مافيا الاحتكار تسيطر على الأرز الحكومة تواجه الاحتكار بدعم الفلاح الهندى

محمد عبد العاطي وريشة محمد عبد الغني
الأرز.. ضحية جديدة لسياسات الشد والجذب بين التجار من جانب والحكومة من جانب آخر والنتيجة ارتفاع أسعاره إلى ثمانية جنيهات فى الأسواق ووصل فى بعض المناطق إلى 11 جنيها ليدفع المواطن ثمن تلك السياسات غاليا.
بعدما ارتفع جميع أسعار السلع والخدمات جاء الدور على الأرز كى ينال هو الآخر نصيبه من الزيادة فى الثمن ولكن الأسباب هذه المرة كان يمكن تفاديها بسهولة بينما الواقع يؤكد أن تلك السلعة ربما يرتفع ثمنها فى المستقبل فى ظل حالة الترقب بين التجار.
• الأزمة.. صناعة حكومية
تعود جذور أزمة الأرز إلى الوزير خالد حنفى فى عام 2015 حين قرر عدم شراء مخزون استراتيجى للأرز على اعتبار أنه متوفر بكثرة حيث يفوق الإنتاج معدل الاستهلاك بأكثر من 20% على أقل تقدير وهنا جاء الدور على التجار الذين انتهزوا الفرصة ولعبوا وحدهم فى الأسواق فاشتروا تلك السلعة الاستراتيجية المهمة من الفلاحين بأبخس الأثمان وصدروها إلى الخارج وربحوا أموالا طائلة.
وكانت وزارة التموين فى السابق تشترى نصف مليون طن كاحتياطى استراتيجى بحيث تضمن عدم تلاعب التجار والمحتكرين بالمواطنين ولكنها تغاضت عن ذلك ليتسبب الأمر فى أزمة.. ولجأت على الفور إلى الاستيراد من الخارج فكان الأرز الفلبينى أضحوكة على المائدة المصرية لما به من مشاكل فى الطهى وتحوله إلى قطعة من العجين المتماسك مع مرور الوقت.
أما عام 2016 كان الفلاح أكثر حرصا فرفض بيع الأرز بأسعار متدنية، حيث بلغ سعر الطن مع بداية موسم الحصاد إلى 2400 جنيه للنوع عريض الحبة و 2300 لرفيع الحبة تقريبا بعدما كان سعره 1600 جنيه فى السابق.. ولجأت وزارة التموين الحالية إلى سلاح المناقصات، حيث طلبت الحصول على الأرز بسعر 3 آلاف جنيه للطن، ولكن لمدة ستة أشهر بدلا من تحديد السعر كل شهر كما هو معتاد ليعزف الفلاحون والتجار عن الدخول فيها خشية ارتفاع سعره من جديد ولاعتقادهم بأن هناك موجة كبيرة من الزيادة فى الثمن ستتعرض لها الأسواق فى المستقبل فى حين اتخذت الوزارة قرارا بخفض أسعار المكرونة بنسبة 25% باعتبارها البديل الطبيعى للأرز لحين السيطرة على الأزمة.
• دعم الفلاح الهندى
أمام رغبة التجار فى الاستفادة من الأرز بعدم توريده إلى الحكومة انتظارا لارتفاع سعره جرى التعاقد على شراء ما يقرب من 500 ألف طن أرز هندى بمبلغ 410 دولارات للطن الواحد ليباع على البطاقات التموينية بسعر 7.5 جنيه فى الوقت الذى عرضت فيه الوزارة شراء الأرز فى المناقصة بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه للطن أى 3 جنيهات للكيلو ليسود اعتقاد بين التجار بعدها أن الصواب قد حالفهم بعدم التوريد وفقا لهذه الأسعار.
وإذا كان سعر الأرز الهندى على البطاقات التموينية يبلغ 7.5 جنيه للكيلو فكم سيكون سعر نظيره المصرى الأعلى جودة فى الأسواق والمحال والسلاسل التجارية.. هكذا يفكر التجار.
ومن جهته أكد فريد واصل نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين أن الحكومة أعلنت عن شراء سعر الأرز بسعر 2400 جنيه مع بداية موسم الزراعة فذهب التجار إلى الفلاحين واشتروه بسعر ثلاثة آلاف جنيه ليحتكروا السلعة لصالحهم.. وأضاف واصل أن الأرز المصرى عالى الجودة، ويعد مطلبًا تصديريًا رئيسيًا للدول المجاورة ودول الخليج ومع قرار وقف تصديره يقوم بعض التجار بتهريبه عبر المنافذ الحدودية وأيضا استغلال الحدود الليبية والسودانية لهذا الغرض، حيث يصل سعره إلى ما يقرب من 750 دولارًا.. وأشار واصل إلى أن المهربين يحققون أرباحا طائلة من وراء تهريب الأرز تصل إلى ثلاثة أضعاف وربما أكثر من سعره فى الوقت الذى تؤكد فيه الأرقام أن مصر لا تعانى أزمة فى زراعة الأرز من الأساس وإنتاجها يفوق احتياجها بمعدلات كبيرة.. واستكمل واصل حديثه بأن الأرز الهندى لا تمكن مقارنته بأى حال من الأحوال بنظيره المصرى المنتج محليا والمفضل لدى المصريين والذى يعد وجبة رئيسية مهمة على المائدة ولا يخلو البيت المصرى منه.
وقال واصل: إن الفلاح المصرى لا يمكن أن يعمل كتاجر ويخزن الأرز حيث يسعى دائما إلى تصريف المحصول فور حصاده من أجل سداد الديون التى يعانى منها لاسيما أن هناك ارتفاعًا فى تكلفة الزراعة بسبب زيادة ثمن المستلزمات الزراعية، حيث يلجأ التجار فى كثير من الأحيان إلى شراء المحاصيل وهى لا تزال تنمو داخل الأرض الزراعية لضمان الحصول عليه.
واختتم واصل حديثه بأن الحكومة كان عليها ألا تقدم على خطوة الاستيراد وإهدار النقد الأجنبى وأن تمنح الفلاحين سعرًا عادلاً لشراء الأرز وتستبق التجار لتقوم بتوفير هذه السلعة الاستراتيجية بأسعار مناسبة.
وفى سياق متصل أكد ماجد نادى المتحدث باسم نقابة البدالين «بقالى التموين» أن الأرز غير متوفر حاليا داخل البقالات التموينية وأن التجار ينتظرون توفره فى الفترة المقبلة لتوزيعه على البطاقات التموينية.. ويستفيد 70 مليون مصرى من البطاقات التموينية والموجهة إلى 21 مليون أسرة تقريبا وعدم توفر الأرز يفتح الباب أمام التجار لضخ الكميات التى يرغبون فيها بالأسعار التى تحقق لهم العائد المرتفع طالما أنهم وحدهم يلعبون فى الأسواق فى الوقت الذى تشن فيه مباحث التموين حملات مكثفة لضبط الكميات المخزنة مع الإعلان عن مكافأة لمن يرشد عن مخازن تلك السلعة والمخابئ السرية.
• إنتاج فائض
أكد رجب شحاتة رئيس شعبة الأرز باتحاد الصناعات أن إنتاج مصر من الأرز يصل إلى سبعة ملايين طن «شعير» ويجرى تبييضه ليصل إلى 4.5 مليون طن فى العام الواحد فى حين يبلغ الاستهلاك المحلى 3.5 مليون طن أى أن هناك مليون طن على الأقل فائض وبالتالى لا يمكن أن نقر بوجود أزمة حقيقية لاختفاء تلك السلعة.
وأضاف شحاتة أن الحكومة لجأت إلى استيراد الأرز من الهند لمواجهة الاحتكار الذى يسيطر عليه بعض التجار الراغبين فى تحقيق أرباح مرتفعة رغم أنهم حصلوا عليه بأسعار زهيدة.
وأوضح شحاتة أن ارتفاع الأرز نتيجة طبيعية للارتفاعات المتتالية فى السلع والخدمات التى شهدتها مصر فى الفترة الأخيرة فالفلاحون والتجار يعانون من الزيادة فى الأسعار التى جاءت بسبب قرار تعويم الجنيه وبالتالى عليهم رفع أسعارهم لمواجهة التغير فى بقية أثمان السلع والخدمات.
ومن جهته أكد مصطفى السلطيسى نائب رئيس شعبة الأرز السابق أن الأرز لا يمثل أزمة حقيقية على أرض الواقع، ولكن بعض القرارات الحكومة تصنع هذه الأزمات، حيث إن مناقصة توريد الأرز التى جرى إلغاؤها وكانت مدتها 6 أشهر تسببت فى وصول السعر إلى 3300 ثم قفز إلى 4300 جنيه.
وأوضح السلطيسى أنه مع إعلان وزارة التموين عن سعر بيع الأرز الهندى على البطاقات التموينية بسعر 7.5 جنيه للكيلو قفز سعر الطن المحلى إلى 5100 جنيه للطن وبالتالى فإن هناك زيادة متوقعة فى السعر لأن الأرز المحصول المصرى أعلى جودة بكثير من الهندى المستورد من الخارج.
وأضاف السلطيسى أن تهريب الأرز لا يزال مستمرًا فى الفترة الحالية، حيث يبلغ سعره نحو 750 دولارًا أى ما يعادل 15 ألف جنيه فى الوقت الذى يبلغ سعر بيعه للمستهلك فى مصر بنحو ثمانية آلاف جنيه للطن على أقصى تقدير وهو السعر المكافئ للهندى الأقل جودة وبالتالى فإن التجار سيستفيدون بشدة خاصة ممن لديهم طرق فى التهريب.. وتوقع السلطيسى أن يشهد الأرز ارتفاعا فى الأسواق لأن السعر يمكن أن يتحرك وفقا لما يتردد من أحاديث وشائعات داخل السوق، ولكن من الصعب هبوط الثمن فى الوقت الحالى.•