الأحد 26 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«صباح الخير» داخل مستشفى القوات المسلحة بالمعادى: حكايات الدم والثأر من تحت خط النار

«صباح الخير» داخل مستشفى القوات المسلحة بالمعادى: حكايات الدم  والثأر من تحت خط النار
«صباح الخير» داخل مستشفى القوات المسلحة بالمعادى: حكايات الدم والثأر من تحت خط النار


«صعبة بقدر ما كانت عظيمة».. تلك اللحظات التى عايشتها فى مستشفى المعادى العسكرى، صعبة لكونها معايشة للألم وعظيمة لوجودى بين أبطال أشداء أقوياء، لم أر مثلهم فى حياتى.. نماذج فريدة بحق.
نعم فريدة، وكيف لا تكون كذلك بصحبة رجل فقد ذراعه وبترت إحدى ساقيه، ويصر على الوقوف بالأخرى السليمة ليؤازر زميله الذى فقد عينيه من شظية فى المخ؟!

ومن هذا الرجل المستأسد الذى يستقبل ولادة أول طفل له، بنصفه المشلول كوسام على جسده؟! ومن هذا السعيد الذى لا تفارق البسمة شفتيه وهو يطلب من طبيبه بتر ساقه من شدة الألم.
عايشت بطلا لم يكترث لإصابته بعد انفجار عبوة ناسفة فى مدرعته، فقط طلب إنقاذ عساكره.. عهدت فيهم صاحب النكتة أبو دم خفيف الذى يهون على نفسه وعلى زملائه شدة وجعهم، رأيت من يدعو الله أن يشفى سريعا ليعود مرة أخرى ويثأر لصاحب عمره الذى استشهد على يده.. تجربة حساسة ورائعة.. خرجت منها بالكثير، وتعلمت فيها أن حب الوطن ليس كلاما وشعارات رنانة فحسب، بل إن حب الوطن يتجسد فى هؤلاء الرجال.
الثأر قائم
رغم شدة إصابته، وصعوبتها لكنى وجدت فى تقاسيم وجهه الاستئساد والقوة الكافية للقضاء على جيش كامل من الإرهابيين.. إنه الملازم أول أحمد محمد نجيب من الوليدية فى أسيوط، الذى أصيب ببتر فى ساقه اليمنى وخلع الركبة اليسرى جراء انفجار المدرعة التى كان يستقلها بعبوة ناسفة أثناء مداهمة أحد أوكار التكفيريين بقرية الطويل.
منذ أن تخرج نجيب فى الكلية الحربية، كان متفوقا فى السباحة فكرمه وزير الدفاع عدة مرات، وفى إحدى المرات طلب من الفريق نقله إلى سيناء لأنه يسمع كل يوم عن بطولات زملائه هناك فصدق القائد العام على طلبه، وبالفعل تم نقله.
قال لى نجيب: لقد قمت بالعديد من المداهمات بعملية حق الشهيد التى تم فيها القبض، وتصفية العشرات من العناصر التكفيرية والعثور على الكثير من المتفجرات والأسلحة التى يستهدفون بها الأبرياء.
وفى إحدى المداهمات انفجرت المدرعة التى كنت أستقلها ومعى 9 من جنودى ببرميل متفجرات زرعه أحد الإرهابيين فى الأرض بطريق القوة، لم أهتم بنفسى كل ما كان يشغلنى هو جنودى، فكان أول طلب من زميلى الذى جاء لإنقاذى هو الاطمئنان على جنودى الذين أصيبوا معى، وقلت له انقلهم قبلى، وبالفعل تم نقل الجميع، واستشهد فى العملية حبيبى السائق «شبورة» سائق المدرعة الذى لم تكن تفارقه الضحكة أبدا رغم خطورة المداهمات التى قمنا بها وتعرضنا للموت أكثر من مرة.
ويؤكد نجيب أن الإرهابيين يشعرون بالخيبة لأننا نلاحقهم فى كل مكان ورغم سقوط شهداء ومصابين منا فإننا مصرون على القضاء عليهم وملاحقتهم رغم حجم التمويل الذى يقدم لهم وإمدادهم بأحدث الأسلحة لمواجهتنا، لكننا لن نسمح لهم أبدا بالنيل من تراب هذا الوطن حتى آخر جندى.
تحدثت أيضا مع العريف مقاتل حسن أحمد فتحى، الذى أصيب فى عملية حق الشهيد بكسور فى الفخذين، وتهتك فى الحوض، فقال لى: وقت العملية لم أشعر بالخوف أبدا، كان همى أن أخلص بلدى من اللى فيها وأن أكبد الإرهابيين الخسائر، وأن أقتص لزملائى الشهداء، وعندما أصبت حمدت الله على أننى مازلت أتنفس لأكمل ما بدأته، لكنى لم أستطع أن أتحرك بسبب الطلقات النارية التى أصابت رجلى.
سألته عما يتمناه، فأجابنى: نفسى أخف وأرجع تانى لسيناء، ونفسى كل الشباب ييجوا يحاربوا الإرهاب معانا علشان يحسوا بقيمة الوطن.
أما البطل جندى مقاتل عصام ناجى عبده، فقد أصيب فى العريش بكسر فى قاع الجمجمة وشظايا بالوجه بعد مداهمة استمرت 6 ساعات، تحدث معى قائلا: إحساس حلو جدا لما تضحى علشان بلدك، فقد أصبت داخل الدبابة بقذيفة نارية فقدت بعدها الوعى، ولم أستيقظ إلا فى المستشفى.
وعلى الرغم من ذلك لم أشعر بالخوف أبدا لأن هذا واجبى تجاه بلدى، فهذه لم تكن المداهمة الأولى لى، فقد اشتركت فى عدة مداهمات، وفى العملية السابقة استشهد أمامى صديق عمرى، ولم أهدأ إلا بعد أن ثأرت له.
يؤكد عصام أن الثأر قائم حتى نأتى بحق الشهداء، ونحن فداء مصر وكل أفراد الشعب المصرى وحائط صد لكل من تسول له نفسه زعزعة استقرار أهالينا.
يتمنى عصام بعد خروجه من المستشفى أن يعمل فى أى وظيفة إدارية تابعة للجيش حتى يستطيع خدمة مصر بأى صورة.
السعيد
أما المجند مقاتل السعيد محمد محمد من كفر الشيخ، فهو حالة مختلفة بالنسبة لى، دائما مبتسم، وبرغم الغيبوبة التى ظل بها لمدة خمسة وأربعين يوما وقدمه التى ظلت معه 6 أشهر قبل أن يطلب بترها من شدة الألم، فهو دائما مشرق وعنده أمل.
أصيب السعيد فى عملية حق الشهيد بشرخ فى عظام الجمجمة والمخ وكسر بعظمة الفخذ الأيمن وكسر بعظمة الساقين وكدمات بالرئتين وتهتك بالجفن العلوى الأيسر أثناء عملية تفجير العبوة الناسفة المدرعة.
سألته: ألم تخف برغم كل ما حدث معك؟! أجابنى: لم أخف لحظة، فقد تمنيت الشهادة لأنى لا أقل عن زملائى الذين استشهدوا أثناء عمليات التمشيط. فالتكفيريون كانوا مثل الفئران أمامنا يجرون للاختباء فى الحجور، وكانوا مثل الصيد الثمين لهم فى عملية حق الشهيد.
التقط منه أطراف الحديث والده محمد، والدموع تذرف من عينيه قائلا: فخور بابنى الذى رفع رأسى واسمى فى قريته، وكنت فى غاية السعادة عندما رأيت الفريق أول صدقى صبحى وزير الدفاع يقبل رأس ولدى المصاب قائلا له: «أخبارك إيه يا بطل، أنا سعيد بكل البطولات اللى عملتوها وأنا جيت اطمئن عليكم وأقدم لكم الشكر على تضحياتكم».
وأكد الأب أن السعيد هو الأكبر بين ثلاثة أبناء، وتمنى أن يجند هو الآخر ويلتحق بزملاء ابنه فى سيناء ليؤدى دوره حتى شفائه، ثم يستكمل ما بدأه فى محاربته للإرهابيين والتكفيريين.
أما البطل مجند بهاء محمد العسيرى، فينتظر طفله الأول، وهو خريج كلية الخدمة الاجتماعية من أولاد نجم بنجع حمادى، ومصاب بشلل نصفى بالجزء السفلى.
وهو الذى أنقذ الكمين الذى يخدم فيه رغم إصابته، فقال لى: تزوجت فى السنة النهائية من الكلية وبعد انتهاء الدراسة تقدمت بأوراقى للتجنيد والتحقت بسلاح المشاة، وطلبت الانضمام إلى صفوف الأبطال فى سيناء لأنه شرف لا يناله سوى.
ويضيف بهاء: كنت أخدم فى كمين المطار بالعريش وأثناء تواجدى ليلا للحراسة بالبرج أعلى الكمين أصابتنى رصاصة أحد القناصة فى عملية للإغارة على الكمين وسقطت داخل البرج، ولكننى تحاملت على نفسى وحذرت زملائى بقولى «سلام سلاح».
وبدأ زملائى فى التعامل مع الإرهابيين حتى هربوا ولم يستطيعوا النيل من أى فرد فى الكمين سوى إصابتى، فهم فى بداية أى تعامل يقومون بإطلاق النار بواسطة القناصة على فرد الأمن الموجود بالبرج للحراسة حتى لا يحذر زملاءه، ولكن عناية الله جعلتنى أتحمل الإصابة وأحذر زملائى فى الكمين.
والحمد لله أننى على قيد الحياة وعندما أشفى سأعود مرة أخرى للانضمام إلى زملائى فزوجتى حامل وأنا أنتظر طفلى الأول ولن أسمح أن يعيش فى مصر وعلى أى شبر من أرضها إرهابى أو تكفيرى يهدد أمنها أو أمن أحد من الشعب المصرى العريق.
ساقى وذراعى فداء لمصر
بفخر شديد تحدث معى مقاتل أحمد نصر عبدالوهاب، الذى أصيب فى رفح بإصابات بالغة نتج عنها بتر ما فوق الركبة اليمنى، وبتر فوق الكوع الأيسر، وتجمع دموى وهوائى حول الرئتين، وكسر بعظمة الساق اليسرى، فقال لى: أصبت بعبوة ناسفة أثناء تمشيطى للمكان، لكنى لم أفقد الوعى بعدها مباشرة، فكرت لحظتها فى أسرتى، ومر شريط حياتى أمام عينى فى ثانية واحدة بعدها لم أشعر بشىء.
أكد لى أحمد ناصر أنه بالفعل فقد ساقه وذراعه، لكنه لم يفقد إيمانه بوطنه وحقه عليه بأن يضحى بنفسه فداء له.
أما الجندى عمر خميس، فهو مصاب بطلق نارى بالكتف اليسرى واشتباه فى قصور حاد بالدورة الدموية بالطرف العلوى الأيسر نتيجة لتعرضه لطلق نارى فى نقطة مراقبته بكمين فى العريش.
قال لى عمر: كنت أعلم بوجود قناصات فى هذه المنطقة، لكنى فضلت أن أكون فى الصدارة حتى أفدى زملائى، وكنت أنطق الشهادة كل خمس دقائق.
أثناء المراقبة شعرت فجأة برصاصة اخترقت ذراعى، لم أصرخ وتحاملت على نفسى وناديت على زميلى ليأخذ مكانى حتى لا يصبح الكمين مكشوفا، وزحفت للداخل فى هدوء حتى اكتشف زملائى إصابتى وتم إبلاغ الإسعاف، ونقلت للمستشفى.
سألت عمر: نفسك فى إيه؟، فأجاب: نفسى البلد تستقر، فهذا كل ما أتمناه، لا أنسى أبدا صاحب عمرى عندما استشهد أمام عينى، ولا أنسى عصام عندما اخترقت الرصاصة رأسه وسندته بيدى وتوقعت شهادته، لكنه ولله الحمد كان مصابا فقط، فما أريد قوله أننا كلنا معرضون للشهادة فى أى وقت من أجل الوطن.
مقاتل أحمد كامل- نشأ فى أرمنت بالأقصر واختار بنفسه أن يذهب إلى سيناء ليقضى بها مدة تجنيده، وبالفعل ذهب إلى هناك وأمضى عامًا ونصف العام قبل إصابته فى مداهمة بكسر مفتت مفتوح بالعضد الأيسر وبتر أمامى.
قال لى أحمد: كانت خدمتى فى المنطقة المركزية الجنوبية، لكنى طلبت أن أذهب إلى سيناء لأكون بجانب زملائى الذين يطهرونها، وبالفعل ذهبت إلى هناك وبقيت بها سنة ونصف السنة، واشتركت فى عمليات ومداهمات كثيرة فى الشيخ زويد ورفح، وكبدنا الإرهابيين خسائر فادحة.
يوم الإصابة كنت فى دورية تمشيط، فانفجرت فى عبوة ناسفة، وقتها لم أفكر فى نفسى.. فكرت فقط فى جندى التأمين الذى كان يسير خلفى مباشرة الذى نجا والحمد لله.
لم أشعر أبدا بالخوف، فالإرهابيون الذين نحاربهم جبناء جدا، والدليل أنهم يحاربوننا من الظهر وليس فى الوجه، وهذه سمة الجبناء.
الأب الحنون
تحدثت أيضا مع المجند مقاتل صلاح السيد بدير، الذى أصيب أثناء عمليات المداهمة للعمليات الإرهابية من خلال الاشتباك مع العناصر الإرهابية والتكفيريين بشمال سيناء بمنطقة جهاد أبوطبل، فقال لى: كنت سعيدا جدا أثناء فترة التجيند لأنى كنت أريد تطهير سيناء من الإرهابيين، فوجدت معاملة الضباط لنا بمثابة الأخ الكبير فى حل كل مشكلاتنا وأصبحنا أسرة واحدة.
يوافقه فى الرأى المجند مقاتل أحمد عبدالعال من سوهاج بطما الذى تمنى إصابته بشظايا متفرقة بالجسم وبالساق اليمنى والرأس وكدمات بالأذن اليسرى من جراء تمشيط العديد من طرق المداهمات الأمنية بمنطقة جهاد أبو طبل بشمال سيناء بالعريش، فقد أكد لى رغبته الشديدة فى العودة مرة أخرى إلى زملائه بالعريش بعد شفائه، وقد طلب ذلك بنفسه خلال زيارة الفريق أول صدقى صبحى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى.
ويشاركهم نفس المشاعر المجند مقاتل على محمد السيد الذى أصيب بكسر أسفل عظمة الفخذ الأيسر وجسم غريب بالعين اليسرى وجروح متفرقة بالجسم بالساقين والوجه بعد حدوث عمية الانفجار لعبوة ناسف أثناء عملية التمشيط لإحدى الدوريات اليومية برفح، والذى قال لى: كل يوم كنا نطلب الشهادة فى سبيل تطهير سيناء من التكفريين الذى يختبئون فى الجحور مثل الفئران، ونحن لا نخافهم لأننا خير أجناد الأرض، وكنت سعيدا أثناء المطاردات اليومية عند تصفية الإرهابيين لأن هدفهم زعزعة الاستقرار ونشر الفكر التكفيرى.
وطلب من الشعب المصرى الالتفاف حول قواته المسلحة التى تحارب عدوا مجهولا لا نعرفه،  هدفه تنفيذ أجندات خارجية لزعزعة الوطن وعدم تصديق ما تنشرة قناة الجزيزة من سمومها وبعض المواقع الإلكترونية وصفحات الفيس بوك على غير الحقيقة.
أما المجند مقاتل أحمد كمال أحمد الذى أصيب بنزيف بالمخ وكسور بعظام الوجه وكسور مفتتة بالكوع الأيسر مع تهتك بالعضلات واشتباه بقطع بالأعصاب وأوتار الكوع الأيسر وكدمات شديدة فى العين اليمنى جراء انفجار إحدى العبوات الناسفة أثناء عملية التمشيط بالعريش فى شهر نوفمبر الماضى، فأكد أنه كان سعيدا عندما علم بتجنيده فى العريش وأخفى عن أسرته الخبر، حتى عرفوا فكانوا سعداء لأنه شرف لا يناله إلا الشرفاء من أبناء الوطن، لكنه بعد الحادث أصبح حزينا لأنه لا يشارك زملاءه فى تطهير سيناء من الإرهاربيين. •