الأسعار ترتفع 300%.. والرواتب محلك سر

محمد عبد العاطي وريشة خضر حسن
الأسعار تقفز عشرات المرات.. والرواتب محلك سر.. والضحية الغالبية من الشعب المصرى الذى طحنه الغلاء.. وارتفعت عليه فواتير المياه والكهرباء والغاز.. واكتوى بنيران القيمة المضافة وزيادة أسعار المحروقات وتحرير سعر الصرف، غول الأسعار يكشر عن أنيابه باستمرار فى المقابل قررت الحكومة أن تمنح العاملين فى الحكومة من غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية علاوة 10% فقط وهو رقم لا يتناسب بالمرة مع ما يتعرض له محدودو الدخل فى الأسواق.
وفى الوقت نفسه فإن أى راتب يجرى تحديده يكون بناء على مقتضيات تعتمد على قياس ارتفاع الأسعار فى الوقت الذى أعلن فيه البنك المركزى فى بيان له أن معدل التضخم الأساسى السنوى اقترب من ملامسة الـ 26 % فى شهر ديسمبر الماضى بعدما كان 20.76%، لاسيما أن الأسعار دائما ما تكون مرشحة للزيادة.. وكلما نقصت سلعة من الأسواق ظهرت لها الأسواق السوداء التى تتوفر فيها ولكن بأسعار مختلفة عن معدلاتها الطبيعية.
ووسط الرواتب التى تتبخر من بين أيدى المواطنين هناك إصرار حكومى على عدم رفع الأجور أو حتى الاقتراب من الحد الأدنى البالغ 1200 جنيه، حيث طالب البعض أن يكون 1500 جنيه وآخرون شددوا على ضرورة أن يتجاوز ألفى جنيه فى الوقت الذى بلغت فيه معدلات المواطنين تحت خط الفقر إلى 27.8% من الشعب وذلك قبل موجة الغلاء الشديد وتحرير سعر الصرف.
• الأسعار نار
دخل المواطن المصرى نفق الأسعار المظلم فلا أحد يعلم إلى متى سيظل قابعا فيه، فالمنتجات والسلع والخدمات تتحرك أثمانها بقوة دون النظر إلى أى اعتبارات تتعلق بقدرة محدودى الدخل على الشراء من عدمها، كل سلعة أو خدمة يجرى تقديمها للمواطنين زادت بنسبة تتراوح بين 100 و200% وكان السبب الرئيسى هو زيادة سعر الدولار الذى قفز بعد تحرير سعر الصرف لتصل قيمته إلى 19.5 جنيه بعدما كان 8.88 جنيه قبل ذلك.
وعلى سبيل المثال فى عام واحد قفز سعر السكر من خمسة جنيهات إلى 15 جنيهًا فى بعض المناطق بعدما اختفى فى كثير من المحال التجارية .. أما سعر الأرز فكان سعره قبل عام ثلاثة جنيهات والآن يتأرجح سعره بين 8 و 11 جنيها وقفز سعر الزيت من 8 إلى 20 جنيها.
واستمرت قفزات الأسعار بالنسبة إلى الصابون الذى وصل من ثلاثة جنيهات إلى ستة جنيهات وربما أكثر فكلما ارتفعت الجودة زاد السعر .. أما العدس فزاد سعره من 16 جنيها إلى 32 جنيها وربما أكثر فى بعض المناطق، أما حمص الشام وهو الطعام الذى يفضله الكثير من المصريين فى الشتاء فزاد سعر الكيلو من 20 جنيها إلى 38 جنيها.
أما وجبات إفطار المصريين فأقل كيس فول أصبح سعره 2 جنيه بعدما كان جنيهًا واحد وعلة ذلك ارتفاع سعر الكيلو إلى 15 جنيهًا إضافة إلى ارتفاع الأكياس وأيضا الزيت والطحينة وهو ما زاد من الضغوط على أصحاب العربات ليرفعوا الحد الأدنى لثمن للكيس على مضض.
وقفز سعر «باكو» الشاى الصغير إلى 3.5 جنيه أما العلبة وزن ربع كيلو فأصبح ثمنها أكثر من 20 جنيها فى حين بلغ سعر البن التركى 80 جنيها والبن اليمنى 230 حنيها والبن الكولومبى 120 جنيها وهى أرقام تبدو صعبة على عشاق هذا المذاق ولكن قد يلجأون إلى التقليل منه أو الامتناع عنه.
وبالانتقال إلى كيلو اللحم فزاد سعره فى عام من 90 إلى 120 جنيهًا فى المتوسط هذا بالنسبة للبلدى، أما المستورد «القطع الخلفى» فزاد إلى 85 جنيها بعدما كان 50 جنيها وهى اللحوم التى يلجأ إليها الكثير من المواطنين الباحثين عن ضبط ميزانياتهم الشهرية مع منح أولادهم البروتين اللازم لإدخال الفرحة على قلوبهم.
وأيضا زاد سعر كيلو اللبن «السائب» إلى 10 جنيهات بعدما كان ثمنه سبعة جنيهات منذ عام بينما المعبأ فوصل ثمنه إلى 12 جنيهًا بدلا من 9 جنيهات منذ عام تقريبا، أما كيلو الجبن فزاد سعره بنسبة أكثر من 100% خلال عام كنتيجة طبيعية لارتفاع أسعار الألبان.
• المواطن رب الأسرة
إذا كان المواطن الذى يتقاضى راتبه الثابت من الحكومة أو القطاع الخاص له أسرة مكونة زوجة وطفل أو اثنين فقد أصبح يعيش فى جحيم من لهيب الأسعار لا ينتهى بداية من الارتفاع المستمر فى أسعار الحفاضات التى وصل سعرها إلى أكثر من 250 جنيها للعبوة الاقتصادية الكبيرة بعدما كان سعرها 125 جنيها منذ أشهر.
وبالنسبة إلى الدروس الخصوصية فقد زاد ثمنها هى الأخرى فيحاول رب الأسرة اقتطاع جزء من راتبه لتعليم أولاده من أجل فتح آفاق لهم للمستقبل وهى تضغط عليه هى الأخرى إلى جوار فواتير الكهرباء والغاز والمياه أما إذا أصاب المرض أيًا من أطفاله فمع ارتفاع أسعار الكشف لدى الأطباء كان اللجوء إلى الصيدلى هو الحل لتفادى نزيف المصروفات المستمر فى الوقت الذى لا مفر أمامه من شراء الأدوية التى ارتفع ثمنها منذ أشهر وسيزداد مرة أخرى لا محالة مع إصرار شركات الأدوية على ذلك على خلفية تحرير سعر الصرف. وأمام هذه الضغوطات لجأ المواطن إلى اللهث وراء عمل إضافى يحاول من خلاله ملاحقة الأسعار والحصول على أقل مقتضيات حياته المعيشية التى كان يحصل عليها منذ أشهر.
تمثال الثلج
اعتبر الدكتور صلاح هاشم أستاذ التخطيط والتنمية بجامعة الفيوم أن المجتمع المصرى شهد الكثير من التغيرات الاقتصادية الشديدة فى المرحلة الماضية لم يستطع أن يتواكب معها المواطن بما يتقاضاه من أجر.
وأضاف هاشم أن التغيرات الاقتصادية التى تسببت فى ارتفاع الأسعار لعبت دورا رئيسيا فى زيادة رقعة الطبقة الفقيرة على حساب المتوسطة، حيث إنه قبل قرارات تحرير سعر الصرف كان هناك ما يقرب من 30% من المصريين غير قادرين على إشباع حاجاتهم الأساسية وهم تحت خط الفقر ولكن بعد قرارات تعويم الجنيه بدأت الطبقة المتوسطة تتآكل لتهبط إلى الطبقات الأقل نتيجة عدم القدرة على شراء السلع والخدمات التى كانوا يشتروها فى السابق.
وتوقع هاشم أنه إذا جرى إجراء مسح شامل بعد القرارات الاقتصادية فقد يصل عدد المصريين الذين سيصبحون تحت خط الفقر أكثر من نصف الشعب المصرى على أقل تقدير بسبب الارتفاع الكبير فى الأسعار الذى تشهده الأسواق.
وأكد هاشم أن ما يتقاضاه المصرى من أجر أشبه بتمثال الثلج الذى كلما مر عليه الوقت يتضاءل ثم يتلاشى بعد فترة أمام ما تشهده الأسواق من ارتفاع جنونى فى الأسعار.
وتوقع هاشم أن يستعيد الجنيه المصرى 14% من قيمته خلال الستة أشهر الأولى من العام الجارى ولكن رغم ذلك ستظل الأسعار كما هى مرتفعة وهو ما سيزيد من الضغوطات على المواطنين الذين يحصلون على رواتب شبه ثابتة ولا تتحرك.ومن جهته، أكد شريف دلاور الخبير الاقتصادى أن المواطن المصرى أصبح يتعامل مع ارتفاع الأسعار بواقعية، فعلى سبيل المثال يحاول الموظف الحكومى إنهاء عمله سريعا كى يذهب إلى عمل آخر أو الحصول على وردية تاكسى لمدة ثمانى ساعات من أجل مواكبة ما يتعرض له من زيادة فى معدلات التضخم.
وأضاف دلاور أنه لا يمكن الحديث عن الحد الأدنى للأجور إلا الدول التى يمكن من خلالها تحديد دخل الفرد بشكل دقيق وذلك لقياس ما يحصل عليه من أموال وهل هو بحاجة إلى زيادة أم لا، فالعمال يبحثون عن أعمال إضافية لتحسين دخلهم وأيضا الطلبة والمدرسون الذين يملكون القدرة على إعطاء دروس خصوصية.
واختتم دلاور حديثه بأن هناك ارتفاعًا كبيرًا فى الأسعار ولكن يحاول المواطن المصرى التغلب عليه بالعمل أو أحيانا يرفع من أسعار الخدمة التى يقدمها فى السوق لمواكبة الوضع الراهن. •