الأربعاء 2 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فى كتاب ومعرض.. «نوستالجيا» الحنين إلى شبرا

فى كتاب ومعرض.. «نوستالجيا» الحنين إلى شبرا
فى كتاب ومعرض.. «نوستالجيا» الحنين إلى شبرا


فى وقت واحد تقريبا عاش الوسط الثقافى حدثين لافتين خلال الأيام الماضية حيث قام كل من د.محمد عفيفى المؤرخ المعروف بالاحتفال بكتابه «شبرا.. إسكندرية صغيرة فى القاهرة»، وفى نفس التوقيت جاء معرض الفنان التشكيلى أحمد عبد الغنى عن شبرا أيضا بعنوان «ذكريات شارع الأزهرى»، وهو أحد الشوارع المهمة فى شبرا أيضا.

جاء تزامن الحدثين معا ليؤكد فكرة الحنين إلى زمن فات يحوى ملامح خاصة جدا فى منطقة شديدة الخصوصية وهى شبرا أرض التسامح والمحبة والأصالة، فهى المدينة الكوزموبوليتانية التى تصهر وتحتضن الجميع، فضلا عن احتوائها على مئات التفاصيل التى حاول كل من الكاتب والفنان أن يبرزها بالريشة والقلم.
فى احتفالية المجلس الأعلى للثقافة بكتاب «شبرا.. إسكندرية صغيرة فى القاهرة» كان الحضور طاغيا خاصة من أبناء شبرا المشهورين وغير المشهورين، فضلا عن عدد كبير من المثقفين والأدباء والفنانين ومنهم د.محمود الضبع رئيس دار الكتب والوثائق القومية، ود. أنور مغيث، مدير المركز القومى للترجمة، والكاتب حلمى شعراوى، نائب رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية، والمخرج سمير سيف، والمنتج محمد العدل، والفنانة سيمون، والمخرج عصام السيد، ود.لميس جابر.
• شبرا.. إسكندرية
وفى الاحتفالية قال د.محمد عفيفى مؤلف الكتاب إن كتابه «شبرا.. إسكندرية صغيرة فى القاهرة»؛ تم اختيار عنوانه بعد الانتهاء من الكتاب تأكيداً لفكرة المجتمع المفتوح المتعدد الأعراف واللغات والأعراق، مشيراً إلى التشابه بين شبرا والإسكندرية الذى يتضح فى دخول الصحافة والسينما، حيث عرفت مصر الصحافة من الإسكندرية وكذلك عرفتها القاهرة من شبرا وكذلك عرفت السينما، وأضاف عفيفى.. أن التحول إلى الفكر السلفى الذى شهدته الإسكندرية فى السبعينيات عرفته أيضا شبرا فى نفس الوقت، فالكتاب يجمع شهادات لعدد من الأشخاص الذين عاشوا فى شبرا فى مراحل زمنية مختلفة ومن بينهم شخصيات معروفة، كما أشار إلى أنه عاش بها عدد كبير من الشخصيات الفنية والثقافية الكبيرة مثل صلاح جاهين والبابا شنودة، مشيرًا إلى أن الكتاب سوف يكون له جزء ثان لضم مزيد من الشهادات.
وأوضح عفيفى أنه اعتمد فى كتابه على مصادر متنوعة: تاريخية وأدبية وصحفية وشهادات وإفادات شفهية منوها بأنه اكتشف عبر رحلة التأليف التى استغرقت نحو ثمانى سنوات بعض الحقائق الجديدة بالنسبة له ومن بينها أن الفنانة سميحة أيوب من أبناء حى شبرا مصر.
وأكد المؤرخ د.عماد أبو غازى وزير الثقافة الأسبق أن الكتاب ليس رواية محمد عفيفى فقط، بل مجموعة من الروايات لشخصيات عاشت فى شبرا فى فترات مختلفة، وقام محمد عفيفى باستحضارهم داخل نسيج العمل، كما أن محمد عفيفى لم يبتعد عن الأصول الأكاديمية فى كتابة التاريخ، حيث قدم مزجًا بين المصادر، وهو ما أعرفه عنه من  بحثه عن المصادر غير التقليدية فى الكتابة التاريخية، ما يجعل لديه تنوعاً واسعاً جدًا فى المصادر على جميع المستويات، حيث يظهر جلياً للقارئ كيف تتبع تطور شبرا من خلال العديد من المصادر، مؤكدا أن الكتاب يرصد تاريخ حى شبرا العتيق، وأبرز شخصياته التى أثرت فى مجتمعها بداية من القرن العشرين.
• جمهورية شبرا
وقال د. محمود الضبع إننا نجتمع لنحتفل بجمهورية شبرا، ومجتمع شبرا، الذى استطاع أن يصنع لنفسه علامات منذ عهد الخديو سعيد، مضيفاً أن هذا الكتاب لم تتضح فيه فقط شخصية المؤلف، وعملية الرصد التى قام بها، بل اعتمد فيه على روح الحكاء، الذى يقدم للقارئ حكايات عن المكان والزمان، وتحولات المجتمع من الزارعة وحتى الحرف الصناعية، وتشكل المكان الجغرافى، والتعداد السكانى وتطوره.. وأشار إلى أن كل هذا يجعلنا أمام فكرة مهمة، تعتمد على تسجيل الشخصية المصرية، وهى فكرة مازالت حية، وعلينا أن نؤسس لها، فى العديد من أشكال الكتابة، نظرًا لأهميتها الشديدة، فى ظل غياب الوعى المجتمعى، وغياب ملامح هذه الشخصية المصرية، مع فقدان الجمال.
واختتم الحفل بشهادات عدد من الفنانين والكتاب كان أولهم المخرج سمير سيف الذى قال «إن منطقة شبرا كانت تشبه العاصمة اليونانية أثينا لأن معظم لغة الحوار فيها والسكان من اليونان، خصوصا شارع البعثة ومنطقة نشاطى»، وأشار لذكرياته مع منطقة شبرا.
• سيمون والعدل
وكذلك الفنانة سيمون التى روت طفولتها بشبرا وأوضحت كيف أن كتاب شبرا لعفيفى أشبه بفيلم سينمائى ممتع مؤكدة أن أجمل سنوات حياتها كانت فى شبرا مسقط رأسها التى تحرص على زيارتها كل أسبوع.
وأشار المنتج د. محمد العدل إلى ذكريات طفولته فى شبرا وفكرة الانتماء، واستعاد أسماء بعض دور السينما التى تحظى بمكانة عزيزة فى ذاكرة أبناء شبرا وكذلك بعض مدارسها التى تخرج منها من باتوا من الفنانين الذين أصابوا قدرا كبيرا من الشهرة،  ومن بينهم يوسف شعبان وسامى العدل وأحمد ماهر ناهيك عن أسماء توهجت فى سماء الفن كالموسيقار الراحل بليغ حمدى والفنان الكبير حسين رياض فضلا عن مارى منيب.
• لميس وذكريات الطفولة
أما الكاتبة لميس جابر فقد تطرقت فى شهاداتها للشوارع وللطفولة ووصفت الكاتب بأنه حكى للتاريخ على طريقة الحكائين.
وتقول إن هذا الكتاب الجديد أعاد لها ذكريات طفولتها وشبابها فى حى «شبرا مصر» مؤكدة أن هذه المنطقة تظهر جمال الشعب المصرى وتركيبة مصر، فهنا فى «شبرا مصر» الفضاء الأبرز للتسامح الطبيعى والحياة الطبيعية بعيدا عن الشعارات والتنظيرات.. وهنا فى هذا الحى الذى تقطنه أغلبية من الشريحتين الدنيا والمتوسطة للطبقة الوسطى المصرية والذى يحلو للبعض تشبيهه بالحى اللاتينى فى باريس مازالت الروح تنبض بالحب والاحتفال بالحياة.
كما أوضح المخرج عصام السيد أن الكتاب وافِ، ولكن توجد حالة من التغيير وهى وجود الجماعات الإسلامية، بالإضافة لوجود 5 مناطق فى شبرا تحتاج إلى دراسة مستفيضة منها روض الفرج والحافظية.
• ذكريات شارع الأزهرى
وفى الناحية الثانية قدم الفنان أحمد عبد الغنى معرضه ذكريات شارع الأزهرى فى «رهاب الفضاء» الذى ضم 30 لوحة، تتناول حنينه وشوقه لأيام الصبا، والشباب فى حى شبرا حيث موقع بيته القديم بشارع الأزهرى، وفى صياغات تصويرية متفردة، وشديدة الخصوصية عبر فيها عن ذكرياته التى تتوارى خلف اللقطات، والزوايا من بيته الذى يُشبه كل البيوت فى تلك الأحياء الشعبية.. وأوضح عبدالغنى أن الأعمال فى مجملها كأنها رحلة داخل الأماكن، والحجرات والسلالم، والطرقات، شبابيك وأبواب وحوائط وبالكونات وأرضيات محملة بتلك الزخارف القديمة المتراصة لتحيلنا إلى هذا الزمن الجميل فتتحاور المفردات والعناصر فى تناغم دافئ وحنون.. وأضاف: حاولت فى معرضى هذا أن استدعى تلك الحياة بذكرياتها حين كنت صغيراً ساعات النهار، ودفء الأماكن فى شتاء حنون، وساعات العصارى فى أيام الصيف، وتجليات صوت أم كلثوم ومحطات الإذاعة التى شكلت وجداناً وخيالاً وتلك الأبواب المفتوحة دوماً والشبابيك التى نتحاور من ورائها مع الجيران وأصوات الباعة الجميلة بنغماتهم شديدة الخصوصية.
وأكد: المعرض يحمل كل الذكريات التى عاشها أبناء جيلى وما قبله وأتذكر كم كنا محظوظين بطهارة ونقاء هذا الزمن وتلك الحميمية التى تحيطنا بدفء المشاعر، أتذكر هذه الذكريات الجميلة وأذكركم بها فى محاولة للعودة إلى طهارة ونبل المشاعر بحنين وشوق لها.
وفى تقديمه النقدى للمعرض قال الفنان التشكيلى الكبير «مصطفى الرزاز»: فى المعرض حالة من الواقعية الفوتوغرافية فى تسجيل الجدران والأبـواب ودرجات السلم كمسرح للأحداث وتجديد للفضاء، وفيه عناصر مألوفة كالسجاد والبلاطات المتصدعة والضوء المتسلل من تحت عقب الأبواب ثم المنبه والتليفون القديم - رمزاً الزمن. الأبيض والأســود ودرجاتها والمنظور الإيزومترى مفـرط الزاوية، عين الطائر ولكن (أثناء طيرانه المترنح) مع رقاع كامــلة التلــوين وتكرارات زخرفية نمطية تجسـيد لفضاء اللوحات.
وأضاف «أن المشاهد ليست لأماكن حديثة ولا متقادمة الزمن. إنها لحظات سينمائية تجمد حالة ليست بعيدة. بقايا حوادث مرت منـذ لحظـات كتوثيق للحظة اقتــحام أحد أوكار جماعة ســرية فرت على التو تـاركة أشياءها فى أماكنـها على عجـل، الأضــواء المحــددة تتســرب من فتحــات غير منظورة تتلمس تضاريس المكان وزوايا الرؤية المباغتة، ألوان الجدران التى أنهكها الزمن وتماهت ألوانها بفعـل الضـوء غير المرئي. •