السبت 24 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بعد أن صُنفت «خامات الفنون» ضمن السلع الاستفزازية .. كليات الفنون مهددة بالإغلاق

بعد أن صُنفت «خامات الفنون» ضمن السلع الاستفزازية .. كليات الفنون مهددة بالإغلاق
بعد أن صُنفت «خامات الفنون» ضمن السلع الاستفزازية .. كليات الفنون مهددة بالإغلاق


 بعد أن صَنفت الحكومة خامات الفنون (الورق، الألوان، أقلام الحبر، الرصاص، الزجاج الملون، الكانفاس) ضمن قائمة السلع الاستفزازية ورفعت التعريفة الجمركية عليها بنسب متفاوتة تبدأ من 10% تصل إلى 500% باعتبارها رفاهيات!! وتناست أهميتها لفنانى وطلبة مصر وأن هذه الخامات تعتمد عليها كليات الفنون بأنواعها ضمن متطلباتها الدراسية بشكل أساسى وكلى، غير مهتمة بأن لدينا الآن 7 كليات فنون حكومية فقط ومن المفترض أن تصل إلى 12 قريباً بجانب الكليات والمعاهد الخاصة..
ليصبح طالب هذه الكليات هو «الضحية الأكبر» لهذا القرار بعد أن أصبح يتحمل أضعاف قدرته المالية دون رأفة بحاله لتتركه الحكومة بين فكى الرحى فإما أن يقع فريسة بين الأيدى المتلاعبة للتجار من المستوردين الكبار بعد أن بالغوا فى رفع الأسعار استغلالاً منهم لحاجته، أو أن يقتصد فى خاماته الدراسية.. وإن فعل فسوف يفقد التعليم هدفه ومعناه وما يترتب على ذلك من إعاقة العملية التعليمية لهذه الكليات!!
كما ترك هذا الإجراء انطباعاً أن الحكومة بذلك غافلة عما لهذه الكليات من دور تنويرى وتثقيفى فى المجتمع، لذا استنكر الفنان التشكيلى الكبير «أحمد شيحا» هذا الإجراء الحكومى بشدة وسأل: ما الفرق بين أنبوبة اللون لطالب كليات الفنون وبين حبر الكتابة لطالب الكليات النظرية؟!! أليست جميعها وسائل أساسية من وسائل التعليم للطالب؟! ومن أين كان يدبر الطلبة هذه التكلفة لخاماتهم الدراسية حتى نزيدها عليهم بوضع ضرائب مضاعفة! بهذا الشكل سوف يتم هجر هذه الكليات من الطلبة وعاجلا أم أجلا سوف تُغلق، أم أن هذا ما تريده الدولة باعتبارها الألوان رفاهية وتريد القول إن مواد الفنون التشكيلية وكليات الفنون هى مواد وكليات استفزازية مقابل رغيف العيش والمواطن الفقير؟!! وهل تناست الدولة أننا نحارب الإرهاب بالفن لما للفنان من دور تنويرى وتثقيفى فى المجتمع!! لذا فأنا اعتبر هذا الإجراء نوعا من الإفساد ولابد أن يُسأل صانعو هذا القرار من وزارة المالية ومناشدة وزير التعليم العالى ورئيس وزراء مصر ومطالبتهم بإلغاء الضرائب عن كل الخامات التى تدخل فى الوسائل التعليمية تماماً لأهميتها لفنانى مصر وطلبة كل الكليات والمعاهد الفنية.
• معاناة
عن طلبة كليات الفنون ومعاناتهم قالت «فيبى فادى» طالبة بالفرقة الرابعة كلية تربية فنية جامعة حلوان: ندرس أكثر من مادة عملية أسبوعياً ولكل مادة مشروع مستقل، أى ننفذ كل أسبوع 6 مشاريع تقريبا ما بين (تصميم، نحت، خزف، معادن، نجارة، تصوير) ولكل مادة عدة شغل ثابتة (عدة نجارة، نول، أدوات نحت، أدوات خزف) بجانب الخامات المستهلكة. والمشروع الواحد منها فى الأسبوع يتكلف أكثر من 200 جنيه أى ما يزيد على 1200 جنيه أسبوعيا لإتمام مشاريع كل المواد، لذا لم يعد بمقدورنا شراء الخامات المستوردة ونكتفى بالمصرى فلن نستطيع تقليل عدد المشاريع المطلوبة لأنها متطلبات دكاترة ولابد من العمل بكل الخامات لضرورة التعليم لكننا مضطرون للتقليل من جودة العمل. والأصعب أن بعض الدكاترة إذا لم يعجبه المشروع يطلب إعادته، وما يزيد الأمر صعوبة أكثر وأكثر أن نسبة النجاح كانت من 50% أما الآن فأصبحت من 75% !!!. لكن لا نغفل أن البعض منهم على درجة من التعاطف معنا حيث يرشدوننا للخامات الأرخص وأماكن توافرها.
هذا ما أكدته «خلود يوسف» طالبة بكالوريوس تصوير جدارى كلية فنون جميلة حين قالت: هذه الأسعار مشكلة كبيرة لطلبة كل أقسام الكلية عندنا (نحت، تصوير، جرافيك، عمارة، ديكور) وخاصة قسم التصوير بشعبتيه (الجدارى والزيتى ) فالمشروع فى قسم التصوير الجدارى يتكلف الآن من 1000 إلى 1500 والمشروع الأسبوعى لقسم التصوير الزيتى يتكلف فى حدود 500 جنيه إلى جانب مشاريع أخرى فى مواد أخرى. فالخامات أصبحت مكلفة جدا ولا نستطيع توفيرها لأن أغلب مراكز البيع المعروفة أغلقت وأصبح يوجد احتكار عند المراكز المستمرة.. حتى عندما استبدلنا المستورد بالمحلى وجدنا أن جودته سيئة جدا وبيتهدر مننا لأنه بيتكسر فى أيدينا دون الاستفادة منه فيكلفنا المزيد.
• مشروع التخرج
كما عبرت خلود عن قلقها متسائلة: هانعمل ايه فى مشروع التخرج؟ فقد أصبح هذا السؤال هو محور حديثنا اليومى حتى إننا بدأنا فى تداوله على مواقع التواصل الإلكترونى بحثا عن إجابة فهو حقا مشكلتنا الكبيرة ويمثل عبئا شديد علينا لارتفاع تكلفته الآن أضعاف ما كان سابقا، فخاماته كثيرة لكبر مساحته فقد كان فى الماضى يتكلف متوسط 5 الآف جنيه أما الآن لينفذ الطالب مشروع تخرجه بالأسعار الحالية على مساحة صغيرة يتكلف من 15 إلى 20 الف جنيه وطبعا هذا المبلغ مكلف جدا بالنسبة لطالب. والحمد لله نحن على وشك التخرج من الكلية لكن حقيقى ما يقلقنا أكثر هو مصير وكم معاناة طالبى الدفعات الأولى.. من وجهة نظر التجار الصغار وبائعى خامات الفنون للطلبة قال «عماد حسن» صاحب مكتبة لخامات الفنون: بالطبع بيصعب علينا الطلاب وخاصة غير المقتدرين منهم، فأسعار الخامات لم تعد متاحة حتى للطالب المقتدر، ويومياً يقف الطلاب داخل المكتبة فى حيرة من أمرهم يتقفدون الأسعار ويحاولون تدبير نقودهم بشراء أقل قدر من الخامات حتى إن كل ثلاثة طلاب الآن أصبحوا يتقاسمون طقم فرش واحد!!. لكن لا يوجد بأيدينا شىء لمساعدتهم، فنحن أنفسنا نشترى هذه الخامات من المستوردين الكبار لها بأسعار زادت على 150%.. حتى إن المنتج المصرى غير الجيد الذى أصبح الطالب يلجأ له الآن فوجئنا بزيادة سعره أيضا من التجار الكبار بحجة أن خامات تصنيعه مستوردة وأن أجرة العامل المصرى زادت!!  كما أن خامات «مشروع التخرج» أصبحت احتكارا على المستوردين الكبار ويبالغون فى زيادة أسعارها على الطالب استغلالا منهم اضطراره إلى شراء كل الخامات المطلوبة لتنفيذ مشروعه من الألف للياء دون أن يقتصد منها شىء.. ويستطرد حسن: المشكلة الكبيرة تكمن فى قلة البضاعة الموجودة وندرة أغلبها وذلك إما لأن أغلب الموردين أغلقوا محالهم ولم يعد فى قدرتهم الاستيراد بهذه الأسعار أو لأن المستوردين الكبار ركنوا أكثرها فى مخازنهم استغلالاً لقرب ارتفاع أسعارها مرة أخرى فى نهاية شهر يناير الحالى.. وفى هذه الحالة حتى وإن تم توفير الفلوس فلم يعد يوجد مورد للشراء منه.
عندما حاولت هيئة التدريس مساعدة الطالب وجدت أنها بذلك تنقص من جودة العملية التعليمية كما أكد د.«معتز كمال» دكتور بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا قائلاً: إننا نواجه مشكلة كبيرة الآن نضطر معها إلى التنازل عن استخدام الخامات الجيدة والاستغناء التام عن بعضها مما يؤدى إلى التقليل من المستوى التعليمى المطلوب.. وبالطبع نتعاطف مع الطلبة ونساعدهم فى إيجاد بدائل فى مقابل أن نوفر عليهم فالألوان والورق والأحبار فهى خامات مستهلكة وتكلف الكثير، فمثلا بدلاً من استخدام القماش المحضر للرسم (الكانفاس) نتركهم يستخدمون ورقا مقوى رخيص السعر، وبما أن الألوان الزيتية والأكريلك أصبحت مكلفة جدا فنعمل على تدريبهم الرسم بألوان الأكاسيد بدلاً من ألوان الأنابيب الجاهزة واستخدام البلاستيكات الخاصة بالدهان لفرد مساحات كبيرة على سطح اللوحة ثم وضع اللمسات الأخيرة بألوان الأكريلك لتحسين جودة العمل.. غير أننا نطلب منهم مشاريع بمساحات صغيرة ولا يمكن أن أطلب من الطالب الضعيف إعادة المشروع بل اكتفى بتقييمه بدرجة قليلة..  وبالنسبة لمشروع التخرج سوف نطلب منهم مساحة صغيرة لكن هذا بالطبع سوف يفقد الكلية مشاريع التخرج المهمة التى تقتنيها من الطلبة المميزين.
• حلول مختلفة 
ولإيجاد حلول مختلفة قال «على الدين حسن» مدرس مساعد بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان: وضع التعليم الآن فى كليات الفنون أصبح عبئا شديدا على الطالب وخاصة المغترب، ويجب على الجامعة والدولة توفير تلك الخامات له فهى مستلزمات دراسية ضرورية ويصعب عليه إيجادها لغلاء سعرها وندرتها فى بعض الخامات، لذا يجب علينا مساعدته وعندما قللنا مساحة المشروع الدراسى توفيراً له وجدنا أن هذا قلل من جودته فتحول إلى قطعة ديكور صغيرة أكثر منه عملاً فنيا. لذا ومن تجربتى الشخصية أرى أن نعلم الطالب ونساعده على إنتاج فن بطرق مختلفة ولتكن مثلا بطريقة (الرَسكَل) وهى إعادة استخدام مخلفات المواد المهدرة (الخردة) وتوظيفها مرة أخرى، فأكون من ناحية حللت مشكلتى ومن ناحية أخرى خدمت البيئة فى التخلص من المهملات وإعادة صياغتها بشكل فنى. لذا فمن الممكن أن نسهل على الطالب ونطبق هذا الأسلوب على بعض أقسام كليات الفنون التى يتناسب ذلك مع طبيعة دراستها ونأخذ الطالب على مخازن الكلية ونطلب منه توظيف كل الكسر والمخلفات الموجودة ونعلمه كيف يوظف خاماته وينتج منها عملا فنيا مع الحفاظ على أسلوبه الفنى الخاص.. لكن حتى هذا الفكر نحن متأخرون جداً عليه فنحن شعب استهلاكى درجة أولى.. كما تسعى د.«صفية القبانى» عميد كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان جاهدة لحل هذه المشكلة ومساعدة الطلبة موضحة: نعلم جيدا أن البلد يمر بمرحلة صعبة وهناك ترشيد للاستخدام لكن أيضاً لابد أن تكون هناك نظرة من الدولة لهذه الخامات فهى متطلبات دراسية مثل الكتب الدراسية عند طلاب كليات النظرى!! حتى عندما حاولت الجامعة استيراد ورق عن طريق مناقصات وممارسات وجدنا أن الممارسة غالية جدا لذا لجأنا مرة أخرى للجهات المستوردة الخاصة محاولين التفاوض معها فهى المتحكمة فى السعر.
• لماذا نستورد؟
وتدعو القبانى كل الجهات القادرة سواء فنانين كبارا أو رجال أعمال أو كبار المستوردين إلى تقديم المساعدة فى صورة خامات فنون توزع على الطلبة مؤكدة: أحياناً نقبل هذه التطوعات التى تقدم للكلية كمساهمة ودعم مجتمعى. وكل هذه الجهات لابد أن يكون لها دور مجتمعى تجاه طلاب الكليات الفنية الحكومية فى مصر. خاصة أنه لا يوجد لدينا مصانع ألوان محلية رغم أن المصرى القديم هو أول من صنع اللون وتمبرا اللون من مساحيق الألوان والأحجار فى العالم!! لذلك ندعو الدولة لعمل مصانع ألوان بجودة محترمة.
عبر د. «إبراهيم غزالة» أستاذ بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا عن استيائه الشديد من هذا القرار معللاً: عمل الفنان التشكيلى هو نوع من النشاط الثقافى والتثقيفى للدولة غير مدفوع الأجر فهو فنان متطوع يمول عمله من جيبه الخاص ليقدم خدمة ثقافية للدولة، لذا من المفترض أن تدعمه وتلغى عنه هذه الضرائب نهائياً وإلا بهذه القرارات لن يعمل أحد بالفن بعد الآن. كما أنها خامات فنية يشتريها الطالب لمستلزمات تعليمه، وبهذا الشكل سوف تغلق كليات الفنون. كما أن وزارة الثقافة لما لها من دور وثقافى فعليها المساعدة، أيضا نقابة الفنانين التشكيليين بما أنها المعنية الأولى بمشاكل الفنان فعليها أن توصل صوته إلى مجلس الوزراء وجميع قطاعات الدولة المعنية.
 وباستنكار شديد قال د.غزالة:  لماذا من الأصل نستورد ألوان ورق قطن للرسم وقماش كتان للرسم (الكانفاس) بأسعار خيالية من الخارج ؟!! ونحن لدينا قطن وقش رز وأول حضارة صنعت الألوان والورق والكتان فى العالم، ونستطيع بهذه الإمكانيات فتح مصانع محلية لهذه الخامات وجلب مستثمرين من الخارج، فمثلا الصين تستطيع فتح مصنع ورق والهند قادرة على فتح مصنع ألوان وبذلك ستصبح مصر مركزا مهما للتوزيع فى الشرق الأوسط وستحقق ربحا كبيرا جدا. لذا أدعو الدولة إما أن تلغى الجمارك أو من الأفضل إنشاء مصانع للألوان والمواد الكتابية فوراً.•