شح فى المعروض.
وطالب بضرورة فرض رسم صادر على البصل يتراوح ما بين نحو 50 و70%، للحد من صادراته، وتحقيق عائد لموازنة الدولة، وتحقيق الهدف الأساسى وهو خفض الأسعار محليًا.
• تصدير بنصف الثمن
وقال الخبير الزراعى د. نادر نور الدين: البصل الجديد نازل بثلاثة ونصف جنيه فقط والبصل القديم المكمور هو الذى تجاوز 8 جنيهات، لأن الطلب عليه كبير من بعد 3 نوفمبر بسبب مضاعفة أسعار الدولار، وبالتالى أصبحت الدول العربية تستورد البطاطس والبصل والطماطم بنصف سعرها فقط قبل مضاعفة أسعار الدولار، بما انعكس على أسعارها فى مصر فوصلت الطماطم إلى 5 جنيهات، رغم أن المصدر يشتريها من الفلاح بجنيه ونصف فقط، ومثلها البصل والبطاطس بسبب التصدير بنصف ثمنها السابق بعد انخفاض قيمة الجنيه المصرى، ولكن لا يمكن إيقاف التصدير من أجل خفض الأسعار المحلية. •