فى جامعة القاهرة التى تبرعت لإنشائها امرأة! منصب رئيس جامعة القاهرة.. للرجال فقط!!
نهي العليمي
جامعة القاهرة.. تلك الجامعة العريقة التى ستحتفل بمرور 108 أعوام على إنشائها، بصفتها منارة للعلم، والرقى فى الوطن العربى، والعالم كله، تخرج فيها أعظم القادة، والزعماء، والمفكرين، والسياسيين والأطباء والمهندسين حول العالم، ولا أحد يستطيع إغفال الدور البارز للمرأة فى إنشائها، فقد شاركت الأميرة فاطمة بنت الخديو إسماعيل فى إقالة الجامعة من عثرتها آنذاك، بعد أن قامت بالتبرع بـ 661فداناً من ممتلكاتها لبنائها، وعرضت مجوهراتها للبيع لتغطى تكلفة بنائها، فهل من الطبيعى أنه وبعد أكثر من قرن على إنشاء الجامعة لم تستطع امرأة واحدة أن تتولى منصب رئيس هذه الجامعة العريقة !!
فقد وصلت المرأة لمنصب وزيرة وسفيرة ومحافظة.. وهناك رائدات مميزات أثبتن جدارة لاتضاهيها جدارة مروراً بالدكتورة سهير القلماوى أول طالبة بجامعة القاهرة.. والدكتورة زهيرة عابدين أول طبيبة يسمح بتعيينها فى هيئة التدريس، وعالمة الذرة سميرة موسى، والكثير من الأسماء البراقة ووصولا للدكتورة هبة نصار التى استطاعت أن تكون أول سيدة تشغل منصب نائب رئيس الجامعة بعد 100سنة على إنشائها.. وكان هذا أعلى منصب تولته امرأة تحت القبة.
مع العلم أن هناك تجربتين ناجحتين للدكتورة هند حنفى فى رئاسة جامعة الإسكندرية والدكتورة هالة فؤاد فى رئاسة جامعة طنطا، فلماذا لم تسبقهما جامعة القاهرة؟!
• ليس هناك تعمد
الدكتورة ليلى عبدالمجيد عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقاً تقول: «ليس هناك ما يمنع التطور الطبيعى، فالسيدات وصلن لكل المناصب فهناك تجربة رئاسة جامعة إسكندرية خاصة أننا وفى الفترة الأخيرة النساء تترشح وتتقدم ببرنامج عمل ثم ترفع للرئاسة ويُعين رئيس الجامعة وصحيح هم دائماً رجال فى جامعة القاهرة ربما يكون تمييزاً.. وربما تكون سيداتنا لم يقدمن أنفسهن بالقدر الكافى وليس هناك تمييز وهذا ما أميل إليه، أنه ظرف عام وليس عن عمد.. ولدينا سيدات متميزات بالفعل مثل الدكتورة هبة نصار التى لها تجربة مميزة وناجحة جدا كنائب لرئيس الجامعة وكان هناك بريق أضافته فى مجال خدمة المجتمع ونموذج ناجح.. ولدينا عديدات مميزات ورائدات لم يأخذن فرصتهن ولكن التطور الطبيعى أن تظهر على الساحة رئيسة للجامعة، فلو نظرنا للسبعينيات فلن نجد أى عميدة سيدة، أما اليوم فهناك العديد من العميدات للكليات ووصلت لنائب الرئيس، وفى رأيى ليس هناك ما يمنع من التطور الطبيعى وليس هناك تعمد للتمييز.
• قرب سن المعاش
وتضيف الدكتورة ليلى: أيضا هناك عنصر يقلل فرص المرأة فى الوصول للرئاسة هو عند وجودها فى موقع العميدة تكون قد قربت من سن المعاش فلا تُصعد لنائب رئيس ورئيس جامعة.. ولكن بعد 25 يناير بدأت السن فى النزول فى الجامعات الأعالى، وأصبح الآن أسهل بكثير ظهور قيادات للتولى فى سن أقل.. فمن الممكن أن نشهد الفترة القادمة سيدات فى هذه المناصب.. وأرجو أن تضع القيادات المرأة فى الاعتبار ويبدى وزير التعليم العالى ورئيس الجامعة الحماس والإيمان بقدرات المرأة المصرية فنحن نحتاج رئيس جامعة يرشح المرأة الكفء، كما فعل الدكتور حسام كامل وأعطى الفرصة للدكتورة هبة لأنها الأكفأ.. وتبذل المرأة الجهد لتقديم نفسها وأخذ حقها ويترجم ذلك فى قرارات وسياسات تفرض دون تمييز ويكون المعيار هو الكفاءة فقط وهكذا لن نجد ما يمنع من الوصول لمنصب رئيس الجامعة.. وقد يكون العائق هو عراقة وقدم هذه الجامعة والعدد الكبير من أعضاء هيئة التدريس المتميزين فالمنافسة قوية وشديدة وهذا شىء إيجابى ليجتهد الجميع لأن المعيار يجب أن يكون هو الكفاءة دون النظر هل هو رجل أم امرأة.
• مشكلة مجتمعية.. والمرأة جزء منها
أما الدكتورة نجوى كامل أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، فتقول: القضية ليست «رجل وامرأة» وإنما وجود معايير الكفاءة التى إذا توافرت فى الرجل أو المرأة فأهلا بها.. جامعة القاهرة بتاريخها العريق لا يمكن ألا تتواجد فيها امرأة بهذه المقومات.. وكانت هناك تجربة فريدة هى انتخابات رئيس الجامعة ووقتها اِنتُخِب الدكتور جابر نصار.. فهل المرأة كان لها تواجد ورشحت نفسها؟؟ وهل فعلاً من رشحن أنفسهن كن الأكفأ؟ وإذا كن الأكفأ فهل فشلن فى تقديم أنفسهن لأنهن غير مدربات على إدارة المعركة الانتخابية؟؟ كل هذه التساؤلات هى التى تحدد فرصتها فى الانتخاب، فهو ليس قرارًا فوقيًا باختيار رجل أو امرأة، وتجربة الدكتورة هبة نصار فى جامعة القاهرة كنائب لرئيس الجامعة لشئون البيئة وخدمة المجتمع تجربة ناجحة جدا، والاحتفالية بمئوية الجامعة كانت مميزة عن أى سنة.. وهناك عميدات كثيرات ناجحات جدا ولكن لا يأتى التصعيد لمنصب الرئيس، معنى هذا أن هناك مشكلة مجتمعية لا أستطيع استيعابها وأكيد أن المرأة جزء من هذه المشكلة ولن نستطيع إعفاءها من ذلك.. فالجزء الأول متعلق بنظرة المجتمع فخطأ الرجل فردى بمعنى من أخطأ أو كان غير كفء للمنصب يخصه هو فقط هذا الفشل، لكن المرأة خطؤها يعمم على كل النساء، فى أى منصب إدارى، فيقولون «النساء كلهن غير قادرات» وليست فقط المخطئة!! ويظهر ذلك فى مجالات عديدة أخرى حتى «السواقة» ويعمم خطأ المرأة على جميع النساء وهذا مرجعه أن الرجل مازال لم يتعود على وجود النساء فى أماكن معينة، وهو ما يحمل المرأة عبئا مضاعفًا لتقدم نموذجًا ناجحًا لأى امرأة.. فأكبر خطأ نقع فيه أن يتم اختيارها فقط لأنها «امرأة» أو لأنه «قبطى» مثلا!! فذلك يرسخ ثقافة وجود اختلاف، فيجب أن يتم الوعى المجتمعى بهذه القضية المهمة ويكون الفيصل هو الكفاءة.
• العالم كله به تمييز.. ولكن بدرجات متفاوتة
الدكتورة نيفين مسعد أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة تقول: منذ سنوات قريبة لم نكن نرى رئيسة جامعة ولا أى منصب قيادى فى أى جامعة ولكن بدأت تظهر المرأة فى الجامعات الخاصة وبعض الجامعات الحكومية وهى عملية بطيئة بالفعل ولكنها أصبحت موجودة، رغم أنها لم تكن مطروحة من الأساس، وعندما تولت الدكتورة هبة نصار نائب رئيس الجامعة كان ذلك يمثل اختراقًا لمجال لم يخترقه أحد قبلها، فى هذه الجامعة العريقة، ونرى الكثيرات على مستوى العميدات والوكلاء فى الكليات، بل إن هناك كليات تركيبتها أساسا مناسبة أكثر أن تتولاها النساء كالاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام وكثير من الوظائف القيادية، فليس من المنطقى عدم تولى امرأة رئاسة جامعة القاهرة وآلاف السيدات تبوأن اليوم مناصب دولية وإقليمية.. فهذا التطور طبيعى ولابد أن يحدث حتى وإن تأخر، وسنكون عكس التطور التاريخى الطبيعى إذا لم يتم، وقد وصلت السيدات ليس فقط لوزارة التضامن بل لوزارة التعاون الدولى، والهجرة، والاستثمار والإعلام.. فهى مسألة وقت ويجب أن نضغط فيها ليس لرئاسة جامعة القاهرة فقط.. بل لتصل المرأة لوزيرة التربية والتعليم والتعليم العالى، فالمرأة أكثر قدرة تربوية وأكثر حرصاً بحكم تكوينها وارتباطها بتفاصيل أبنائها التى قد لا يعلمها الأب، فما الذى يمنع من الوصول لهذا المنصب؟!!. فعندما تولت الدكتورة درية شرف الدين وزارة الإعلام كانت ناجحة جدا والإعلام أداة تشكل الوجدان ولا تقل أهمية عن التربية والتعليم، وهنا تأتى وظيفة الدولة أكثر من المجتمع فيتعود المجتمع على وجود المرأة فى هذه المناصب وكل شغل المفوضية الآن على مكافحة التمييز وأن تكون المناصب مطروحة على الجميع وبعيدة عن اعتبارات الجنس والدين والاعتماد فقط على الكفاءة، وبالرغم من أننا وجدنا المرأة وصلت لوزيرة دفاع الآن.. إلا أن كل دول العالم بها درجات متفاوتة من التمييز، مهما كانت الدول متقدمة ولكن بدرجات متفاوتة.
• الإرادة السياسية هى الداعمة
الدكتورة آن حنفى رئيسة وحدة الفسيولوجيا الإكلينيكية للجهاز العصبى بقصر العينى تقول: الفترة الحالية أنا متأكدة أنها ستشهد تقدمًا للمرأة المصرية فى جميع المجالات لأن الإرادة السياسية موجودة ومساندة لها وهو ما يظهر فى دعمها فى مناطق كثيرة.. فأولوية المرأة تأتى فى كل خطب الرئيس السيسى ودعمه لها لذا سيدعم وجودها على الساحة فى جميع الأماكن والمجالات.. ولتجربة الدكتورة مديحة خطاب فى تولى عمادة قصر العينى أكبر دليل على قدرة المرأة المصرية واستطاعتها النجاح وإثبات كفاءتها وكان كل ما ينقص ذلك هو الإرادة السياسية والتخوف من أن تمسك المرأة بزمام الأمور ولكن المرأة المصرية تستطيع أن تغير هذه النظرة طالما أتيحت لها الفرصة ودعمتها الإرادة السياسية لتغيير نظرة المجتمع وتخوفه.
• تجربة أول وآخر نائبة لرئيس الجامعة
صاحبة التجربة التى استشهد بها الجميع والتى كان لها السبق فى اختراق المجال تحت قبة جامعة القاهرة وأثبتت نفسها بجدارة هى الدكتورة هبة نصار أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى شغلت نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة 2008 إلى 2013 بعد أن شغلت منصب رئيس قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فكان لابد أن أسالها عن تجربتها ووجهة نظرها فى عدم وصول المرأة لمنصب رئيس الجامعة إلى الآن.. «أنا بأسأل نفس السؤال» هكذا بدأت معى الدكتورة هبة نصار حديثها.. وأكملت: الأصل فى الموضوع هو الكفاءة بالطبع، ولكن كيف على مدى 108 سنوات لم تتولّ المرأة هذا المنصب؟! وكنت أنا الأولى والأخيرة أيضا كنائبة لرئيس الجامعة عندما يقول من حولى أول امرأة أرد «المهم أن يقال إنى كفء» فلو عندنا رجل وامرأة.. نختار الأكفأ، ولكن لو الاثنين على نفس القدر، يجب أن أشجع المرأة، فعدد الرجال كبير، وتولى العديد منهم المناصب، فلم لا أعطى المرأة حقها، ليحدث توازن فى النوع!! كما أن المرأة الكفء فى رأيى أفضل، لما تتسم به من الدقة، والاهتمام بتفاصيل قد لا يلتفت لها الرجل، وعندها من الإصرار والقدرة لإثبات نفسها ما يفوق الخيال، وكانت الظروف حولى مناسبة والمجموعة كلها متعاونة ومكملة لبعضها، مما ساهم فى نجاح تجربتى كنائبة لرئيس الجامعة، وبدا الحرص على الانضباط والدقة فى المواعيد فى احتفالية مئوية الجامعة وفى جميع التفاصيل الصغيرة بجانب الشق العلمى، والبحثى، والأكاديمى، وعرض الكتب وخلافه، وكما حدث أيضاً فى زيارة أوباما لجامعة القاهرة، صحيح أنها كانت تحت إشراف رئاسى لكن الأمور الداخلية كانت تحتاج بشدة للدقة، وللأسف «القبة كلها ذكورية» فحتى على مستوى الموظفين كلهم رجال وقلة قليلة جدًا موظفات، وهى ظاهرة غريبة تخص جامعة القاهرة، بالرغم من أن بناء هذا الصرح كان بمساهمة من امرأة هى الأميرة فاطمة إسماعيل وأتساءل لماذا كل هذه العناصر الذكورية تحت القبة؟ فكانت الإجابة من العاملين «مفيش ستات بتعيش فى الشغلانة هنا» بمعنى أن العمل شاق عليهن، وعلى المستوى الشخصى أنا نفسى كان تعيينى بمثابة صدمة ومحل استغراب من الموظفين كنت أرى فى عيونهم الدهشة وأتذكر السائق كم كان مندهشاً عندما بدأت مهام عملى وكنا فى رمضان وقتها.. فعندما أرجع بيتى على موعد الإفطار يتعجب ويقول «كنت فاكر الستات هتروح على الساعة 1 عشان عمايل الفطار»!! فالنظرة ليست أنه عمل وله مواعيده، بل امرأة ودورها الأساسى البيت!! فى هذا الجو ليس سهلاً أبدا العمل فى القبة وكانت دائماً النصائح «خليكى عميدة أحسن.. ابعدى عن منصب نائب الرئيس» وكان هناك حولى دائماً التخوف.
• الجانب الإدارى يغلب عليه الطابع الذكورى
وتكمل الدكتور هبة نصار حديثها: أرى أن النساء أخذن حقوقهن فى الوصول لمناصب سياسية واقتصادية فحتى منصب الوزيرات وصلن له، لكن الجانب الإدارى مازال يغلب عليه الطابع الذكورى، والتوجه العام لا لتمكين المرأة من المناصب ولا يوجد تعمد لإقصائها بالرغم من غيابها عن الإدارة العليا، وفى رأيى المهم هو الكفاءة رجل أو امرأة، والجانب الأكاديمى، والتاريخ العلمى والعملى.
• وجهة النظر الأخرى
كان لابد ونحن نناقش تولى المرأة رئاسة الجامعة أن نعرف رأى الرجل شريك المرأة فى ميدان العمل.. لذا لجأنا للمفكر السياسى الدكتور أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة فقال: ما يهمنى هو الصورة العامة فى المجتمع، بمعنى هل يوجد حجر على المرأة بصفتها امرأة، أم أن الباب مفتوح أمامها؟ وفى رأيى أنه لا يوجد حجر عرفاً أو ضمناً، واعتبارات الكفاءة هى التى تحكم هذا، وحدث أن أثبتت المرأة نفسها وتولت منصب نائب رئيس الجامعة عندما لمع اسمها بالكفاءة والقدرة فى جامعة القاهرة، وهو ما حدث فى إسكندرية وطنطا ووصلت المرأة لمنصب لرئيس الجامعة ولدينا فى جامعة القاهرة العديد من العميدات القديرات.. وسجل المرأة فى التعليم الجامعى مشرف جداً، بل إن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية العنصر الغالب فيها هو المرأة وتولت منصب العميد أكثر من دكتورة قديرة، الحالية الدكتورة هالة السعيد وقبلها الدكتورة علياء المهدى والدكتورة منى البرادعى.. فالباب ليس مغلقاً، وسيأتى يوم وتصل فيه المرأة للمنصب بصورة طبيعية..».
• لا للافتعال
ويكمل الدكتور أحمد يوسف: وهذا يذكرنى بالبعض عندما يقول لا بد من نسبة للأقباط فى الوزارة، فالمجتمع واحد وليس شرائح مختلفة، ما المشكلة ستة وزراء أو وزير!! المهم الكفاءة، وعندما نتعسف ونحكم بنسبة معينة فى أماكن معينة تكون النتيجة سلبية، كما حدث فى النظام الانتخابى وعدد كبير من النائبات دخلن مجلس الشعب لم تكن النتيجة مبهرة، المشكلة ليست فى الكم وإنما فى الكيف، أما مجلس النواب الحالى فالسيدات زادت نسبتهن وزدن تميزاً وقمن بدور فعال.. لا أنكر أن هناك من هن أكفاء وقد يختار صاحب القرار الرجل عند المفاضلة بينه وبين امرأة على نفس القدر من الكفاءة، ولكن يجب أن تكون المرأة شديدة البروز حتى لا يتردد صاحب القرار عند المفاضلة فى اختيارها.. وخير دليل أنه قد تولت أمانة المجلس الأعلى للجامعات الدكتورة سلوى الغريب وكانت هى المسئولة إدارياً عن كل الجامعات.. والمرأة فى الجامعة متفوقة، وسيأتى اليوم قريباً لتتولى المنصب ولكن دون افتعال، بل بصورة طبيعية لأنه لو حدث افتعال ستكون النتيجة سلبية وتسىء لكل امرأة بعد ذلك.•